تقرير عادل عبده بشر / لا ميديا -
شهدت محكمة جنوب غرب الأمانة، جلسة ساخنة، الثلاثاء 22 آب/ أغسطس الجاري، في جريمة الدواء الملوث الذي أودى بحياة 11 طفلاً من مرضى لوكيميا الدم في مستشفى الكويت بصنعاء، وإصابة  10 آخرين بمضاعفات، بينهم طفلان في مركز الأورام في سيئون بمحافظة حضرموت، أواخر أيلول/ سبتمبر 2022م.
الجلسة التي استمرت قرابة الساعة والنصف، استجوب فيها القاضي أسامة الجنيد، فريق الهيئة العليا للأدوية الذي تم إيفاده للتفتيش على المصنع المنتج لدواء الـ(methotrexate) المتسبب بالجريمة، ويتبع شركة CELON LABS (سيلون لابز) الهندية.
المفتشان أفادا أن المصنع يقع في مدينة حيدر أباد بالهند، وتضمنت مهمتهما التفتيش على الشركة المنتجة للدواء لمعرفة إن كانت مطابقة لشروط التصنيع الدوائي الصادرة من منظمة الصحة العالمية، وأكدا أن المهمة استمرت أربعة أيام مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2022م، وخلصت إلى عدد من الملاحظات، أبرزها أن وحدة معالجة المياه في المصنع تتعرض للتلوث، وأن خط إنتاج «الفيالات والأمبولات» ليست كلها أوتوماتيكية، وجزءا كبيرا منها يدوي، وهو ما يجعلها معرضة للتلوث ويخالف معايير التصنيع الدوائي المتعارف عليها عالمياً.
وأوضحا أن الشركة الهندية طلبت منهما في اليوم الثالث إيقاف التفتيش والمغادرة، بحجة أن لديها فريق تفتيش آخر قدم من إفريقيا، لكنهما تمكنا من إقناع الشركة بالبقاء لليوم الرابع بهدف فحص وثائق الأدوية.
وقالا إنهما وجدا ملف التشغيلة الدوائية رقم (12101) ضمن ملفات الشركة الهندية، وهذه التشغيلة هي المتسببة بكارثة أطفال اللوكيميا في مستشفى الكويت.
القاضي أسامة الجنيد سأل خبيري الهيئة العليا للأدوية، إن كانا قاما بأخذ عينات للدواء من الشركة نفسها بغرض فحصها وتحليلها سواء في اليمن أو حتى الهند، فأجابا بأن «سيلون لابز» رفضت إعطاءهم أي عينات.. وأردف القاضي بسؤالهما: هل أخذتما إلى الهند عينات من التشغيلات الملوثة، محل الجريمة، التي ضبطتها هيئة الأدوية في صنعاء؟ وكان الرد شبه مرتبك، إذ أوضح أحد المفتشين أنه لا يعلم «إذا عندنا عينات» ثم أضاف بالقول: «العينات التي في الهيئة مخبيات في خزنة حديد».

