الذين لم يلبسوا إيمانهم بظلم
 

محمد الوهباني

محمد الوهباني / لا ميديا -
موازين الأرض هي ما يسول للإنسان أن يقع في الخطأ، بحثاً عن مصالح دنيوية، وإشباعاً لشهوات النفس، وجشع الجسد، وانتصاراً للهوی، ودونية تقترب من أصل الإنسان المخلوق من الطين. ليست هذه الدونية الوضيعة لمن يكفرون بالله فقط؛ ولكنها أيضا للمؤمن بالله الذي تذهب به نفسه نحو السقوط على حين غفلة من إيمانه، وانعكاس سيئ لتربية لمّا تهذب سلوكه بعد، ونقص واضح في ثقافته السلوكية، ومكابرة للصراع بينه وبين الآخر وبينه، وبين نفسه بأطماعها ورغباتها بالاستحواذ وحب الامتلاك والسيطرة... ويلبس إيمانه بظلم، بينما موازين السماء تضع الموازين القسط: «ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ».
ممارسات كثيرة بحثاً عن الثروة، عن الأرصدة، واستغلال للوظيفة العامة، واستخدام المكان، للوصول إلى ثروة غير مشروعة على حساب البسطاء، واستحواذ على حقوقهم. واضح ذلك في كثير من الإدارات والوزارات، بل وحتى في الأمن، الذي يجب أن يكون مستتباً في زمن مواجهة عسكرية مع دول الاستكبار العالمي، وألا يكون هناك أي اختلالات أمنية تذكر ضد أي مواطن، سواء من مواطن آخر أو من أجهزة أمنية يفترض أنها تؤمن المواطن من خوف.
سنن الحياة أن الإنسان يحب ما اعتاد عليه وما ألفه: «قَالُواْ بَلۡ وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا كَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ»، وأن السلوك هو عادات مكتسبة. وقد تعود الكثير من الموظفين بمختلف الإدارات العيش على حساب المواطنين الذين يقضون حاجاتهم في هذه الإدارة أو تلك منذ زمن بعيد تحت تسميات مختلفة. والأكثر مأساوية أن يكون أصحاب الوظائف الإيرادية هم الأكثر ثراء من إداراتهم التي يتحايلون على دخلها إلى جيوبهم وحساباتهم الخاصة في زمن الحصار والحرب مع دول استكبارية هدفها تركيع هذا الشعب لأجندتها الاستعمارية، أو بمعنى أدق استعمار هذه البلاد عن بعد، وسلب حريتها.
إن مثل هؤلاء الفاحشي الثراء من وظائفهم يخونون أحلام البسطاء، بل وأحلام ثورة وضعت القرآن مساراً لها.
مثل هؤلاء الذين يخونون أماناتهم، ويستقلون أضخم السيارات، ويبنون أفخم الفلل وأرصدتهم الباذخة، بالمقابل الحاجة الواضحة في أوجه الناس الطيبين والبسطاء صارت عنوانا واضحا للخيانة التي يرتكبها أولئك بحق هؤلاء، تلك الخيانة التي ستعيدنا إلى المربع الأول لنظام سابق لم نستطع بعد أن نغادر بلاط سلوكه، ولم يستطع هو أن يغادرنا بقرارات واضحة، وتنفيذها بصرامة كي نعانق حياة أكثر إشراقاً. لا يزال الكثير يلبسون إيمانهم بظلم، برشوة، باحتيال، باعتداء، باستعلاء، باستحواذ، بالعيش على حساب حقوق الآخرين وسلب إيرادات وأموال تحت تسميات مختلفة وسلب أمن المواطن.
يلبسون إيمانهم بظلم هو دليل أن الكثير لم يغادر بعد ما كان، وأنهم يعيدون إنتاج ما يجب أن يذهب بدلاً من إعادته بمسمى جديد.
كم من الوقت ستمنحه القيادة السياسية لهؤلاء المستشرين فسادا فينا، والباقين بين الإيمان وممارسة ما يناقضه، ويلبسون إيمانهم بظلم، كعادة أنتجها التساهل والتسامح مع مصاصي ثروات الشعب ودماء الأبرياء؟!

أترك تعليقاً

التعليقات