تبنى الاشتراكية الحسينية كمنهج وتجربة
عضو مركزية الاشتراكي حسين الصرفي: لدينا تراث ثوري عريق وصراعنا مع الظلامية وليس مع الدين

يلخص عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني وسكرتير منظمة صرف السابق حسين حاتم الصرفي (74 عاماً)، جانباً من سيرته النضالية وتجربته الثرية في الحركة الوطنية اليمنية طيلة خمسة عقود، عرف خلالها المعاناة والملاحقة والاعتقال وتعذيب السجون، لم تثنه عما آمن به من قيم إنسانية اشتراكية وإسلامية ثورية، وما تنادي به من انتصار للإنسان وآدميته ووجوده.. 
ذاكرته لا تزال حاضرة، يصدح بالثورة والقيم والانتصار للمستضعفين، والإنسانية جمعاء، كلماته موجزة، ولكنها دقيقة وعميقة، تختزل بساطة الإنسان الريفي، وقيم الثوري والسياسي، ورؤى المفكر الأكاديمي المجرب.
لا يفصل العم حسين بين قيم ومبادئ وإنسانية النبي محمد وعلي والحسين، ومبادئ وقيم وإنسانية ماركس ولينين وفتاح، بل يراها تكاملية على اختلاف الزمن، كاشتراكية واحدة من أجل الإنسان، مؤكداً أن الاشتراكية والماركسية لا تدعوان للصراع مع الواقع الاجتماعي والتراث الشعبي للمجتمعات، بل عليهما أن توظفاه وتحولاه ثورياً لصالح النضال الاجتماعي والوطني، كما لا تنعزلان عنه.
دون شك يؤمن العم حسين بانتصار اليمن وإنجازه الاستقلال مهما كانت التضحيات، موضحاً أن الصراع الحاصل اليوم هو صراع وطني تحرري بامتياز متصل مع تاريخ الحركة الوطنية اليمنية ونضالاتها على مدى عقود، بمواجهة الإمبريالية العالمية وصنيعتها الرجعية في المنطقة. ويضيف في حوار مع صحيفة (لا)، أن (أنصار الله) كقوة ثورية وليدة هم في الطليعة الوطنية اليوم التي تقود الصراع ضد العدوان السعودي الأمريكي، وأن الذين اصطفوا مع العدوان ضد الوطن من اليسار، لا يمثلون النهج الحقيقي لليسار والاشتراكية ولا الذين يشنون الدعاية المضادة على الوطن والقوى الوطنية.
 واعتبر أن الذين ذهبوا للرياض ما ذهبوا إلا بدافع الارتزاق أو الغباء، وأن تأجيل أي صراعات وخلافات داخلية لصالح الوحدة الوطنية في مواجهة العدوان وإنجاز التحرر، يعد ضرورة ملحة أمام الجميع، مبيناً أن الحزبية والتعصب إن لم يكونا من أجل الوطنية، فهما ليسا أكثر من خيانة.. وإليكم الحوار.

 كيف ترى النهاية العدوانية على بلادنا؟ وما المستقبل الذي تتوقعه لها؟
لا بد أن ينتصر الشعب اليمني، لأننا شعب مظلوم، تواق للحرية، تواق للعدالة.. وسننتصر بإذن الله، مهما بلغت التضحيات سينتصر اليمن، وسينجز استقلاله وتحرره وتقدمه، الأمر يتطلب نضالاً دائباً وعدم استسلام، وشعبنا يناضل بلا كلل، ويقدم التضحيات الجسام، ولن يستسلم.

 لماذا العدوان على اليمن؟
اليمن منطقة استراتيجية هامة، ودوماً ما طمع الغزاة في السيطرة عليها منذ قرون، وما استهوى العدوان على بلادنا هو قضم هذه المنطقة، بشكل متتابع من قبل السعودية التي تعمل كوكيل لمصالح دولية، للرأسمالية العالمية. وطبعاً العدوان هو من سلسلة عدوانات تاريخية شنتها السعودية على بلادنا وبريطانيا كذلك منذ قرنين، واحتدم الصراع مع السعودية خاصة منذ العشرينيات من القرن الماضي، باحتلالها أراضينا في الشمال، وما أعقبها من أحداث دامية ارتكبتها ضدنا.

