شارل أبي نادر

شارل أبي نادر / لا ميديا -
لن يطول الوقت كثيرا لكي يكتشف الجميع، شرقا وغربا، أهمية القمة الأخيرة لمنظمة شنغهاي، وما نتج عنها من قرارات أو توصيات، وذلك على كافة الأصعدة التي تهم العالم حاليا، أو على صعيد التحديات المهولة التي تنتظره مستقبلا، والتي يمكن اختصارها بما يلي:

- زيادة التعاون في مجالَي الدفاع والأمن بين دول المنظمة.
- عقد تدريبات عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهاب ضمن مهمات سلام، من أجل زيادة مستوى التفاعل في مكافحة التشكيلات المسلحة للمنظمات الإرهابية الدولية، وتحسين أساليب مكافحة الإرهاب.
- الامتثال لاتفاقية حظر التطوير والإنتاج والتخزين والاستخدام للأسلحة الكيميائية، وإلى تدميرها مع أهمية تدمير جميع المخزونات المعلنة من الأسلحة الكيميائية في أسرع وقت ممكن.
- تنفيذ خطة العمل الخاصة ببرنامج إيران النووي، وذلك وفقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (2231)، مع دعوة كل المشاركين إلى الوفاء بصرامة بالتزاماتهم من أجل التنفيذ الشامل والفعال للاتفاقية.
- معارضة استخدام قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الأعمال العسكرية، ودعم إطلاق اتفاقية دولية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة لمكافحة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأغراض إجرامية.
- وضع قائمة واحدة للمنظمات الإرهابية والانفصالية والمتطرفة.
من جهة أخرى، وحيث كان لزعماء القمة الرئيسيين مواقف لافتة على مستوى ما يعيشه العالم حاليا، كان لكلمة الرئيس الإيراني أهمية استثنائية، أولا، كون إيران أكملت متطلبات وشروط انخراطها الكامل في المنظمة الدولية “شنغهاي”، وبالتالي أصبحت عضواً فاعلاً ومؤثراً، وثانياً، وهذا هو لب الموضوع الذي سنتطرق إليه هنا، مضمون ما أشار إليه الرئيس الإيراني عما يمكن لإيران أن تقدمه للمنظمة من نقاط قوة، قد تكون هي النقاط الأكثر ضرورة وأهمية، والتي تحتاجها المنظمة في استراتيجية المواجهة العالمية التي اختارت أن تقودها ضد الحلف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
أولاً، لناحية إشارة الرئيس الإيراني إلى أن “الأحادية الأمريكية تسعى إلى إبقاء دول العالم في حالة من التخلف”، فهو من خلال ذلك، وضع الإصبع على الجرح في ما خص خطورة الاستراتيجية الأمريكية على دول العالم، فيما لو استطاعت واشنطن أن تكون قطباً أحادياً دون منازع، الأمر الذي يفرض مواجهة هذا التحدي الوجودي، والعمل كهدف رئيسي للمنظمة، لكسر هذه الأحادية الأمريكية، واعتبار ذلك هدفا استراتيجيا لا يجب التساهل أمامه.
ثانياً: لناحية أهمية النقل والطاقة كأمرين مهمين لمجموعة الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي، ولكل العالم اليوم على خلفية الحرب في أوكرانيا، فإن إيران قادرة ومن موقعها الجغرافي أو من موقعها كمصدر رئيسي من مصادر الطاقة في العالم، أن تلعب دوراً رئيسياً في إدارة وتنسيق مناورة النقل والطاقة لدول المنظمة ولحاجات شعوبها وحكوماتها. وفي هذا المجال، وبخاصة مجال النقل، فإن إيران تولي اهتماماً خاصاً واستعدادا لتفعيل كل الممرات التجارية بين شرق أوراسيا وغربها، وتقدم ما تملكه من إمكانيات برية أو بحرية وموانىء في خدمة دول المنظمة.
من بين النقاط الحساسة التي تطرق إليها الرئيس الإيراني أيضاً، والتي تضيء على ناحية مهمة من استراتيجية الغرب إزاء منطقة غرب آسيا والخليج ودول آسيا الوسطى، حيث ذاقت هذه المنطقة خلال السنوات الماضية طعم التدخل الأجنبي على أوسع مجالاته، بدءا من الغزو الأمريكي لأفغانستان واحتلالها لعشرات السنوات، وتداعيات هذا الاحتلال على كل دول المنطقة المحيطة بأفغانستان، في إيران وفي باكستان وفي بعض دول آسيا الوسطى، وصولا إلى القوقاز، مع ما رافق ذلك من مؤامرات أمريكية لزعزعة الأمن في كل هذه الدول المذكورة، وحيث كان لإيران نصيب غير بسيط من هذه المؤامرات ومحاولات التدخل الأمريكي المشبوه، والتي تواكبت مع ضغوط اقتصادية وعقوبات وحصار خانق، فإن طهران، التي استطاعت مواجهة كل هذه المحاولات الأمريكية، هي جاهزة اليوم لتقديم خبراتها الواسعة لدول المنظمة، لمواجهة هذه الحرب الناعمة التي تعمل واشنطن حالياً لاستهداف أغلب دول المنظمة عبرها.
أما في موضوع ما يجري اليوم في القوقاز، وبالتحديد بين أذربيجان وأرمينيا، فإن إيران -بحسب الرئيس رئيسي- تعارض أي تغيير في ترسيم الحدود بمنطقة القوقاز، وتعتبر أنه على الأطراف الاحتكام للقوانين الدولية والطرق السلمية، كما تعتبر أنه بالإضافة إلى أن استقرار واستتباب الأمن في القوقاز وأفغانستان، هو أمر مهم جداً بالنسبة إلى إيران، فهو أيضاً أمر حيوي لكل دول المنظمة، التي تشكل منطقة القوقاز لها، منطقة تأثير واهتمام استراتيجي في مواجهة الغرب الأطلسي ومخططاته تجاه تلك المنطقة الحساسة، بهدف التأثير السلبي على كل من روسيا وإيران بدرجة أولى.
انطلاقا من النقاط التي ركز عليها الرئيس الإيراني في كلمته بختام قمة شنغهاي، حول ما يمكن أن تقدمه إيران للمنظمة في المجالات المذكورة، تبقى نقاط القوة الأهم التي لم يذكرها الرئيس الإيراني، والتي لإيران القدرة على تقديمها للمنظمة في هذه المواجهة الدولية، التي كما يبدو انطلقت مع انتهاء أعمال القمة الأخيرة في مدينة سمرقند التاريخية بأوزبكستان، هي أولاً، قدرات إيران العسكرية، والتي شكلت وتشكل تحدياً كبيراً لواشنطن ولحلفائها وبخاصة لـ”إسرائيل”، وثانياً، موقف إيران التاريخي، كخصم عنيد لسياسة واشنطن في المنطقة، حيث استطاعت أن تضع حداً لأغلب المخططات الأمريكية المشبوهة في إخضاع دول المنطقة، الموقف الذي أكثر ما تحتاجه دول منظمة شنغهاي اليوم، بمواجهة الحرب الأطلسية العالمية على أغلب دول الشرق والمنطقة.

أترك تعليقاً

التعليقات