افتتح العدوان السعودي الأمريكي على اليمن البادئ منذ مارس الماضي، تاريخاً جديداً من الصراع مع الجار الوظيفي للمنظومة الاستعمارية العالمية التي تتزعمها أمريكا وبريطانيا، بخيارات مفتوحة للرد على عدوانه الوحشي ومشاريعه الاحتلالية للوطن، ومع تغيرات واقع اليوم المتمثلة بدخول قوات الجيش واللجان الشعبية والقبائل إلى الأراضي اليمنية المحتلة تاريخياً منذ العام 34م؛ جيزان ونجران وعسير، تقوم معادلة وطنية جديدة في إطار الرد على العدوان السعودي الأمريكي.
المعادلة القائمة الآن المتخلقة بأقدام وسواعد أبطال الجيش واللجان الشعبية والقبائل اليمنية، تطرح تساؤلات عدة في ضوء هذه المعادلة، تبرز في حال وقعت كامل الأراضي اليمنية المحتلة بيد القوات اليمنية، فهل ستكون استعادة الأراضي المحتلة (نجران- جيزان- نجران) جزءاً من الخيارات الاستراتيجية في الرد على العدوان السعودي الأمريكي؟ ولم لا يكون فرض أمر واقع كما فعلت السعودية في العام 34م مع الإمام يحيى حميد الدين، وإجباره على توقيع معاهدة تنازل مذلة تحت تهديد الحرب؟ علماً أن الحرب التي شنها الإمام يحيى تلك الآونة كانت لتوحيد الأراضي اليمنية التي تفككت بانهيار الدولة المركزية إبان الاحتلال العثماني الثاني (1849م- 1918م) ثم تناهشتها القوى الطامعة كبريطانيا والسعودية والأدارسة.
قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي في خطابه الأخير في المولد النبوي أواخر ديسمبر الماضي، ذكر أن العدوان السعودي الأمريكي ورفضه للتوقف سيدفع اليمن لخيارات رد لن تكون مطلقاً في صالح السعودية. والأسبوع الماضي وعقب مراوغات جنيف 2 السعودية الأمريكية، وأخيراً تواجد ولد الشيخ في صنعاء، قال ناطق أنصار محمد عبد السلام، في حوار أجرته معه قناة المسيرة، إن اليمن تدافع عن نفسها، وسيكون جزءاً من دفاعها هو السيطرة على الأراضي اليمنية المحتلة التي تستخدمها السعودية وحلفها الاستعماري كقاعدة للعدوان على اليمن.
السعودية، المملكة التي بدأت كبادية في الدرعية بنجد، وتوسعت كالوباء لتتحول بفضل لقاح النفط ومكاتب المخابرات الصهيونية الأمريكية والبريطانية إلى مملكة تستولي على ما يتجاوز نصف أراضي الجزيرة العربية، قامت كما قام النموذج الأمريكي على جثث مئات الآلاف من البشر وخيرات أرضهم، في صلب المشروع الاستعماري البريطاني توسعت في الأراضي اليمنية، نصب عينيها استمرار التوسع حتى الوصول للبحر العربي، وهي اليوم تواصل مسيرتها الدموية التي تجاوزت القرنين من الزمن في عدوانها على اليمن بالمعية الأمريكية الصهيونية، تدرك اليوم أنها لن تخسر فقط مشاريعها ووجودها الاحتلالي في جنوب اليمن، بل كذلك في الأراضي اليمنية نجران وجيزان وعسير التي احتلتها في ثلاثينيات القرن الماضي، وهي بيدها افتتحت النهاية الحتمية لكيانها الوظيفي في المنطقة.
في العدد السابع من صحيفة (لا) كتب الباحث الاستراتيجي والسياسي اليمني علي نعمان المقطري، عن الجنوبين، جنوب اليمن وشمال اليمن الذي تحتله السعودية، وعن كون الأخيرة قد تطرح خياراً تفاوضياً يفيد بانسحاب القوات اليمنية مقابل انسحاب قوات الاستعمار من الجنوب وتحديداً تعز/ باب المندب في حال سيطرت عليه. وهو الأمر الذي توقع فشله، أي التفاوض، في حال استمرت المراوغة السعودية واستمرار الانتصارات اليمنية في وجه العدوان على كافة الجبهات، الذي لن يجعل الأراضي المحتلة نجران وجيزان وعسير قابلة للتفاوض والانسحاب منها، ويضع في يد الثورة إمكانية استرجاعها.