 من يعادي اليمن؟ وضد من تخوض حربها؟
الشعب اليمني يدافع عن نفسه، عن وطنه، عن أرضه.. طبعاً نحن والجزيرة شعب واحد، وليس لنا صراع معهم، بل نحن وهم في خندق واحد. وصاحب المصلحة الأولى من العدوان على بلادنا، هي الرأسمالية الامبريالية والصهيونية والرجعية التي صنعتها في المنطقة، وعلى رأسها السعودية، التي هي اليوم الأداة المباشرة في العدوان على وطننا اليمني.

 ما هو تقييمك لطبيعة الصراع الراهن في ضوء هذا العدوان؟
الصراع هو بلا شك صراع وطني تحرري بامتياز، وهو ليس وليد اللحظة، بل مترابط مع النضال الوطني طيلة عقود من الزمن. وهذا النضال هو المسار الرئيس في أدبيات الحركة الوطنية اليمنية، من أجل الاستقلال والتحرر الوطني قبل أن تكون صراعات داخلية، النضال من أجل التحرر من الهيمنة والوصاية على الوطن.

  تقصد أن هذا العدوان والنضال الوطني الدائر ضده اليوم هو امتداد لنضالكم أنتم طيلة عقود؟!
نعم، هو متمخض عنه، والنضال التحرري بوجه العدوان، هو استمرار لنضال وكفاح أبناء الشعب جيلاً بعد جيل، منذ عقود، وهو وليد عنه واستمرار له.

 برأيك.. ما موقع ودور القوى السياسية اليمنية مستقبلاً بعد إنهاء العدوان وهزيمته؟
سأقول لك بكل صراحة، أنا أرى أن أية حزبية إن لم تكن من أجل الوطن، وكانت مجرد غطاء للوصول لمصلحة شخصية وذاتية، فهذه خيانة أياً كان موقعه في اليسار أو غيره.
المناضل الحقيقي هو صاحب الهم الحقيقي لكل الوطن، وليس لمنطقة أو عشيرة أو أسرة.. وكل قوة سياسية دورها وموقعها مستقبلاً هو من دورها الآن، دورها بجانب البلاد وبمواجهة العدوان، فالعصبية ليست للأحزاب بذاتها ولا للأشخاص، بل هي للوطن والوطن وحده.

 كيف يعرف عن نفسه وهويته حسين حاتم؛ بـ: الحزب ـ المذهب ـ الوطن؟
أنا إنسان وطني، قبل أن أكون حزبياً، أنا وطني، ويهمني الوطن، يهمني أبناء الشعب، يهمني أمن الشعب، واستقراره، يهمني ازدهار بلادنا ونهضتها.. وأنا أمقت كل من يتآمر على الشعب وعلى مصالحه وقضاياه، ويستحوذ على ثرواته وحقوقه، أمقت هذا تحت أي اسم وأي شكل.. أنا ابن هذا الشعب وهذا الوطن، وهو رايتي.

 يقدر عمر انضمامك للحزب الاشتراكي بأكثر من 50 عاماً، وخضت مسيرة نضالية طويلة وشاقة، ما كان دافعك الأول للانضمام للحزب بدءاً من أحد تشكيلاته الأولى: (الحزب الديمقراطي الثوري)؟!
الحزب هو حزب الشعب، حزب الكادحين، الفلاحين، العمال، الجنود، المثقفين الثوريين. وجدت إحساسي واتجاهي متطابقاً مع أفكار الحزب وبرنامجه السياسي، ودافعي الأول للانضمام إليه كان قضية الوطن والانتصار للإنسان اليمني، من الاستعمار والاستبداد والقهر والمعاناة.

 وما تقييمكم اليوم لموقف اليسار، بما في ذلك مواقف الاشتراكي من العدوان؟!
اليسار الحقيقي ضد هذا العدوان والظلم والقتل والتدمير، اليسار كقاعدة كبيرة ضد كل ذلك، ونشاطها في مواجهته في كل الميادين.
لا شك أن هناك أخطاء؛ لكن اليسار الحقيقي مع الشعب ضد العدوان، ومتماهٍ في سياسته مع الجماهير..

 والذين ذهبوا من قيادة الحزب إلى مؤتمر الرياض، وأيدوا العدوان علناً على بلادنا؟!
هؤلاء ذهبوا إما بدافع الارتزاق أو الغباء، وهم فعلاً لا يمثلون نهج اليسار النضالي وأفكاره وانحيازه الاجتماعي والوطني.

