تقرير وتصوير:عادل عبده بشر / لا ميديا -
كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحاً، أمس السبت 20 كانون الثاني/ يناير 2024، في القاعة الكُبرى بمحكمة استئناف أمانة العاصمة صنعاء، حيث يعقد رئيسة محكمة جنوب شرق الأمانة، القاضي مصطفى محمد مكشم، جلسات المحاكمة في واحدة من أبرز قضايا النصب والاحتيال وغسيل الأموال والإدلاء ببيانات غير صحيحة، التي شغلت الرأي العام في اليمن منذ منتصف العام الفائت 2023، والمتهم فيها ما تسمى «شركة تهامة فلافور للاستثمار والتطوير العقاري»، وكان ضحيتها أكثر من 13 ألف مواطن.
ما إن شرع المجني عليهم بحجز مقاعدهم، اكتظت القاعة بالحضور في غضون لحظات، ليضطر العشرات للبقاء خارج القاعة.
صحيفة «لا» كانت حاضرة وقائع جلسة أمس، وهي الجلسة الثالثة التي تعقدها محكمة جنوب شرق الأمانة في هذه القضية المتهم فيها 41 شخصاً على رأسهم فتحية أحمد محمد المحويتي، رئيس مجلس إدارة ما يسمى «شركة تهامة فلافور»، بينهم خمسة متهمين فارون من وجه العدالة.

وقائع الجلسة
في الجلسة أفادت المتهمة الأولى، فتحية المحويتي، بأن لديها مشترياً لمزرعة من أصول الشركة في منطقة «عبال» بمحافظة الحديدة، ومصنع الإسفنج، بمبلغ خمسين مليون دولار، فوجهها رئيس المحكمة القاضي مصطفى مكشم، بإحضار المشتري إلى المحكمة للتأكد من صحة أقوالها، وسألها: أين ذهبت السيولة التي كانت لدى الشركة؟ كيف اختفت فجأة وهي بالمليارات؟ وكان رد المحويتي: «أي سيولة تتوفر كنا نشتري بها عقارات»، ثم قالت: «لماذا نحن متهمون، لم نعمل شيئاً، نحن بنينا وطناً»، فضج الحاضرون استهجاناً لحديثها، زاده صراخ أحد المتهمين، ويدعى خليل السواري، وهو نجل المتهمة فتحية المحويتي، من خلف قفص المتهمين مطالباً بالإفراج عنه وعن والده وإخوانه المتهمين في القضية ذاتها، قائلاً: «لماذا نحن متهمون؟! لم نفعل شيئا، لم نذبح أحداً»، ما اضطر رئيس المحكمة القاضي مصطفى مكشم إلى استخدام مطرقته كثيراً لضبط إيقاع الجلسة وإعادة الهدوء لأجوائها.
وكيل نيابة شرق الأمانة، القاضي حامد وهاس، عقّب على حديث المتهمة المحويتي، مشيراً إلى أن ما أثارته حول المشتري للمزرعة والمصنع بخمسين مليون دولار، هو محاولة منها لتضليل عدالة المحكمة حول حقيقة وقيمة أصول الشركة، موضحاً أن ما هو مقيد في النظام المحاسبي للشركة، من تقييم للأصول لا يتجاوز 18 مليار ريال، بما فيها مزرعة تهامة ومصنع الإسفنج، رغم المبالغة في هذا الرقم، حيث تم احتساب قيمة مصنع الإسفنج في النظام المحاسبي للشركة بنحو 7 مليار ريال، بينما قيمته الحقيقة لا تتجاوز 650 مليون ريال.
وأكد القاضي وهاس أن المتهمة المحويتي وشركاءها في القضية، باعوا أصولاً مشتراة من أموال المجني عليهم بمبالغ أقل من قيمتها الحقيقية.
في نهاية الجلسة ألزمت المحكمة، النيابة العامة بتقديم تقرير مفصل عن المساهمين والمبالغ المدفوعة منهم، وتاريخ الدفع ورقم السندات وتاريخها، وكذا تحديد المبالغ التي استلمها كل مساهم من الشركة، وذلك من واقع النظام المحاسبي للشركة، وتقديم تقرير مفصل عما استلمه المتهمون: أحمد الطويل، ويحيى نجاد، وأحمد شرهان، من الشركة، أو من فتحية المحويتي، أو من أحد أقربائها المتهمين في القضية.
وقررت المحكمة أن على المدعين بالحقوق المدنية (المجني عليهم) توكيل أحد المحامين المترافعين عن المجني عليهم، تسهيلا وتيسيرا للإجراءات وتوفيرا لجهد ووقت المحكمة، كون عدد المساهمين يتجاوز 13 ألف مساهم، وكذا الإعلان عن الفارين من وجه العدالة، عبر النشر في صحيفة «الثورة» الرسمية، لمدة شهر.
كما منحت المحكمة الادعاء العام والخاص فرصة للرد على ما تم تقديمه من المتهمين في الجلسة، وكذا منح المتهمين فرصة للرد على الدعاوى في الحقوق المدنية المقدمة من بعض المجني عليهم، وتمكين من لم يتمكن من استلام صورة من ملف القضية.