(وثيقة الشرف القبلية) التي رسمت فيها القبائل اليمنية مع القوات المشتركة استراتيجية للدفاع الشعبي العام بوجه العدوان السعودي الأمريكي وعملائه، تضمنت في بندها الثاني المعنون بـ (إعلان البراءة): (...) التمسك بحق الرد على المعتدين (...) بأي زمان ومكان (...)، وهو ما يتطابق مع خطاب قائد الثورة، وكذا تصريح محمد عبد السلام، عن توسع الرد في الأراضي اليمنية المحتلة بنطاق وخيارات أعلى مما هو قائم الآن، وهذه الوثيقة تعد بمثابة تفويض للخيارات الاستراتيجية التي أعدتها القيادة الوطنية للرد على العدوان والانتصار لليمن ثورةً وشعباً.

متغيرات الرد على العدوان ومعاهدة الطائف واتفاقية جدة من الجانب القانوني
الطرح السابق يضع التحقيق الذي نجريه هنا أمام اتفاقيات (الإذعان) التي وقعتها السلطات اليمنية السابقة مع سلطات الاحتلال السعودي في العام 34م وعام 2000م، اتفاقية الطائف ومعاهدة جدة تحت ظروف الاضطرار والقسر، وقانونية الخيارات المفتوحة بيد اليمن وقواها الثورية لمواجهة العدوان السعودي الأمريكي القائم.
عندما تفجر النزاع العسكري بين المملكة المتوكلية اليمنية وبين الإمارة الإدريسية (القائمة على الأراضي اليمنية) المدعومة بريطانياً في جيزان وعسير السراة وتهامة، لرفضها الانضواء تحت سلطة المملكة المتوكلية، علاوة على كونها سعت عسكرياً للتوسع باتجاه صنعاء مركز حكم الإمام يحيى، بعد انسحاب الاحتلال العثماني عام 18م، لجأت الإمارة الإدريسية إلى القوات العسكرية السعودية للتدخل لمساعدتها في مواجهة الجيش المتوكلي، حيث التقى ذلك بالمشروع السعودي الاحتلالي في اليمن. لتنتهي المعارك بالتفاف الجيش السعودي المدعوم بالعربات البريطانية، على القوات المتوكلية من جبهة عسير، ووصولها إلى الحديدة، مقوضةً بذلك الانتصار الذي حققه جيش (سيف الدولة) أحمد بن يحيى حميد الدين، بإعادة السيطرة على نجران كاملةً واستعادة عسير السراة وتهامة ومعظم جيزان، مما اضطر الإمام يحيى للاستسلام للأمر الواقع القائل بإمكانية الوصول إلى صنعاء بعد المعارك المنهكة وحصار القوات المتوكلية في نجران، وبالتالي القبول بشروط عبد العزيز بن سعود من أجل إيقاف الحرب وتوقيع (معاهدة الطائف) في مايو 1934م.
ومع تواصل العدوان السعودي الأمريكي على اليمن الذي بدأه المؤسس الأول للمملكة مطلع القرن التاسع عشر، بزحفه على عسير وتهامة، وسقط أمام الانتفاضات الشعبية اليمنية ضده، مروراً بـ(الطائف) والحرب التي سبقتها، والعدوان والتآمر على الدولة اليمنية في عدة محطات منها حرب الثمان سنوات واغتيال الحمدي والتآمر على الوحدة اليمنية وصولاً إلى العدوان الحالي، فإن ذلك كله قانونياً قد ألغى أي اتفاق وأي معاهدة بين اليمن والسعودية، لكون الأخيرة لم تلتزم مطلقاً ببنود الاتفاقيات والمعاهدات التي لا تؤخذ بأجزائها بل بكلياتها كما ينظر القانون، و(معاهدة الطائف) التي بموجبها تنازل الإمام يحيى، بشكل مؤقت (20 عاماً) في ظل الإكراه، عن نجران وجيزان وعسير، من أجل إيقاف الحرب والتمدد العسكري السعودي، مرهونة ببقاء السلام، وتنتهي بقيام الحرب كما فعلت السعودية في أكثر من محطة. علاوة على كونها من الأساس معاهدات واتفاقيات باطلة غير سليمة، لكونها أتت على ظهر حرب وضغوط سياسية فرضت القبول بها إجباراً.