 المنطقة (صرف) التي تنتمون إليها وكنت سكرتيراً لمنظمة الحزب فيها، خاضت صراعات مريرة مع السلطة بمختلف أجنحتها طيلة سنوات، وتعرض أبناؤها للاعتقالات والمطاردات والاغتيالات والتعذيب.. لكن اليوم في خضم النضال الوطني، هل تغيرت الأولويات؟ بمعنى هل ترون تأجيل أي خلافات داخلية لصالح مواجهة العدوان! أم ترون الأولوية لهذا الخلاف؟!
بالطبع، تأجيل أي خلافات داخلية، وعلينا جميعاً تعزيز وتجذير الوحدة الوطنية في مواجهة العدوان عل بلادنا، هذا أمر لا شك فيه، الوطن قبل أي شيء، أعلى وأقدس من جراحنا وصراعاتنا، التي خضناها من أجل الوطن.

 عرفت لديكم هنا في بني حشيش، لا سيما من أعضاء منظمة الحزب، ما يمكن وصفه بالاشتراكية الحسينية، أي انتهاجكم مساراً اشتراكياً حسينياً ثورياً.. كيف تكونت لديكم هذه الرؤية؟ وما تقييمكم لهذه التجربة الآن؟
الاشتراكية ليست في صراع مع الإسلام، ولا يجب أن تتصارع مع الواقع الاجتماعي والتراث الشعبي والديني، خاصة ونحن لدينا تراث ثوري عريق، كما أن مجتمعنا مجتمع متدين، لذلك رأينا أنه من الضرورة ألا ننعزل عنه في كل رؤانا ونضالاتنا، لأنه تراثنا، صراعنا ليس معه، وإنما مع الظلامية والرجعية التي تتلبس الدين.

 هل يمكن اعتبار ذلك حماية روحية وعقيدية للرفاق لديكم من خطر السقوط في براثن الظلامية الوهابية؟
نعم.. وهذه التجربة سيتذكرها التاريخ، كتجربة وكنهج اشتراكي صحيح، إذ لم تتصادم مع الواقع اليمني، وكانت جزءاً منه، فالاشتراكية لا تقول ولا تقوم بالانعزال عن الواقع، ولا التصادم معه.

 كيف تعرف الاشتراكية التي انضممت لها؟ وما يمكن أن نقول عنه اشتراكية الحسين، اشتراكية علي، اشتراكية النبي محمد (ص)؟
إنها تكاملية مع كل ما ذكرت، فالاشتراكية هي المساواة والعدالة والانتصار للمظلومين والكادحين والمستضعفين. الاختلاف في الواقع والزمن، تلك في عصر والأخرى في عصر، لكن لا اختلاف في مبادئها الإنسانية، ونحن قضيتنا من أجل يمننا وأمتنا العربية والإنسانية جمعاء.
ومن مبادئنا الرئيسية مبدأ الخروج على الظالم ومناصرة المظلوم والثورة ضد الظلم، هذا هو إسلامنا الثوري واشتراكيتنا الثورية.

 (إن الثورة التي قام بها النبي محمد في مواجهة فسق الأرستقراطية القرشية، لهي ثورة أخلاقية عظيمة).. هذه مقولة لماركس مؤسس الاشتراكية العالمية.. ما تعليقك؟
إنها نظرة جريئة ودقيقة، فالنبي محمد (ص) ثورته كانت ثورة إنسانية، ولهذا قال أيضاً الزعيم الراحل جمال عبدالناصر (إن رسالات السماء كلها في جوهرها كانت الثورات الإنسانية استهدفت شرف الإنسان وسعادته).

 هناك اليوم دعاوى باسم الاشتراكية وباسم الماركسية يخاض بها الصراع مع الدين، ولكن ليس بما يمثله وبما يجسده من قيم وسلوكيات... كيف ترى ذلك؟!
هذا غير صحيح، وهذه الدعاوى لا تجسد الاشتراكية، نحن لا نستعدي الدين، الاستعداء هو للشكل الظلامي، للشكل الإرهابي والإجرامي، وليس للدين.