قرار الاتهام
المتهمون في هذه القضية، وفقاً لقرار الاتهام الصادر من نيابة جنوب شرق الأمانة، عددهم 41 شخصاً، على رأسهم فتحية أحمد محمد المحويتي، وتتهمهم النيابة بأنهم -خلال فترات سابقة- قبل ضبطهم في أيار/ مايو 2023 «توصلوا بغير حق إلى الحصول على فوائد مادية لأنفسهم ولغيرهم هي مبالغ مالية تزيد على 56 ملياراً و927 مليوناً و963 ألف ريال يمني، وأربعة ملايين و660 ألف ريال سعودي، وثلاثة ملايين و95 ألف دولار أمريكي، من الضحايا المجني عليهم»، وفق نظام الاحتيال المالي المعروف عالمياً بـ»مخطط بونزي»، وذلك بالاستعانة بطرق احتيالية ونصب واتخاذ مظاهر مادية كاذبة وأسماء تجارية غير صحيحة، وأوهموا ضحاياهم وعددهم في النظام المحاسبي للشركة يتجاوز 13589 ضحية، بوجود أنشطة استثمارية (عقارية، تجارية، صناعية) مربحة يتم من خلالها تشغيل وإدارة أموال المساهمين واستثمارها للحصول على أرباح سريعة وعوائد مرتفعة، فجمعوا مبالغ مالية كبيرة من الضحايا تتجاوز 136 ملياراً و966 مليون ريال يمني، و19 مليوناً و23 ألف ريال سعودي، و7 ملايين و938 ألف دولار، في حين أن ما سمي بالأنشطة الاستثمارية ما هي إلا مشاريع صغيرة أنشأها وسجلها المتهمون بأسمائهم من أموال الضحايا ولم تُدرّ أي أرباح يمكن تسليمها للمساهمين، وعززوا تلك المزاعم والأكاذيب بتوزيع مبالغ مالية من أموال الضحايا الجدد للضحايا القدامى باسم أرباح شهرية وفصلية، وهو ما جعل المجني عليهم يعتقدون بصحتها فوقعوا ضحية التدليس والخداع، ناهيك عن إبرام ما سمي عقود المضاربة المتضمنة الوعد بأرباح وهمية محددة سلفاً تصل أحياناً إلى نسبة 5% من رأس المال والاستعانة بعدد من الأشخاص المرتبطين بهذه الأعمال (الوسطاء) لتأييد مزاعمهم وجذب أكبر عدد ممكن من الضحايا.
وأشار قرار الاتهام إلى أن المتهمين في تلك العمليات تخفوا وراء كيانين وهميين، هما «مؤسسة تهامة فلافور للاستيراد والاستثمار العقاري والتجاري» و»شركة تهامة فلافور للتجارة والاستيراد والخدمات العامة»، وكيان قانوني هو «شركة تهامة فلافور للاستثمار والتطوير العقاري»، وهذا الكيان لا تخولهم طبيعته القانونية تلقي الأموال أو طرح الأسهم.
كما قام المتهمون، وفقاً للنيابة، بإنشاء مقرات وفروع بأسماء هذه الكيانات، في أمانة العاصمة ومحافظات ذمار وإب والمحويت، وروجوا لذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة ومنصات التواصل الاجتماعي، واستضافوا مسؤولين حكوميين، وبهذا استطاعوا جمع المبالغ المالية المذكورة، مما مكنهم من اكتساب أصول مالية ومزاولة أنشطة تجارية وعقارية في الداخل والخارج وحيازة مقتنيات ثمينة لا تتناسب مع وضعهم ودخلهم المادي.
وقام المتهمون، وفقاً لقرار الاتهام، بغسل الأموال المحصلة من جريمة النّصب، باكتساب أصول مالية عقارية، ومنقولات بأسمائهم. كما قدمت المتهمة الأولى وخمسة من المتهمين في القضية بالإدلاء أمام وزارة التجارة والصناعة إقرارات كاذبة وبيانات غير صحيحة في عقد التأسيس والنظام الأساسي لما سمي «شركة تهامة فلافور للاستثمار والتطوير العقاري والتجاري»، تفيد بإيداعهم مبلغ مائة مليون ريال لدى أحد البنوك وتوزيع الأسهم النقدية فيما بينهم عند التوقيع خلافاً للحقيقة، وذلك لاكتساب صفة الشركاء المؤسسين، وحصلوا بموجب ذلك على الترخيص الوزاري بتأريخ 13 شباط/ فبراير 2019، بتأسيس الشركة المذكورة.
وطالبت النيابة العامة عدالة المحكمة بالحكم عليهم بأقصى العقوبات المقررة شرعاً وقانوناً.
وتعيد هذه القضية إلى الأذهان قضية مماثلة شغلت الرأي العام اليمني لأكثر من عامين ونيف، قبل أن يسدل الستار عليها بتاريخ 7 حزيران/ يونيو 2023، وهي قضية ما تسمى «مجموعة قصر السلطانة» ورئيستها بلقيس الحداد، حيث أدانت محكمة الأموال العامة76  شخصاً في مقدمتهم بلقيس الحداد بالاحتيال والنصب على 110 آلاف شخص في الفترة من كانون الثاني/ يناير 2016 إلى 15 تموز/ يوليو 2020، وتحصلوا من خلالها على مبالغ مالية قدرت بـ66 ملياراً و314 مليوناً و405 آلاف ريال.