وطبقاً لما تنص عليه المواثيق الدولية فإن الاتفاقيات المعقودة بين الدول في ظل الإكراه والتهديد والإجبار، باطلة جملةً وتفصيلاً، وهو الأمر الذي حدث بين الصين واليابان عقب الحرب العالمية الثانية، بعد أن وقعت الصين بتهديد الحرب اتفاقاً يقضي بتنازلها عن (إقليم منشوريا) لليابان عن أرض احتلتها شرق الصين، وما تضمنته مواثيق الأمم المتحدة (في معاهدة فرساي وقبلها) في هذا الجانب أقر سريانها حتى على الاتفاقيات التي سبقتها. والسعودية ظلت طيلة الفترة السابقة لمعاهدة جدة تحاول التخلص من اتفاقية الطائف لأنها تعرف أن لا مشروعية لها، وبناءً على هذه المعرفة جاهدت لتوقيع اتفاقية أخرى تتضمن التنازلات التي حدثت في معاهدة جدة، وهو ما حصل فعلاً بمعاهدة جدة عام 2000م. كما أن أحد أسباب عدوانها الحالي كان خوفاً من أن ثورة 21 أيلول من حقها استعادة الأراضي اليمنية المحتلة.
من جانب آخر، هل يجوز من الأساس لأي كان التنازل عن الأراضي اليمنية، وأن يقوم باتفاقات سيادية دون الرجوع للشعب (صاحب السلطة ومصدرها)؟ ألا يفتح العدوان السعودي الأمريكي على اليمن كل الملفات والحسابات العالقة مع الجار الدنيء السعودي الذي لم يتوقف لحظة واحدة منذ أسست كيانه أجهزة المخابرات البريطانية مطلع القرن الماضي، عن التآمر والتخريب والعدوان؟
وعن أي (أخوية) و(محبة) و(نوايا حسنة) تتحدث الاتفاقيات مع الكيان السعودي؟ ألا يعري قرن كامل من الإجرام السعودي المتواصل بحق شعبنا اليماني، هذه الأكاذيب؟
معاهدة جدة التي بموجبها رسمت الحدود مع السعودية تتناقض مع أحكام الدستور اليمني المانع للتفريط بأي جزء من الأراضي اليمنية بأي حال من الأحوال، وبتوقيع معاهدة جدة التي أقرها مجلس النواب تلك الآونة يعد مخالفة للدستور اليمني، إذ إن هذا الإجراء يعد عملاً دستورياً لا يقره إلا استفتاء شعبي كما هو الحال مع الدستور الذي لا يتم العمل به حتى يقره الشعب باستفتاء عام، علاوة على كون تصويت البرلمان على المعاهدة آنذاك مخالفاً للائحة الداخلية لمجلس النواب التي تقول بإجراء التصويت في البرلمان بطريقة منفردة، إذ يقوم رئيس المجلس بمناداة كل عضو باسمه ليقول رفضه أو موافقته، بينما في تلك الجلسة كان التصويب برفع اليد الجماعي.
الخرقان السابقان يبطلان المعاهدة، ولا يلزمان شعبنا بأي شيء، عدا التصدي للعدوان السعودي الأمريكي الحالي الذي يهدف لاحتلال الوطن وتمزيقه، وفي إطاره توجب استرجاع أراضينا المحتلة التي يستخدمها كقاعدة للاعتداء على اليمن، وفي هذا السياق تبرز أسئلة حول الممكنات القانونية لاسترجاع الأراضي اليمنية المحتلة، وحول البدائل المطروحة في يد الثورة لاسترجاعها.

ما أخذ بالقوة لا يستعاد بغير القوة
ما هو السقف القانوني لإثبات الحق باسترجاع الأراضي اليمنية المحتلة (نجران - جيزان -عسير)؟ وفي ضوء ما يتم التلويح به من مفاوضات سياسية قادمة، هل يمكن استعادة الأراضي المحتلة في إطار مفاوضات سياسية؟ ثم من له الحق باستعادتها أو التفاوض بشأنها خاصة مع الفراغ السياسي القائم؟ وفي ظل الثورة ما الذي يحكم العلاقات الخارجية في مثل هذه القضية؟
المستشار القانوني والسياسي اليمني عبد العزيز البغدادي يقول بما أن (السقف القانوني والدستوري اعتبار معاهدة جدة منعدمة لمخالفتها الواضحة صريح المادة الأولى من الدستور التي تحظر حظراً تاماً التفريط بأي جزء من الأراضي اليمنية، ولا يجوز اتخاذ أي إجراء يتضمن التنازل عن أي جزء من اليمن إلا بموجب استفتاء شعبي، لأن النص يجعل التصرف بمثابة الدستور، وبناءً على هذا الانعدام يجعل من حق اليمن المطالبة باستعادة الأراضي اليمنية المحتلة عام 34م سواءً بطرق التحكيم أو التفاوض أو باستخدام القوة، باعتبار أنها أراضٍ محتلة. ونحن الآن في ظل الثورة فالشرعية الثورية أحد مظاهر تسيير السلطات في أي مجتمع، وهي شرعية استثنائية تكون محكومة غالباً بإعلانات دستورية أو بتصرفات ثورية على أرض الواقع، وطالما نحن بصدد الحديث عن تصرف منعدم متعلق بتصرفات سلطة سياسية قامت عليها الثورة في 2011 و21 أيلول 2014م، فإن من حق الشرعية الثورية اتخاذ كافة الإجراءات التي تتوافق مع الشرعية الدولية التي تقر الحق لكل شعب احتُلت أرضه أن يدافع عن هذه الأرض سواءً بطرق ودية أو بطرق الحرب المشروعة، والدفاع عن الأرض في مقدمة الحروب المشروعة).. و(في ما يتعلق باستخدام القوة أو إعلان الحرب هذه المسألة محكومة بقواعد دستورية من بلد إلى آخر، وبالنسبة لليمن فإن إعلان الحرب أو إيقافها يتطلب موافقة مجلس النواب.. هذا في حالة الشرعية الدستورية، وفي ظل الشرعية الثورية كالتي نعيش، فإن قيادة الثورة وعناصرها تتخذ كافة الإجراءات على مسؤوليتها، ما عدا إجراء أي اتفاق متعلق بترسيم الحدود، فإنه لا يتم إلا بموافقة شعبية عليه).
