تحقيق: بشرى الغيلي / لا ميديا -
ليس لتهامة ومزارعيها سوى المقولات الفضفاضة: «تهامة سلة اليمن الغذائية»، «من يزرع تهامة يأكل ليوم القيامة».. إلى آخر تلك العبارات.. وعندما يتوجه مزارعوها لزراعةِ حقولها وأراضيها الخصبة ويزرعونها بغيةِ تحسين أوضاعهم من خلال العودة لزراعةِ الأرض، ينصدمون بواقعٍ أصغر من طموحاتهم الكبيرة، وما حصل مؤخرا لمزارعي الطماطم في سهول تهامة بمديرية عبس  في محافظة حجة، شمال غرب اليمن، جعلهم في إحباطٍ كبير، حيث بلغ سعر السلة الطماطم ألف ريال بكل أسف، رغم توجيهات القيادة الثورية بالعودةِ للزراعةِ والاهتمام بها وأن الزراعة خيار مجد لرفد الاقتصاد المحلي والاكتفاء الذاتي، وكان لصحيفة «لا» السبق في رصدِ معاناة المزارعين وتحدثوا للصحيفة كونها الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي شاركتهم معاناتهم، وبعد المواجهة مع المختصين في أكثر من جهة هناك أرجعوا الأسباب لغياب وعي المزارعين، والبعض الآخر ألقى بالمسؤولية لجهات أخرى، وهنا تحققنا من ذلك مع أكثر من جهة مختصة لتكون الصورة أوضح للجميع، ونأمل أن يكون هذا التحقيق نقطة ضوء تعيد النظر في أوضاعِ المزارعين حتى يستمروا في زراعةِ الأرض واستخراج خيراتها لتهامة ولليمن أجمع.

خسرتُ في كل المواسم
حاول محمد علي بخيت (33 عاما) البحث عن مصدر رزق له من خلال زراعة الطماطم التي اعتقد أنها ستدر عليه الكثير.. ولكنه اصطدم بالواقع البائس، «رجعنا للزراعة وخاصة زراعة الطماطم واستلفنا وبعنا الذي معنا وتحملنا ديونا فوق الخمسين ألف ريال سعودي من أجل توفير المنظومة الشمسية وبقية الأدوات الزراعية..».
وبعد محاولات منه زرع في الموسم الأول فخسر، ثم الموسم الثاني فخسر أيضا، مما جعله يبحث عن تعويض لخسارته، ورغم خساراته المتعددة إلا أنه خسر أيضا في الموسمين الرابع والخامس خسارة فادحة: «السبب سوء التسويق، هنا الفوضى، عشوائية في عملية تسويق المنتجات الزراعية..».

مش حق المشاوير
«مش حق المشاوير..» هكذا بدأ حديثه لـ«لا» عيسى إبراهيم عيسى (40 عاما)، إذ إنه باع السلة الطماطم بألف ريال ومع مشاويره وصلت الى 800 ريال، بينما تصل السلة عند خروجها من المزرعة بقيمة 2500 ريال، مبيدات، بذور، عمال، سهر، عمل شاق، «نحن على هذه الحال منذ خمس سنوات..».

من أين ندفع الديون؟
خمسة أعوام ونحن على نفسِ هذا الوضع، وكل عام نفس الحال.. علي شوعي إبراهيم (34 عاما) بدأ حديثه بذلك وواصل حديثه لـ«لا»: «وعندما تسوق ترجع بألف ريال، من وين نحاسب الديون؟».

بورة..
أما الستيني أبو عبدالله (67 عاما) فيرجع السبب إلى رجال الأعمال الذين يقومون بزراعةِ مساحات واسعة على امتداد البصر، ويقول: «بسبب استبدادهم الكبير فبدلا من أن يقوموا بتسويق الطماطم إلى المحافظات، يسوقونها إلى السوقِ الصغيرة المخصصة للمزارعين الصغار وتحدث البورة».

غياب التسويق
أسباب الكساد في سوقِ الطماطم يرجع إلى غياب التسويق لمنتجات المزارعين حسب تشخيص المزارع أبو إبراهيم (40 عاما)، يضيف: «وكذلك غياب التنسيق بين المزارعين والجهات المختصة».. ويستطرد: «لأن المساحات التي يقوم بزراعتها المزارعون تفوق حجم الاحتياج، ناهيك عن المساحات الكبيرة التي يزرعها رجال الأعمال، وبرأيي يجب على الجهات المختصة التواصل مع رجال الأعمال لتشييد مصانع للصلصة في تهامة كواحد من الحلول لشراء منتجات المزارعين من الطماطم».

