ترجمة خاصة - لا ميديا / نشوان دماج -

شكل مقتل جمال خاشقجي ضغطا على حلفاء السعودية الغربيين. كيف تبدو العلاقات الألمانية مع الأنظمة العربية بعد عام من الحادثة؟
دكتاتورية استمدت شرعيتها من قبل نخب دينية متزمتة؛ نظام يقمع كل معارضة سياسية، ويضطهد النساء والأقليات، وينشر بملياراته البترودولارية أيديولوجية دولته في جميع أنحاء العالم ويمول الجماعات المسلحة في المنطقة - كل هذا معروف عن السعودية منذ وقت طويل. ومع ذلك، تعد المملكة واحدة من أقرب حلفاء "الغرب الحر". إن الجرائم الكثيرة المرتكبة ضد الإنسانية بقيادة السعودية في الداخل والخارج لم تستدع طوال عقود أكثر من إدانات غير منطقية من جانب منظمات حقوق الإنسان وانتقاد مخز لبعض دول الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. لا عجب إذن أن الحرب التي قادها السعوديون في اليمن هي أيضا لم تكن ذات أهمية تذكر لفترة طويلة.

من جريمة قتل إلى عقوبات
حتى الآن لم تتضح كل ملابسات الجريمة. ليس هناك شك في أنه (خاشقجي) دخل في 2 أكتوبر 2018 القنصلية السعودية في اسطنبول لأخذ وثائق خاصة بزفافه المخطط له، فلم يغادر المبنى حياً. وبحسب تقرير خاص للأمم المتحدة، كانت خطط اغتياله قد بدأت قبلها بـ4 أيام، بعد أن تقدم بطلب للحصول على الوثائق هناك. ما حدث في اليوم نفسه تم طرحه في التقرير في مقتطفات. المقاطع التي اعتمدت على التسجيلات الصوتية التركية، تبدو فيلما مثيرا. كانت الوحشية الواضحة هي السبب وراء أن الغرب بدا مجبرا على اتخاذ إجراءات ضد العائلة المالكة. حيث إن رؤساء دول وحكومات بلدان الاتحاد الأوروبي الأكثر نفوذاً دانوا التصرف السعودي. والسؤال الذي طرح حينها هو كيف يمكن للمرء أن يواصل العمل مع مثل هكذا نظام. في منتصف نوفمبر، قررت الحكومة الاتحادية أخيرا عدم تسليم أي أسلحة أخرى إلى تلك الدول التي تشن حرباً في اليمن تحت قيادة السعودية.
وحتى لو لم يتم تأكيد الأمر إلا بشكل غير رسمي، فقد كان من الواضح أن هذه الخطوة أتت على خلفية مقتل خاشقجي. كان القرار بطبيعة الحال متماشيا مع اتفاق التحالف الموقع عليه في فبراير بين كل من الاتحاد والحزب الاشتراكي الديمقراطي. ومع ذلك، مثلما وجهت المنظمات غير الحكومية والمعارضة انتقاداتها مرارا وتكرارا، لم تقم الحكومة الاتحادية في ما تلا من أشهر باتخاذ أي خطوة لتنفيذ هذا الاتفاق. فقط حالة خاشقجي هي التي شكلت الضغط اللازم. لا يفتقر هذا الأمر إلى بعض السخرية عندما يضع المرء في الاعتبار أن عائلة خاشقجي في الثمانينيات من القرن الماضي حققت ثروات بمليارات الدولارات من مبيعات الأسلحة. حيث إن عم جمال بالذات، عدنان خاشقجي، قام حينها كوسيط بتسليم معدات حرب أمريكية إلى إيران خلال قضية إيران-كونترا.