إن السلطة التي قامت بتصرفات التنازل عن الأراضي لم تكن معبرة عن إرادة شعبية حقيقية، وبالتالي لم تكن تملك أي مشروعية في إبرام مثل هذا النوع من الاتفاقيات، وبذلك تصير إلزامية هذه الاتفاقيات مرتبطة بالسلطة القائمة زمنياً، وتسقط بسقوطها اعتباراً أن الإرادة الشعبية هي مصدر كل مشروعية لأي اتفاق من الاتفاقات المصيرية والوجودية التي تقرر مصير أمة إنساناً وتاريخاً وأرضاً ما لم تكن هذه السلطة تعبيراً حقيقياً عن إرادة شعبية جامعة حقيقية، وتلك هي التي لم توجد يوماً كوجودها هذا اليوم.
كل شعوب العالم التي تعرضت للاحتلال استعادت حقها بالقوة، ولم يمنعها من ذلك إلا خوفها، أما الحسابات المرتبطة بالأمم المتحدة والهيئات الدولية فالشرعية هي للشعب وحده، وعندما يفرض حقه بسواعد أبنائه دون رهان على غير تلك السواعد الشريفة، فإن كل ما دونها يخضع لإرادتها بالضرورة مهما استكبر.

خاتمة..
نلاحظ تكون معادلة قوى جديدة بدخول القوات اليمنية الأراضي المحتلة الواقعة في سيطرة السعودية، وإمكانية فرض أمر واقع ببسط النفوذ اليمني على أراضيه المحتلة.
إن مسار الرد على العدوان السعودي الأمريكي يسير بشكل تصاعدي منذ الوهلة الأولى للعدوان في مارس الماضي، فطيلة الأربعين يوماً الأولى لم تقم اليمن بالرد إلا في إطار الدفاع المحدود، ثم انتقلت بعد ذلك إلى المواجهة في مسرح حرب العدو نفسه، وتدريجياً حتى واقع الآن القائل باستمرار التصدي للعدوان بطور أعلى يسير نحو إحكام السيطرة على الأراضي اليمنية المحتلة نجران وجيزان وعسير، والتي قد تضع السعودية وحلفها في خناق أمر واقع، كونهم خسروا الأراضي التي كانت واقعة تحت نير احتلالهم، ودون أن يحققوا شيئاً في المقابل.
من الناحية القانونية، فإن المعاهدات المبرمة مع السعودية لاغية من ناحية كونها معاهدات في ظل إكراه الحرب، وثانياً لأن الشعب مالك السلطة ومصدرها لم يقرها، وفي ظل المواثيق والمعاهدات الدولية فإن هذه الاتفاقات باطلة.
استعادة الأراضي اليمنية المحتلة حق مشروع بالقانون وبالثورة وبكل الطرق والوسائل، والشعب اليمني هو المُعتدى عليه، الأمر الذي يعطيه كامل المشروعية بالرد في أي زمان وأي مكان، وفي إطار خيارات مفتوحة، وسياق دفاع مشروع لا يستهدف استعادة الأراضي السليبة في المقام الأول، لكن استعادتها واردة ضمناً وكتحصيل حاصل لعمليات عسكرية ليس بوسع السعودية كبح جماحها ولا تلافي النتائج المترتبة عليها، كأن ينهار كيانها الوظيفي أو أن ترضخ لمفاوضات ثنائية مع قادة المتغير الثوري اليمني، تقر خلالها بما حاولت أن تتلافى الإقرار به عبر العدوان: بزوغ فجر وطني جديد في اليمن لا وصاية لها عليه.