سأبحث عن مصدر رزق آخر
وضع المزارعين في تهامة سيئ جدا بسبب الخسائر المتكررة كل عام.. بدأ المزارع أحمد عبده حارق (40 عاما)، حديثه لـ«لا»، مؤكدا أن من تلك الأسباب وجود «حلقة» واحدة فقط في مديرية شفر للتسويق وفيها احتكار كبير، والحلقة عبارة عن مركز تسوق لبيع الخضار، مما يجعل التنافس غائبا، وعملية بيع الطماطم وراءها تلاعب كبير بتدني الأسعار، حسب حارق.
وختم رأيه: «كان في السابق إذا نزل السعر ينزل بالمعقول أما هذه الأيام سعر السلة الطماطم وصل إلى أقل من ألف ريال، بالنسبة لي أنا خلاص آخر سنة أزرع طماطم، ولن أكرر ذلك، وسوف أبحث لي عن مصدر رزق آخر».

المزارعون لم يلتزموا
«حاولت الجمعية تنظيم عملية زراعة الطماطم من أجل نجاح آلية التسويق لكن المزارعين للأسف لم يلتزموا بزراعة مساحة محددة من الأراضي حتى يتم التسويق وفقا للاحتياج»، هذا ما أكده رئيس جمعية عبس الزراعية، علي يحيى الأكوع، الذي يضيف أن المزارعين قاموا بزراعة مساحات واسعة فاقت حجم الاحتياج، مما تسبب في انخفاض الأسعار، وختم: «نحن في الجمعية نعمل على معالجة هذه المشكلة والوصول إلى حلول ناجعة، لكن المزارعين قاموا بزراعة مساحات واسعة تفوق حجم الاحتياج الأمر الذي تسبب في انخفاض الأسعار، الأمر يحتاج تعاونا معنا من المزارعين أنفسهم».
يتفق مع وجهة نظر الأكوع، وكيل محافظة حجة رئيس اللجنة الزراعية إبراهيم عامر الذي أوضح أن المشكلة تتكرر كل عام وقال: «لكم أن تعرفوا من سوق الجملة بالسوقِ المركزي بصنعاء وتتلخص المشكلة بعدم التزام المزارعين في كل المحافظات بالتوعيةِ والربط بين الإنتاج والاستهلاك والمعالجة»، وختم: «لا يمكن أن تعالج المشكلة في محافظة حجة دون محافظة الحديدة ولا الحديدة دون صعدة، وعليكم الرجوع إلى صنعاء».

غياب السياسة التسويقية
وكما هي عادة المختصين كل مسؤول يُلقي باللائمة على مختص آخر، وهنا توجهت صحيفة «لا» بطرح ذلك على وزارة الزراعة بالعاصمةِ صنعاء وهناك رد على تساؤلاتنا المهندس هلال محمد الجشاري، مسؤول قطاع الدواجن باللجنة الزراعية والسمكية العليا، والذي بدوره قال إن «غياب السياسة التسويقية من الجهات المعنية والاتحادات والجمعيات التعاونية يؤدي إلى استمرار خسارة كل من المنتج والمستهلك، مما ينعكس سلباً على الزراعة والمنتج المحلي والاكتفاء الذاتي، لهذا من المهم وجود أسواق حديثة وتوفير مخازن في أماكن الإنتاج لتخزين الفائض ثم إعادة تسويقه في حال نقص الكمية المعروضة في السوق بسعر مناسب للمنتج والمستهلك مع دعم تكاليف التخزين، وضرورة وجود نظام إحصائي للطلب السوقي للمنتجات الزراعية من أجل توجيه المزارع نحو تنويع الإنتاج وبالتالي تفادي ندرة المنتج أو توفره بكميات أكبر من الطلب».

توجيهات القيادة الاهتمام بالزراعة
يضيف الجشاري من محورٍ آخر: «رغم رؤية توجهات القيادة وتوجيهاتها والتوجه العام نحو الاهتمام بالزراعةِ والمنتج والمزارع المحلي وصولا إلى الاكتفاء الذاتي، إلا أننا مازلنا نعيش تيها ونوما وسباتا عميقا، ويوجد للأسف من يصرون على العمل بنفس الروتين السابق لحكومات سابقة فاشلة تابعة مسحوبة القرار كانت تعتمد في قوتها وغذائها وأساسياتها على التبعية والاستيراد من الخارج غير مدركين ما يجري من حولنا من تغيرات عالمية فيها أكثر الدول والشعوب ضرراً هي من تعتمد على غيرها في غذائها وأساسياتها وكل ما يلزمها».
وختم الجشاري بدعوته لـ«التوجه إلى الميدان الزراعي بشكل مرتب ومنظم، وإن تطلب العمل المكتبي فليكن في الميدان عبر عمل مكاتب مصغرة سواءً في الجمعيات، أو بالمراكز الإرشادية والبيطرية وغيرها، ولنتحرر من التبعية والوصاية ونكتفي ذاتيا».

