دمشق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا
مع انشغال السوريين بتجهيزات سحور يوم الجمعة 18 رمضان، الموافق 29 آذار/ مارس الجاري، شنت طائرات الاحتلال الصهيوني عدواناً كبيراً، استهدف -بحسب البيان العسكري السوري- «عدداً من النقاط في ريف حلب... أسفر عن العدوان استشهاد وجرح عدد من المدنيين والعسكريين، ووقوع خسائر مادية في الممتلكات العامة والخاصة».
اللافت في العدوان الصهيوني أنه تزامن مع عدوان آخر كبير، نفذته في الوقت نفسه، التنظيمات الإرهابية المسلحة، بالطيران المسير، على عدة مواقع في المنطقة.
كما نفذت هذه المجموعات، التي تشكل المخلب المتقدم للعدوين «الإسرائيلي» والأمريكي، عدة هجمات على محاور ونقاط التماس، مع وحدات الجيش السوري، في ريفي إدلب وحلب الغربي.
وفي معلومات من مصادر متعددة أن العدوان الصهيوني استهدف منطقتي جبرين وكفرجوم، ومراكز البحوث العلمية في منطقة السفيرة، وعدة مواقع في ريفي شرق وغرب حلب، وأسفر عنه استشهاد 42 وحوالى مئة جريح، من العسكريين والمدنيين.
كما أفادت هذه المصادر بأن العدوان، الذي وصفته «القناة 13» الصهيونية بأنه «لم يحدث حتى في لبنان»، هو الأعنف على سورية منذ العام 1973، وتم عبر الأجواء الأردنية، والتسلل من فوق قاعدة التنف الأمريكية، نحو عمق البادية السورية، ومنطقة أثريا شرق حماه، بتغطية من الاحتلال الأمريكي.
وفي قراءة لهذا العدوان الصهيوني، الأخطر حتى الآن، أنه جاء وسط أجواء على مسارين: الأول يتعلق بالميدان السوري، والثاني أبعد بكثير، ويتعلق بكافة الميادين ونقاط الاشتباك مع العدوين «الإسرائيلي» والأمريكي، وحتى الميدان الأوكراني.
فقد سبق هذا العدوان تأكيد أكثر من قائد عسكري صهيوني أن سورية تشكل الخطر الأكبر على الكيان الصهيوني، باعتبارها تشكل قلب محور المقاومة، ونقطة الوصل، ودعم وتصنيع وخط إمداد فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، بالسلاح والمعدات.
وجاء بعد اضطرار العدو الصهيوني لوقف الاعتداءات على مطاري دمشق وحلب، بعد تحول الطيران الإيراني إلى مطار حميميم قرب اللاذقية، حيث توجد القاعدة الروسية.
كما جاء استمرارا لعمليات إشغال أمريكية و»إسرائيلية» وتركية للجيش السوري، وفصائل المقاومة في سورية، بشكل مباشر، منذ بدء عملية «طوفان الأقصى» وفتح جبهات الإسناد لغزة، بتنفيذ الاعتداءات المتكررة، أو عبر المجموعات الإرهابية المسلحة.
تتم هذه المشاغلة أولاً عبر مواصلة الاعتداءات الصهيونية، كما حدث أكثر من مرة في ريف دمشق، وأمريكية كما حدث قبل أيام في دير الزور، وعبر تنظيم داعش، في المنطقة الممتدة في البادية والمناطق الشمالية الشرقية، وخاصة على طريق حمص دير الزور، وصولاً إلى البوكمال، حيث معبر القائم، على الحدود العراقية السورية، حيث تقوم هذه التنظيمات بعملياتها بإدارة وإشراف ودعم استخباراتي ولوجستي مباشر من قاعدة التنف الأمريكية، ضمن الحدود السورية مع العراق والأردن.
وتحولت هجمات تنظيم «داعش» منذ «طوفان الأقصى» لتصبح هجمات منظمة، وأشبه بمعارك حقيقية، تدور لعدة ساعات، مع وحدات الجيش السوري وحلفائه، ويستخدم داعش العتاد المتوسط والثقيل، وسيارات الدفع الرباعي، المزودة برشاشات، وبدراجات نارية، للتنقل في عمق البادية.
ويقوم سلاح الجو السوري والروسي بعمليات استطلاع دائمة لمواقع التنظيم، مع تنفيذ غارات على هذه المواقع، عند كل اكتشاف لمخابئها ومناطق انتشارها.
وقبل أسابيع، تم إسقاط مسيرتين أمريكيتين من نوع (RQ-21 Blackjack) المتطورة، فوق ريف الرقة، كانتا تقدمان مساعدات لوجستية للتنظيم.