حرب بالوكالة؟
إنما قبل كل شيء، كان خاشقجي هو نفسه مدافعا عن الحرب في اليمن ومتبنيا بذلك للرواية السعودية والتي كانت تهدف إلى التصدي للنفوذ الإيراني. صحيح أن معظم الحكومات ووسائل الإعلام في الغرب تتبنى هذا الطرح، إلا أن الكثير من الخبراء يعربون عن شكوكهم. حيث أفصح تشارلز فريمان، الذي كان سفيراً لدى السعودية في عهد جورج بوش، أن طهران لم تنشط إلا من خلال سياسات الرياض في اليمن. وترى مي درويش من معهد جيجا أن أنصار الله، الذين يشار إليهم أيضا باسم الحوثيين، هم مكون مستقل لا تتمتع إيران إلا بنفوذ مشروط عليه. وعلى الرغم من أنه بات من المؤكد في هذه الأثناء أن عناصر من حزب الله اللبناني ومدربين إيرانيين لهم تواجد منذ وقت طويل في البلاد، إلا أنه لم يثبت حتى الآن تسليم أي أسلحة من طهران. ويشكك خبير الشرق الأوسط مايكل لودرز، مستشهدا بالصحفي اليمني محمد عايش، أنه مازال من الممكن، بسبب الحصار البحري المطبق من قبل التحالف السعودي، دخول أسلحة إلى البلاد. 
أما الداعية الإسلامي سعيد الديلمي، الذي تحدث في سياق كتابه "اليمن: الحرب المنسية" إلى خبراء عسكريين يمنيين، فيرى خلاف ذلك؛ حيث يجيب ردا على تساؤل "ديس أورينت" بالقول: "في الحرب هناك دائما طرق يمكن من خلالها تهريب أسلحة ومعدات أخرى إلى البلاد". ومع ذلك، أشار أيضا إلى أن تجارة الأسلحة مزدهرة منذ عقود في اليمن. "فصعدة، على سبيل المثال، المكان الذي جاء منه الحوثيون، كان لديها أكبر سوق للأسلحة في البلاد. وكانت الأسلحة تتدفق إليها من كل مكان، بما في ذلك من السعودية". وبالتالي لا تعتمد الميليشيا على أي إمدادات إيرانية. كما أنه يشكك في صورة الحرب بالوكالة. صحيح أن الفصائل المحيطة بأنصار الله في الوقت الحالي تعتبر إيران حليفا، لكن التموضعات التحالفية في هذه الحرب ديناميكية ومناسبة. "فمن ينتمي اليوم إلى هذا المعسكر يمكن له غدا أن ينتمي إلى آخر". ولكن قبل كل شيء، وفقا لما ذكره الديلمي، فإن الهوية اليمنية المتميزة واضحة جدا بحيث لا يمكن لها التماهي مع أي قوة أجنبية، سواء كانت إيران أو أي دولة عربية أخرى. 
الحكومة الاتحادية، من جانبها، تتبنى الطرح الذائع الصيت عن صراع بالوكالة. ففي الوقت الذي تحدثت فيه الأمم المتحدة في فبراير/ شباط 2016 عن أكبر كارثة إنسانية حالية في العالم، أعلن المتحدث السياسي والاقتصادي لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في مجلس النواب، يواكيم فايفر، في يوليو من نفس العام أنه "سعيد" بالمجهود الحربي الذي تقوده السعودية. ولطالما أشارت أنجيلا ميركل إلى دول الخليج، وكذلك إلى مصر، باعتبارها "مرساة الاستقرار" في المنطقة. فمصر مهمة للغاية بالنسبة للتجارة البحرية الدولية بسبب قناة السويس. أما السعودية فتعتبر بمثابة ثقل موازن لإيران. وكما يشير الديلمي، فإن الأخيرة منذ ثورة 1979 تم اعتبارها في ألمانيا أيضا عاملاً من عوامل عدم الاستقرار وعدوا للغرب. وكان من شأن التقارب النسبي للاتحاد الأوروبي منذ الاتفاق النووي عام 2015 ألا يتغير إلا بشكل نزير.

