دمشق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
لاتزال المعلومات الأولية، حول العملية الإرهابية في موسكو، والتي ذهب ضحيتها أكثر من 120 قتيلا في بداياتها، وهناك الكثير من التفاصيل التي ستتكشف، بعد إعلان السلطات الروسية، عن اعتقال 11 شخصا بينهم المنفذون الأربعة، وبالتأكيد سيكون هناك معتقلون ومشتبهون آخرون، لكن من المعطيات التي توفرت، يمكن قراءة الكثير من المؤشرات حول العملية، واحتمالاتها، تداعياتها وأهمها:
• يبدو حتى الآن، أن مجموعات إرهابية، تعمل في سورية، وتحديدا في إدلب وشمال حلب، والبادية السورية، متورطة بالعملية، وتمت تسمية الإيغور (التركستان) الصينيين، الذين يعملون بأوامر وإدارة مباشرة من تركيا، ومتواجدون بشكل خاص في ريف إدلب.
• التأكد من أن أحد المنفذين، جاء من تركيا، في 4 شباط/ فبراير الماضي، وكان من المقرر أن يحصل على 500 ألف روبل من منظمي الهجوم، مما يؤكد وجود جهة رئيسية وراء العملية.
• تم إلقاء القبض على المنفذين للعملية، وهم متجهون نحو الحدود الأوكرانية، وإعلان جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، أن المنفذين كانت لهم اتصالات ذات صلة، على الجانب الأوكراني.
• تنظيم داعش، وحده من أعلن مسؤوليته عن العملية، وهذا يمكن وضعه حتى الآن، في دائرة الاحتمالات، فقد يكون صحيحا، أو للتمويه على طرف ثالث.
• العملية جاءت بعد التحسن في العلاقات التركية الأمريكية، ونشر تقارير عديدة، تؤكد أن أول شروط واشنطن لهذا التقارب، ابتعاد تركيا عن خط موسكو -طهران.
• الموقف التركي، كان أقل بكثير، مما تفترضه خصوصية ونوعية العلاقة مع روسيا، منذ العام 2016 وارتباطها بكل ملفات الصراع الساخنة اليوم، واقتصر الموقف التركي، على اتصال من وزير الخارجية هاكان فيدان، مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، للتنديد بالعملية، وكان لافتاً صمت أردوغان بشكل مريب حتى الآن، وهو المعروف عنه كثرة تصريحاته، فيما كان موقف معظم الدول، التي نددت بالعملية، على مستوى الرؤساء ورؤساء الحكومات.
• الكشف عن تحذيرات أمريكية بريطانية، لرعاياهما في موسكو، قبل أيام من العملية، بالابتعاد عن الأماكن العامة، والحفلات الموسيقية والمهرجانات.
• لوحظ مسارعة الرئيس جو بايدن، للاتصال مع رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، وترافق ذلك مع محاولة واشنطن، إبعاد النظام الأوكراني عن العملية، ووجود ارتباك أمريكي في رد الفعل، والتعامل مع العملية، وإعلان السفارة الأمريكية في موسكو، أنها أرسلت تحذيرات للسلطات الروسية، عن معلومات باحتمال القيام بعملية إرهابية، لكن كان لافتا، تأكيد السفارة أنها لا تعلم ما إذا كانت هذه المعلومات، مرتبطة بالعملية التي حدثت في موسكو.
• جاءت العملية، بعد انسداد الأفق، في التطورات التي تجري في فلسطين المحتلة.
• كما جاءت، بعد الإعلان اليمني المفاجئ، والمثير، عن امتلاك اليمن (المقاوم) صواريخ فرط صوتية، ومنها صواريخ بحرية، لم تتمكن أمريكا من امتلاكها حتى الآن، وإطلاق أول صاروخ منها على ميناء «إيلات» في فلسطين المحتلة، ووصوله إلى هدفه، بعد عجز القوات الأمريكية و»الإسرائيلية»، عن رصده والتصدي له، واللافت أن أول إعلان عن هذه الصواريخ، جاء من مصادر روسية، مع إدراك الجميع أن امتلاك اليمن مثل هذه الصواريخ، لا يمكن أن يتم إلا بمساعدة من جهة تمتلك هذه التقنية، الموجودة حتى الآن فقط في روسيا وإيران والصين.
هذه المعطيات المتوفرة حتى الآن، يمكن أن تقدم الكثير عن المؤشرات، والتداعيات المحتملة للعملية وأهمها:
• أيا كانت الجهة المنفذة، فالعملية كبيرة، ومخطط لها بدقة، وبإمكانات تفوق قدرة التنظيمات الإرهابية على تنفيذ مثل هذه العملية بمفردها، وهذا يؤكد وقوف أجهزة استخبارات، تمتلك إمكانات كبيرة، وقادرة على تقديم الخدمات اللوجستية للمنفذين وراء العملية.