كما تتم هذه المشاغلة عبر التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها جبهة النصرة أو «جبهة تحرير الشام» في أرياف حلب وإدلب وشمال اللاذقية وشمال غرب حماه، التي تعمل بإدارة وإشراف تركي مباشر، حيث لوحظ زيادة ملحوظة في اعتداءات هذه المجموعات على مواقع الجيش السوري، واستخدام الانغماسيين الانتحاريين، من جنسيات أجنبية مختلفة، من إيغور وشيشان وتركستان وأوزبك وألبان، ومن جنسيات عربية أيضاً.
كما لوحظ تصاعد عملياتها بالمسيرات، وسط معلومات عن وجود خبراء وأجهزة استخبارات أتراك، ومن عدة دول، يدربون هذه المجموعات الإرهابية على تطوير المسيّرات واستخدامها. وتؤكد هذه المعلومات حضور خبراء من أوكرانيا لهذه الغاية، وللإشراف على هجمات تنفذها على مواقع سورية وروسية في سورية.
وتقوم وحدات الجيش السوري والقوات الرديفة بالرد المباشر على هذه الهجمات، وعلى ورش تصنيع القذائف الصاروخية والمسيرات، الموجودة في المنطقة الصناعية، في إدلب وريفها.
وتؤكد المعطيات الميدانية أن الجيش السوري وحلفاءه يسيطرون على الوضع على امتداد هذه الجبهات، ويكبدون المجموعات الإرهابية خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات.
وخارج الميدان السوري، لوحظ أن العدوان جاء وسط ظروف وأجواء عديدة، أهمها:
• انسداد الأفق في الوضع في فلسطين المحتلة، وفشل كل المحاولات الجارية للتوصل إلى أي اتفاق لوقف المواجهات، بما ينذر بتوسعها لتطال ساحات عديدة، وفي مقدمتها الساحة السورية.
• توسع نطاق المواجهات بين المقاومة اللبنانية والعدو الصهيوني، وبدء استخدام حزب الله لصواريخ أثقل وأكثر تأثيراً في عملياته الأخيرة، ضد مواقع قوات الاحتلال الصهيوني، وعلى مساحات أعمق داخل فلسطين المحتلة.
• التطورات المتسارعة في البحر الأحمر، وتأكيد اليمن (المقاوم) توسيع نطاق استهدافه للسفن «الإسرائيلية»، أو المتوجهة إلى الكيان الصهيوني، وللسفن الحربية الأمريكية والبريطانية، وتأكيده امتلاك صواريخ فرط صوتية ودقيقة تشكل تهديداً حقيقياً للتواجد الأمريكي والبريطاني في المنطقة.
• كما تؤكد مشاركة سلاح الجو الروسي في عمليات الاستطلاع وضرب مواقع المجموعات الإرهابية، والإعلان عن وجود خبراء أوكرانيين يعملون مع هذه المجموعات، أن ما يجري يمتد أبعد من ساحات الاشتباك في فلسطين المحتلة والمنطقة.
ما يمكن تأكيده أن هذا العدوان الصهيوني الكبير لا يمكن أن يمر بدون رد، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر؛ لكن طبيعة وزمان ومكان الرد لا يمكن التنبؤ بها؛ لأنه يخضع لقواعد الاشتباك التي تحددها غرفة عمليات المقاومة، التي تدير الصراع مع العدو في كافة ميادين وساحات الاشتباك، وهي تراقب وتدرس وتخطط وتنفذ عمليات المواجهة، وقد أثبتت هذه الغرفة قدرتها الكبيرة على التعامل مع الأحداث والتطورات، سواء الميدانية أو السياسية.
ورغم شراسة هذا العدوان فهو يأتي ضمن عمليات المواجهة التي تؤكد أنها تسير في مسار تصعيدي، ولا يوجد أي أفق لتوقفها، لأنها أبعد وأكبر وأعمق من مجرد مواجهة عادية أو معركة ضمن الحروب، لتكون صراع إرادات سيحدد مصير المنطقة وخريطتها الجيوسياسية المستقبلية، ومن سيصرخ أولاً في هذه المواجهة سيكون عليه دفع الثمن.
وما يمكن تأكيده أن العدو الصهيوني والأمريكي يبدوان في وضع يصل حد الخطر الوجودي، وأن محور المقاومة -رغم الأثمان الكبيرة- يبدو في وضع أكثر قدرة على الصبر والصمود والاستمرار في المعركة ومراكمة الإنجازات، التي ستتحول في لحظة ما إلى نصر كبير وغير مسبوق.