صفقات جيدة بالتأكيد
قد يكون العامل الاقتصادي على الأقل ذا أهمية كبرى بالنسبة لموقف الحكومة الاتحادية تجاه الأنظمة؛ حيث بلغ حجم التجارة بين حكومة ألمانيا الاتحادية ودول التحالف السعودي في عام 2018 حوالي 27.5 مليار يورو. ووفقا لوزارة الخارجية، تعد الإمارات أكبر شريك تجاري لألمانيا. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن مصر والسعودية متخلفتان عن روسيا، إلا أنهما لا تزالان تحتلان المرتبة الأولى بين أهم عشرة موردين للنفط في الجمهورية الاتحادية.
ومع ذلك، فإن الشيء الأبرز وفي نفس الوقت الأكثر إثارة للجدل هو شحنات الأسلحة الألمانية. من المعروف عالميا أن الجمهورية الاتحادية واحدة من أكبر الدول المصدرة للأسلحة في العالم، وتحتل بشكل منتظم المرتبة الثالثة أو الرابعة في قائمة التصنيف العالمي. في عام 2017، وافقت الحكومة الاتحادية على تصدير الأسلحة إلى 128 دولة. بين عامي 2014 و2015، تضاعفت قيمة الصادرات إلى 7.85 مليار يورو تقريبا. ومنذ ذلك الحين لم تنحسر إلا بشكل ضئيل. في نفس الفترة، ارتفع حجم الصادرات إلى ما يسمى البلدان الثالثة، أي ما ليس عضوا في الاتحاد الأوروبي أو الناتو، بنسبة تقارب 100 في المائة. يكتب ماركوس بيكل، رئيس تحرير مجلة العفو الألمانية، في كتابه "حاضنو الإرهاب" بوضوح عن مقدار الأموال التي يمكن الحصول عليها عن طريق الاتجار بالأسلحة في المنطقة، أنه في عام 2016 كانت "الميزانيات الدفاعية لمصر في الغرب، مرورا بإسرائيل ومجلس التعاون الخليجي وانتهاء بإيران" تبلغ حوالي 190 مليار دولار. في ضوء هذه المبالغ، ليس من المستغرب أن ستاً من الدول العشر الأولى المستوردة للأسلحة الألمانية في 2013-2017 تقع في غرب آسيا وشمال أفريقيا: الجزائر وقطر و"إسرائيل" والسعودية ومصر والإمارات، الثلاث الأخيرة متورطة في حرب اليمن.
بالرغم من ذلك، ظهرت الحكومة الاتحادية في نهاية الأمر، وتحت ضغط الرأي العام، أنها تقف ضد مصالح صناعة الأسلحة. وعلى أية حال، كان هناك ثغرة في اتفاقية التحالف أشار إليها النقاد بالقول: إنه لا يمكن القبول بأي صادرات إلى تلك البلدان طالما وأنها "مشاركة بشكل مباشر في الحرب على اليمن". أما شريكتا الولايات المتحدة في حلف الناتو، فرنسا وبريطانيا، اللتان تقدمان الدعم لتحالف الحرب، فتم استثناؤهما بطبيعة الحال من القاعدة. علاوة على ذلك، كان من المفترض بجميع الصادرات التي تم التوقيع عليها مسبقا أن تسلم. وهكذا فإنه، في النصف الأول من عام 2019 وحده، استمر بيع أسلحة تزيد قيمتها على مليار يورو إلى سبع دول من تحالف الحرب. في مارس/ آذار، وبحجة أنه يجب على المرء أن يكون "متضامناً" مع الشركاء الأوروبيين، تم الإعلان عن أنه لا يزال يتعين الموافقة على صادرات لآلة الحرب تشمل دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. في الواقع، وجدت الشركات الألمانية منذ وقت طويل طرقاً للتحايل على القيود المفروضة على شحنات الأسلحة. كانت صحيفة نيويورك تايمز قد أظهرت في ديسمبر 2017 أن إحدى الشركات التابعة لشركة راينميتال، التي تتخذ من إيسن مقراً لها، قامت بتصنيع قنابل سردينية استخدمتها السعودية ضد المدنيين في اليمن.

