د. بهجت سليمان

د. بهجت سليمان -

كم هم واهمون، من يظنون أن صرخة الحراك الشعبي في لبنان سوف تجعل من حيتان المال والسياسة، بشراً طاهرين في خدمة الشعب!!
إنّ حِيتانَ المال والسياسة، سيمتطون هذا الحراك، مُجَدَّداً، لكي يُسَلِّموا لبنان بشكلٍ كامل، وبـ(الضُّبّة والمفتاح) إلى حُماة "إسرائيل".
ومَنْ يَشُكّ في ذلك، فلينظر إلى (سعدو الحريري) الذي يتدلَّل لاستلام الحكومة، ويريد أن يفرض شروطاً! وكأنّ الحريرية، الاقتصادية والمالية، ليست هي المسؤولة عن الواقع الاقتصادي والمالي في لبنان، منذ عام 1992 حتى اليوم!
ومَنْ كانوا يُحَمِّلون (السوري) المسؤولية، فالسوري خرجَ من لبنان منذ أيار عام 2005، إلى أنْ أعادَتُهُ الحريرية، ولكن بشكلٍ مقلوب، بقرارٍ سعودي، من خلال مشاركة الجهات اللبنانية المعادية لنهج الصمود والمقاومة والممانعة، ومن خلال جَلْب مئات آلاف السوريين إلى لبنان، وتحويل مَنْ وما يمكن تحويله منهم إلى إرهابيين، واستخدام الباقين عناصر ابتزاز وضغط على الدولة السورية. 
ومَنْ هم أكثر وَهْماً، هم بعض الشرفاء الذين يظنّون أنّ المُناخَ مُلائِمٌ للدَّفْعِ بلبنان، خطواتٍ حثيثةً إلى الأمام وصولاً إلى (تغيير ثوري) جذري، من خلال المراهنة على بعض الأصوات الشريفة داخل الحراك، بِغَرَضِ الخلاص من الطغمة المالية التابعة للاستعمار الجديد في لبنان!
إنّ التركيبة الاجتماعية - الاقتصادية - المالية - الثقافية، المزمنة في لبنان، والمرتبطة بأوردتها وشرايينها مع الخارج، تُنِيخ بكلكلها على القرار السياسي في لبنان. وأيّ مُرَاهَنَة حالية على إمكانية الاعتماد على ما يجري في لبنان، والبناء عليه، بغرض الخلاص من هذه الطغمة الفاسدة، هي مراهنة على السّراب.. لا بل هو خطوة في المجهول، قد تُؤَدّي بلبنان، إلى هاوية جديدة لا مخرج منها. 
فيا أحِبَّتَنا، من شُرَفاء لبنان والعرب.. لا تُكَرِّروا وتُراهِنوا على ما راهنت عليه "القوى الوطنية" في لبنان عام 1975، والتي استهانت حينئذٍ بالقوى اليمينية وتوهّمت أنها قادرة على القضاء عليها ووضع اليد على لبنان، والتي أدْخَلَت لبنان في حربٍ أهلية دامت خمسة عشر عاماً. 
إنّ الحفاظ على الواقع السياسي القائم في لبنان، ومنع تفجير لبنان، ومنع إلحاقه نهائياً بـ"إسرائيل ". هو هَدَفٌ يجب أن تعمل له كل القوى الشريفة، التي تفهم تركيبة لبنان، وتعرف ماذا يعني محاولة تحويل لبنان بكامله، سياسياً واقتصادياً ومالياً، إلى قلعة معادية بشكلٍ كامل للمحور الصهيوأميركي.
إنّ "التغيير الثوري" الجذري المنشود، الذي لا تتوافر عوامِلُهُ الموضوعية والذاتية، لا يَقِلُّ خطورةً عن محاولات القوى اليمينية التابعة للمحور الاستعماري الجديد، والمتخادمة معه، والخادِمة له ولسياسته في نهاية الأمر.
 لماذا؟ لِأنّ الفشل الذريع الذي سَيُمْنَى به اليسار الطفولي والمُغامِرون والفوضويون والواهِمون -في حال المراهنة على تغيير ثوري جذري- سوف يَصُبُّ الماءَ، بالنتيجة، في طاحونة القوى الزحفطونية، وسوف تتحوّل خسارَتُهُم، حينئذ، إلى رِبْحٍ صافٍ لأعداء الوطن والشعب.


(*) كاتب سياسي سوري

أترك تعليقاً

التعليقات