قالوا لنا
المفتشان وهما يستعرضان جهودهما في استكشاف أخطاء الشركة المُصنعة للدواء في مدينة حيدر أباد، أفادا أنهما لم يتمكنا من أخذ أي صور فوتوغرافية توثق الاختلالات في عملية التصنيع الدوائي «رفضوا السماح لنا بالتصوير بحجة أن الشركة تمنع التصوير»، وهو ما دفع محامي شركة «سيلون لابز» إبراهيم الجنداري، لتوجيه السؤال لأحد المفتشين وهو الدكتور علي سيف، مستشار رئيس هيئة الأدوية لشؤون المختبر، فحواه: «هل جميع الإجراءات والاختلالات التي تحدثت عنها تمت أمامكم؟»، فكان الجواب: «لا.. وجدنا المصنع متوقفا عن العمل ماعدا التغليف الثانوي، وما ذكرناه تم شرحه لنا هناك ولم نشاهده بأعيننا».
وأضاف المحامي الجنداري سؤالاً آخر إن كان ما ذكره المفتش سيف ورفيقه عادل حُميد، أدى إلى تلوث الفيالات، محل القضية، على وجه اليقين.. فكان الرد: «لا أتحدث باليقين ولكن احتمال يحدث»، فطلب الجنداري من المحكمة تثبيت هذا الجواب وخصوصاً كلمة «احتمال»، ثم استطرد بسؤال: «هل بالإمكان تلويث (الفيالات) بفعل فاعل؟»، ليأتي رد مفتش هيئة الأدوية: «لا أعلم» وأتبعه بالقول: «هذا الأمر صعب»، لتضج القاعة باعتراض محامي الهيئة العليا للأدوية وعددهم ثلاثة، على أسئلة محامي الشركة الهندية، الذي بدوره قال: «أنا سؤالي هل يمكن تلويثها بفعل فاعل، وهو أجاب لا أعلم»، وبنبرة تحدٍ أضاف المحامي الجنداري: «ونحن سنأتي بمن يعلم»، وواصل إلقاء أسئلته اللاذعة: «هل تلك الفيالات مُرخص لها في اليمن؟»، دافعاً بمحامي الهيئة إلى الاعتراض مجدداً قائلين: «مالوش علاقة»، فعقب الجنداري متسائلاً: «طيب كيف دخلت اليمن؟»، وكان رد المتفش سيف: «مدري» وضج المحامون ذاتهم بنقطة اعتراض.
القاضي أسامة الجنيد بدوره سأل المفتش سيف: «هل قمت شخصياً بفحص العينات، محل القضية، في مختبر الهيئة؟»، أجاب: «لا، وإنما قام بذلك المختبر وتبين وجود تلوث في عينات»، ليجد المحامي إبراهيم الجنداري فرصة ليستمر في محاصرة فريق هيئة الأدوية باستجواب زاد من صخب الجلسة، قائلاً: «هل باقي عينات من الدواء المضبوط في صنعاء، مُحرَّز لدى الهيئة؟»، غير أن سؤاله ضاع في الصخب، ليرد على نفسه بالقول: «يوجد لدى هيئة الأدوية عينات ونطالب بإحضارها»، فخاطبه القاضي الجنيد: «أنت لست في قرار الاتهام، إلى حد الآن لا أُقاضي الشركة».
عدد من محامي المتهمين طلبوا تقديم أسئلة للفريق الزائر للهند، غير أن محامي الهيئة العليا للأدوية، اعترضوا قائلين إن محامي المتهمين الآخرين «ليس لهم دخل» كون فريق التفتيش يقدم تقريره للمحكمة وليس لأي طرف في القضية.

حجز الأرصدة
وفي ذات الجلسة طلب محامي أولياء الدم عبدالمجيد صبرة، من المحكمة إلزام وكيل الشركة الهندية في اليمن أو أي شركات دوائية أخرى، بعدم التعامل مع «سيلون لابز» حتى ترضخ لتعويض أولياء دم الأطفال المجني عليهم، وكذلك التصالح معهم، ليجد نفسه أمام اعتراض المحامي الجنداري قائلاً: «اثبت عليها أولاً وبعد ذلك امنع التعامل معها»، غير أن صبرة لم يُعقب، وواصل حديثه طالباً من عدالة المحكمة «إلزام النيابة بتقديم الشركة الهندية كمتهمة حتى لا تتجزأ القضية»، وطالب بـ»الحجز على مبلغ 21 مليون ريال من أرصدة الهيئة العليا للأدوية في كاك بنك» لرفضها تنفيذ قرار المحكمة الصادر في شهر شعبان الماضي، بتسليم أُسر الأطفال الضحايا مبلغ مليون ريال لكل أسرة، كجزء من التعويضات المستحقة لهم.

الجلسة الـ21
في ختام الجلسة قرر القاضي نبيل الجنيد منح جميع المترافعين في القضية فرصة أخيرة لتقديم كافة ما تبقى لديهم من مرافعات، والتأجيل إلى الجلسة القادمة بتاريخ 5 أيلول/ سبتمبر القادم.
وكان الأطفال من مرضى لوكيميا الدم في مستشفى الكويت بصنعاء، قد تلقوا أواخر أيلول/ سبتمبر 2022م، جرعة من دواء (methotrexate) ليتضح لاحقاً أن الدواء ملوث وأودى بحياة 11 طفلاً، وأدخل 10 آخرين العناية المركزة نتيجة للمضاعفات الخطيرة التي تسببت بها الجرعة الفاسدة.
وعقدت المحكمة في هذه القضية حتى يوم الثلاثاء، 21 جلسة، حضرت «لا» ثمان جلسات وتُعتبر الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي تُغطي جلسات المحاكمة، والمتهمون في الجريمة عددهم تسعة، جميعهم يُحاكمون خارج قفص الاتهام بعد أن تم الإفراج عنهم بالضمان، عدا المتهم الأول الذي قررت المحكمة بتاريخ 8 أغسطس/ آب الجاري، الإفراج عنه بالضمان، غير أنه لم يستطع مغادرة السجن، كونه عجز عن تقديم الضمان المطلوب، بحسب المحامي المترافع عنه.