المصالح بدلا عن القيم
في حين أن مسألة تصدير الأسلحة كانت موضع نقاش مرير، لفتت المعلومات في إبريل من هذا العام انتباه الجمهور إلى أن البوندسوير (القوات المسلحة الألمانية) ستقوم قريبا بتدريب سبعة من الضباط السعوديين. وافقت وزيرة الدفاع فان دير لين، في نهاية عام 2016 في الرياض، على الاتفاق بهذا الشأن وتم التوقيع عليه في أبريل من العام التالي -أي بعد عامين فقط من بدء الحرب في اليمن وقبل شهرين من إعلان زميلها في الحزب، بفايفر، عن دعمه للعملية العسكرية السعودية. وعلى الرغم من أن العقد يتضمن بند إلغاء الاشتراك الذي ينص على أنه يمكن للحكومة الاتحادية إبطاله من جانب واحد في غضون 6 أشهر، إلا أنها بدلاً عن ذلك، أعلنت في أوائل سبتمبر أنه بعد ما يقرب من عام على التعليق، حان الوقت لاستئناف التعاون بين الشرطة السعودية والشرطة الاتحادية. هذا التعاون، وفقا لمعلومات خاصة، يقوم على "تحديث حماية الحدود السعودية". وأطول الحدود هي التي تتقاسمها المملكة السعودية مع اليمن وقامت بإغلاقها في سياق الحصار غير الشرعي والمدمر. أما من جانب البوندسوير وسياسيي الحكومة، فإنه عند توجيه الانتقاد نحو أي عمل مشترك مع أنظمة استبدادية يتم التأكيد على أن الهدف دائما من تأهيل جنود أجانب هو "تصدير المبادئ الديمقراطية". وبدا بيان المتحدث باسم الحكومة ستيفن سيبرت أكثر مصداقية بالقول إن السياسة الخارجية الألمانية ليست محكومة بالقيم فحسب، بل وبالمصالح أيضا. وكما يؤكد باحث السلام فيرنر روف، يجب النظر إلى التعاون المكثف مع الأنظمة العربية يأتي من خلفية أن "ألمانيا تعي نفسها على نحو متزايد كقوة عظمى وكلاعب في النظام الناشئ متعدد الأقطاب".
في منتصف سبتمبر، أعلنت الحكومة الاتحادية أن شحنات الأسلحة إلى السعودية ظلت معلقة. وبذلك صار من المعروف في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر أنه تمت الموافقة من قبل الإمارات على شراء توابع لصواريخ مضادة للطائرات. تعتمد الحكومة الاتحادية على ثغرة "المتورطين مباشرة"، لأن الإمارات، كما يزعم، سحبت معظم القوات من اليمن. وهذا أمر غير قابل للتحقق. ومع ذلك، يبدو أن صناعة الأسلحة من خلال هذه الخطوات تستنشق هواء الصباح. فبعد فترة وجيزة من الإعلان عن شحنة التصدير إلى الإمارات، شن رئيس قسم التسلح في "إيرباص"، ديرك هوك، هجوما على الحكومة الاتحادية مطالبا في النهاية بتغيير مسارها بشأن صادرات الأسلحة إلى السعودية. كان يقصد طبعا أنه يتعين عليها أن تعود إلى الوضع الذي كانت عليه قبل عام. وإذا ما لبت الحكومة الاتحادية هذه الدعوة، لكانت معاقبة السعودية مجرد فترة قصيرة في سياق "الحد التدريجي من سياسة تصدير الأسلحة التقييدية"، والذي كان ماركوس بيكل قد حدده كاتجاه طويل الأمد، قبل عام ونصف العام تقريبا من مقتل خاشقجي.

22/10/2019
الموقع: (dis:orient)