 ما تقييمكم اليوم لأنصار الله؟ وهل ترونها قوة اجتماعية ثورية وليدة؟
تقييم إيجابي، والواقع هو نفسه الذي يقيم، وإلى اليوم هل رأيت منهم اقتحام منزل أحد أو الإساءة إلى أحد، لم يفعلوا، عدا من بعض المخترقين لهم أو المتسلقين، لكن انظر للجانب الآخر، إلى جماعات العدوان، ما الذي تفعله من جرائم ونهب وقتل وسحل وتدمير، المفارقة جلية.. تقييمي الآن أننا في حالة ثورة، وأنصار الله يتغاضون عن بعض الأشياء، ويمررون بعض الأشياء لصالح تقديم الأولويات، الدفاع عن الوطن، ولا أنكر أن هناك مندفعين من أجل مطامع شخصية، ومنها ما هو مقصود كاختراق لصفوف الحركة، وهم أكثر دراية بتنظيمهم.
أنصار الله قوة ثورية وليدة، من أبناء هذا الشعب، وجزء منه، وهناك اختلاف بوجهات النظر في بعض الأشياء، والاختلاف في جزئيات، وليس كليات، ومن الأمور الأساسية المتفق فيها والمشتركات هي القضية الوطنية وتحقيق الاستقلال والتحرر من الهيمنة والتبعية.. وأنصار الله اليوم يلعبون دوراً طليعياً في مواجهة العدوان، وهم جزء لا يتجزأ من الشعب اليمني.

 ألم يكن من المفترض إذن أن يحدث تحالف بين الحزب الاشتراكي وبين هذه القوة الثورية الوليدة، خاصة بعد 2011م؟
من وجهة نظري، كان يجب أن يحدث تحالف جديد سياسي وطني.
وهناك تقارب كبير بين الحزب وبين أنصار الله، ولا أقول إنه تقارب يشمل كل الحزب، لكن نحن الآن في ظل العدوان، وهذا ما يجب أن يطرح داخل الحزب مستقبلاً.. ولو كان قام هذا التحالف لكان الوضع مختلفاً إلى حد كبير اليوم، كنا سنتجنب كثيراً من الانقسامات والإشكاليات، وستسهل أكثر عملية الدفاع عن الوطن.

 يقال إن من الآثار العميقة للثورة والعدوان الكوني على بلادنا، هو أن المجتمع يعاد تخليقه من جديد.. هل أنت مع  ذلك؟
نعم، المجتمع يعاد صهره الآن من جديد، ومستقبلاً ستتولد ظروف جديدة وقوى جديدة وأفكار وعقليات جديدة ودماء جديدة. ويحدث الآن ما يشبه عملية التطهير للمجتمع من الثوابت والقيم الفاسدة والإرث المتخلف.

 ما تفسيركم للحملات الدعائية التحريضية ضد القوى الوطنية، والمدافعة عن العدوان، لا سيما من صحف وإعلام تابع لليسار؟
للأسف الشديد تتفاجأ بأناس كنت تظنهم مثقفين ونخباً، واتضح أنهم يعيشون خارج الواقع، ويرون خارج الواقع، وتحولوا لأصوات وأبواق ضد الوطن.

 كيف يرى حسين حاتم دور القبيلة اليمنية داخل الصراع اليمني مع العدوان؟
نحن نعترف أن هناك تخلفاً وجهلاً يكتنف القبيلة اليمنية، لكن مع ذلك أثبتت اندفاعاً صادقاً وحماسياً في سبيل الوطن وتقديم الأموال والأملاك والأبناء في سبيل التضحية من أجل الوطن، وعلى الرغم من البساطة من حياتهم ووعيهم، وهنا المفارقة اليوم أن من يتصدر النضال والدفاع لأجل الوطن، ويكون في الطليعة، هم هؤلاء البسطاء، على العكس من كثير من النخب.. نعم نحن تواقون للمجتمع المدني، لكن في هذا الظرف لولا الشعب المسلح لكان عدونا قد دخل جميع البلاد. وهذا الموروث القتالي الصديق لدى شعبنا، والشجاعة والتضحية، هو ما منع انتصار العدو، انتصار هذه القوى العالمية.
وما حدث من مهاجمة وصراع ضد القبيلة اليمنية في الفترات الماضية، من قبل القوى السياسية، يجب الاعتراف بأنه لم يكن صحيحاً، فلولا القبيلة، الشعب المسلح، لما كان اليمن بهذا الصمود الأسطوري اليوم.


سيرة ذاتية:
ـ مواليد عام 1944م ـ بني حشيش ـ صرف
ـ انضم للقوات المسلحة في العام 62م
ـ انضوى في صفوف الحركة الوطنية اليمنية عام 67م بدءاً من (الحزب الديمقراطي الثوري) الذي تعرف على أفكاره ونهجه حين سجن بتهمة (الحركية)
ـ تحصل على دورات عسكرية في مصر
ـ لديه دورات عدة كذلك في التطبيب والمختبرات من صنعاء
ـ عضو لجنة مركزية في الحزب الاشتراكي اليمني وسكرتير سابق للحزب في منظمة (صرف)