• كل هذه المؤشرات والمعطيات، تضع أجهزة الاستخبارات في تركيا، والولايات المتحدة الأمريكية، في مقدمة من يمكن أن تتوجه لهم التهم بالتورط في التخطيط للعملية، ومساعدة المجموعات الإرهابية على تنفيذها، وبدون استبعاد أجهزة الاستخبارات البريطانية، والفرنسية، والألمانية، التي تنشط وسط هذه المجموعات، وتقوم برعايتها وإدارتها وتوجيهها.
• وجود ترابط وثيق، بين العملية، وما يجري في فلسطين المحتلة، وسورية، والبحر الأحمر، وأوكرانيا.
أما احتمالات الرد، فمن المؤكد أن الرد الروسي، لن يتوقف على مجرد توجيه ضربات إلى الجهات التي ستعتبرها متورطة في العملية، سواء أوكرانيا، أو المجموعات الإرهابية المسلحة في سورية، وإنما سيكون للعملية، ارتدادات جيوسياسية، ستطال علاقات روسيا، مع الأطراف التي تقف وراء الجهة المنفذة، ويبدو أن تركيا، المتأرجحة بدون ثبات، بين روسيا وأمريكا، ستكون أول المتأثرين بهذه الارتدادات.
هذا يؤكد أن الميدان السوري، سيكون المكان الأرجح، للرد الروسي المباشر على العملية، باعتباره خط التماس، بين كل الجهات المعنية بما جرى في موسكو، وتحديدا مع تركيا والولايات المتحدة، الأمريكية حيث تعمل المجموعات الإرهابية، المتهمة بالعملية، بتوجيه وإشراف مباشر من أجهزة استخبارات الدولتين، وحتى لو تم الرد في الميدان الأوكراني، لأسباب تخص الحسابات الروسية، حول عمليتها في أوكرانيا من جهة، وعلاقتها مع واشنطن وأنقرة من جهة ثانية، فإن الميدان السوري، لن يكون بعيدا عن تداعيات الرد، خاصة وأن الوضع فيها، كان يتجه نحو تنفيذ عملية سورية روسية، في المناطق التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية، المتهمة بعملية موسكو، وحركة تحرير الشام (جبهة النصرة) بقيادة الإرهابي أبو محمد الجولاني، لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، في قمة سوتشي بين الرئيسين بوتين وأردوغان، حول إدلب وشمال حلب، وفتح طريق (M4) الواصل بين حلب واللاذقية عبر محافظة إدلب، ومحاولة أردوغان، الحصول بالمقابل، على ضوء أخضر من موسكو، لتنفيذ الخط الأمني بعمق 30 كم داخل الأراضي السورية، خاصة بعد ضمان الضوء الأخضر الأمريكي للعملية، بعد التقارب بين أنقرة وواشنطن، لكن من المؤكد أن الحسابات بعد عملية موسكو ستتغير كثيراً، وقد يتم تنفيذ العملية في إدلب، بدون التنسيق هذه المرة مع تركيا.
كما يتوقع أن يتم تنفيذ عمليات أوسع، ضد تنظم داعش، في البادية السورية، حيث يعمل التنظيم، بإشراف وتوجيه مباشر، من القوات الأمريكية في قاعدة التنف، قرب الحدود السورية، مع العراق والأردن.
كما أن الوضع في فلسطين المحتلة، والبحر الأحمر، والعراق، لن يكون بعيداً عن ارتدادات عملية موسكو، وقد نشهد تصعيداً في الضربات اليمنية ضد السفن الأمريكية والبريطانية، خاصة وأن عملية موسكو، تزامنت مع تصعيد أمريكي بريطاني، ضد اليمن، وتوعد يمني بردٍ مؤلم، تحت شعار «سنؤدبكم» ووعد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، بأن مفاجآت تنتظر الأمريكيين والبريطانيين، وكان لافتاً مسارعة الرئيس مهدي المشاط، للإبراق إلى الرئيس بوتين، للتنديد بالعملية الإرهابية في موسكو.
وبانتظار الكشف عن المزيد من التفاصيل عن العملية، وتحديد الجهة المسؤولة عنها، والتي تقف وراءها، فمن المؤكد أن كل نقاط الاشتباك، ستتأثر بها، وستأخذ مسارات الصراع، خطاً تصاعدياً، ليس واضحاً الآن، المدى الذي يمكن أن يصل إليه.