عدم الوعي تسبب بفقدان السيطرة
من رأي وزارة الزراعة عودة مجددا لأهل الاختصاص في مديريةِ عبس بمحافظةِ حجة حيث طرحت «لا» تساؤلها على مدير المديرية، الشيخ علي صوعان، الذي أكد أن هناك محاولة للتسويق لأحد المصانع في محافظة الحديدة من جمعية عبس الزراعية متعددة الأغراض إلا أن المزارعين اتجهوا إلى زراعة كميات وهكتارات كبيرة من الأرض من محصول الطماطم، وأن التوعية مستمرة للمزارعين وبعض التجار بالتوجه لزراعةِ محاصيل متعددة كالحبوب والقمح والبقوليات.
وأرجع صوعان السبب إلى عدم الوعي لدى المزارعين وبعض التجار الذين قاموا بتوفير الشتلات بكميات هائلة دون تخطيط وحساب للتسويق ما جعل المنتج من الطماطم صعب السيطرة عليه أو تسويقه.

المزارعون التزموا في المحاضر فقط
وبما أن صوعان مدير مديرية عبس ذكر في نهاية تصريحه جمعية عبس الزراعية متعددة الأغراض ومؤسسة بنيان، وهنا نبدأ برد الجمعية المتمثلة بمحمد عبده عثمان، مسؤول التسويق بالجمعية، الذي أكد أنه قبل زراعة محصول الطماطم تم النزول الميداني من قبل رئيس الجمعية ومسؤول التسويق، ومنسق مشاريع المديرية لعمل جلسات توعوية واجتماعات موسعة مع المزارعين، وبعد التوعية التي قدمت لهم من قبل الفريق التزم المزارعون بالتقليل من زراعة محصول الطماطم بنسبة 60٪ مثال المزارع الذي زرع العام الماضي 50 معادا التزم بزراعة 20 معادا فقط خلال هذا الموسم، والتزم الجميع بذلك حسب محاضر الاجتماعات، وذلك للتخفيف من زيادة عرض محصول الطماطم لكي يزيد الطلب في السوق عليه حتى يكون السعر مجديا للمزارع ويستفيد كذلك من زراعة ما تبقى له من الأرض بمحاصيل أخرى.
وأضاف عثمان: «لكن للأسف لم يلتزم المزارعون بتنفيذ مخرجات الاجتماعات وإنما قاموا بزراعة مساحات أكثر مما تم زراعتها في العام الماضي، وعندما لاحظت الجمعية زيادة العرض وقلة الطلب بدأت بفكرة تسويق منتج الطماطم إلى مصنع الصلصة في مديرية باجل بمحافظة الحديدة، وتم توقيع عقد اتفاق بين المصنع والجمعية، ولكن للأسف عند نزولنا إلى المزارعين لغرض شراء المنتج رفضوا البيع منا ولم نجد سوى (أنا أوردها للتاجر وما أبيع من غيره)».

الخسائر ناتجة عن زيادة الإنتاجية
«الانخفاض يعود لزيادة الإنتاجية وتوجه المزارعين إلى التوسع في زراعته مما أدى تلقائيا إلى تراجع وانخفاض أسعار الطماطم»، هذا الرد الذي أوضحه المهندس عبده أحمد الهارب، مدير المنطقة الشمالية الغربية لمؤسسة بنيان.. وأضاف أن «المنتج من المنتجات الحساسة جدا وفترة تسويقها قليلة لذلك يضطر المنتجون إلى تسويقها كامل في وقت واحد من جميع المديريات المنتجة وإلى جميع الأسواق المستهلكة لذلك هذه الخسائر ناتجة عن زيادة العرض الذي جاء نتيجة لزيادة الإنتاجية».
وطرحت صحيفة «لا» تساؤلها للمختص في بنيان عن دورهم حيال ذلك فقال: «الدور الذي نقوم به حاليا أولا تنظيم التسويق، وذلك بتنظيم الكميات التي تدخل سوق عبس وجعلها تدخل على دفعات بحسب احتياج السوق ولكن هذه الخطوة ليست كافية نظرا لحساسية المنتج وتشبع الأسواق الأخرى».

التنسيق مع مجمع باجل الصناعي
وطرح المسؤول في مؤسسة بنيان، نفس مقترح جمعية عبس الزراعية، وهو التنسيق مع مجمع باجل الصناعي لتصنيع الصلصة.
ختم الهارب لـ«لا»، بأنهم سيكثفون الإرشاد التسويقي، والإرشاد الزراعي في توعيةِ المزارعين وتنظيم التسويق وطرق القطف السليمة، وتنظيم عمليات الحصاد وغيرها من البرامج الإرشادية اللازمة خلال هذه المرحلة وسيكون للجمعيات دور كبير جدا في تنظيم الإنتاج بحيث يكون الإنتاج يغطي الاحتياج المطلوب من هذا المحصول وبحسب القدرة الاستيعابية للأسواق الزراعية وسوف تقوم الجمعيات الزراعية بدورها في تنظيم هذا العمل بحيث لا تتكرر هذه المشكلة التي تتسبب في خسائر كبيرة للمنتجين.