فيما تهرول «سعود» صوب حتفها الوشيك
اجل نتألم ..لكننا ننتصر

سُئِل الزعيم العربي الراحل حافظ الأسد عما يمكن أن تسفر عنه حرب نظامية شاملة افتراضية بين الجمهورية العربية السورية من جهة والكيان الصهيوني من جهة مقابلة، بحساب خذلان الظهير المصري والعربي لسوريا، والإسناد الغربي الرأسمالي الكامل لكيان العدو..
«سيعود طرفا الحرب مائة عام إلى الوراء» أجاب الأسد؛ وأضاف : «لكن قبل مائة عام لم تكن هناك إسرائيل..!»..
إسقاط عبارة الأسد الكثيفة والموجزة ذاتها على الصراع الدائر اليوم بين المملكة السعودية كطرف معتدٍ والجمهورية اليمنية كطرف معتدى عليه، هو إسقاط يستشرف ذات المآلات، حيث تأخذ «السعودية» موضع «إسرائيل» ككيان طارئ وفي تضاد مع التاريخ، بينما تأخذ «اليمن» موضع «سوريا» كوجود مديد ومنسجم تاريخياً مع جملة الحقائق الموضوعية التي تؤلف أطوار نشأته ونطاق فاعليته الحضارية الفسيح..
تجيب مقاربة قوة طرفي الصراع من هذا المنظور الجيوتاريخي عن السؤال: لماذا يخفق العتاد الحربي فائق التطور لتحالف قوى العدوان السعودي الأمريكي، في مجابهة بلد شبه أعزل بالمفهوم الحديث للتسليح؟ ويحضر في تقارير التنمية الدولية، بوصفه أحد أشد البلدان فقراً على مصاف «الشرق الأوسط»..؟!
بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي أتخمت خزانة صناعتها الحربية بمليار دولار طازج الأسبوع الفائت عن «ذخيرة نوعية» باعتها للسعودية، فإنه من غير المفيد أن تفسر إخفاقات التحالف على الأرض، بغير «نقص العتاد»، حتى بعد مرور أكثر من «240 يوماً» على بدء عملياته العسكرية المستمرة في اليمن.
مطلع نوفمبر الجاري دُشِّنَ العام الدراسي الجديد والتحق التلاميذ من كل الفئات العمرية والمستويات الدراسية بالعملية التعليمية متزاحمين - وبأعدادٍ غفيرة - تحت سقوف ما تبقى من مدارس لم تقوّضها غارات العدوان، وغير آبهين بالتحليق الكثيف والمتعمد لطائرات الــ «إف 16»..
وفي العاصمة كما في مختلف المحافظات التي يسيطر عليها الجيش واللجان الشعبية، تمضي الحياة اليومية ويزاول الناس أعمالهم بصورةٍ طبيعية رغم نهشات أنياب الحصار المفروض على أقواتهم وحاجيات بقائهم في الحد الأدنى..
إلى ذلك فإن غالبية الشعب يطالعون بشغفٍ وفخار أخبار العمليات البطولية لجيشهم ولجانهم الشعبية في «نجران وجيزان ومأرب وعسير وباب المندب والبيضاء، و...» ويلتحقون بحماسة وبأعداد متنامية في عمليات التعبئة الحربية ويسيرّون قوافل التبرعات إلى شتى جبهات القتال، ويتجمهرون في تظاهرات مليونية أسبوعية وشهرية مفعمين بالعنفوان والثقة في الانتصار الوشيك..
ما العتاد النوعي الذي يتعين على البيت الأبيض أن يزود «السعودية وتحالف العدوان» به، ليتلافى إخفاقاته الفادحة إزاء هذا المشهد الحي وفي مواجهة هذا الوجود المكابر بعد «240 يوماً و 40 ألف غارة جوية و 23 ألف شهيد» ومئات آلاف المنازل والمرافق المدمرة وملايين النازحين والمشردين..؟!!
ما تحتاجه السعودية اليوم ليس أن تنتصر في اليمن عبر المزيد من عقود وصفقات العتاد النوعي، بل أن تتجنب رصاصة الرحمة التي يوشك رب «البيت الأبيض» أن يطلقها على رأس نظام عائلي يفقد بوتيرة متسارعة جدواه الوظيفية بالنسبة لمستخدميه تحسُّباً لاحتمالات سقوطه فريسةً لثورةٍ شعبية اختمرت ظروف وشروط اندلاعها في مملكة الرمال..
تماماً كإسرائيل لا أحد يكنُّ للسعودية وداً؛ بمن في ذلك «شعبها مجازاً».. فميلادها ونشأتها مقرونان بكل هذا الخراب الذي يعصف بالمنطقة العربية من اليمن إلى الشام ومن النيل إلى الفرات، وليس بوسع بحار النفط أن تؤلف حولها قلوب شعوب المنطقة التي التهمتها 
نيرانه واستحوذ أعداؤها على نعمائه، كما ليس بوسع ترسانة الردع الإسرائيلي أن تؤلف شعباً مجلوباً من كل أصقاع الأرض، حول أكذوبة «أرض الميعاد»  , مهددة على الدوام بصواريخ المقاومة اللبنانية الفلسطينية جواً، وبسكاكين ومقاليع الانتفاضة على الأرض.
إزاء سياسة «الهروب إلى الحتف بالقصور الذاتي» التي تلجأ إليها السعودية كسبيل وحيد لانتصار متوهم، سنتألم كثيراً كيمنيين وسنعود مائة عام إلى الوراء..

لكن قبل مائة عام لم يكن هناك سعودية ولا إسرائيل..