علي الأسدي: الفنان الحقيقي هو الذي يرتشف من ينابيع الأصالة الفنية
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / حاوره/ عبدالرقيب المجيدي
الفنان الكبير علي الأسدي مرهف الحس ناعم الشعور يحس بالكلمة الجميلة فيحولها إلى لحن مستمد من البيئة اليمنية الأصيلة، فتطرب له الآذان ويتمايل له المستمع، ومن منا لم يستمع إلى أوبريت (هيا نغني للمواسم)، وهو من ألحانه، حيث وضع القالب المحدد للأوبريت فأدخل التلوين المقامي، حيث المقدمة الموسيقية تختلف عن بداية الغناء اختلافاً مقامياً، ثم تأتي مقطوعة موسيقية تمهد للكوبليه الذي يختلف عن المقدمة الموسيقية، ولهذا ازدهرت ألحانه وأغانيه لأنه قدمها أعمالاً مطورة أثرت على الساحة الفنية.
الفنان علي الأسدي من العناصر الغنائية اليمنية التي شاركت في مجالات فنية كثيرة وعميقة كانت وراء انتشار الأغنية اليمنية. أوبريت (هيا نغني للمواسم) وأوبريت (سدوادي سباء)وابريت (وطن النهار استلهم فيها التراث اليمني وقدمها الحانا تليق بجمال كلماته انه فنان مبدع تشهد له الجبال والسهول والوديان بفنه وانتاجه الغزير وبالحانه الاصيله
لماذا تخلى الفنان اليمني عن الأعمال الوطنية، خصوصاً في هذه المرحلة؟
سؤال وجيه جداً، حقيقة الأمر لا شك أن هناك فنانين لهم أعمال في هذه المرحلة، لكن وسائل النشر في التلفزيون والإذاعة لا تتبنى هذه الأعمال.. وهي موجودة، فكل فنان ومبدع لا بد أن يتفاعل مع كل المجريات، ويترجم هذا التفاعل إلى أعمال إبداعية، لكن يبدو أن الإعلام والثقافة غائبان عن هذه الأعمال، وهذا هو السبب.
لماذا اختفى الفنان علي الأسدي عن الساحة الفنية؟
لم أختف، وإنما الجواب موصول بالجواب السابق، حيث الإعلام ووسائل النشر غير متوفرة كما يجب، وأنا لم أختف، وآخر عمل لي هو (شيخ الطيور) الذي قدمه عبدالرحمن الأخفش ويوسف البدجي، أنا وزعته موسيقياً وقدمته وعالجته.
هناك شائعة قديمة أنك من ضايق الفنان أحمد فتحي.. هل هذا صحيح؟
هذا السؤال تردد عليَّ كثيراً. الأخ الزميل أحمد فتحي صديق عزيز، وليس هناك من هذا الكلام شيء إطلاقاً. حينما جاء إلى اليمن بعد تخرجه، ذهبت بنفسي لمتابعة وظيفته وحصلت له على إعفاء من الخدمة العسكرية من الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني رحمه الله. وعندما أصبتُ بجلطة ورقدت بالمستشفى اليمني الألماني، جاء لزيارتي، وكان عندي مجموعة من الأصدقاء تعجبوا، وعندما أسافر إلى القاهرة أزوره، ولا يوجد بيننا أي خلاف.
من هو الفنان الحقيقي؟
الفنان هو الذي يملك موهبة، وهو الذي يتواصل مع الناس ويتواصلون معه، وهناك فنانون يمكن أن يكونوا نفعيين فقط، ليسوا بالمعنى الحقيقي. الفنان هو الذي يعطي ما يساعد في الرقي بالذوق العام، والفن هو صقل الحياة، وخاصة فن الموسيقى الذي يعتبر ترجمة لمباهج الناس وهمومهم ومعاناتهم. والفن هو الذي يتفاعل معه الناس.
لنعد إلى الثمانينيات لتحدثنا عن أوبريت (هيا نغني للمواسم)..
رحم الله الشاعر والمبدع والعالم مطهر علي الإرياني، الذي وافته المنية قبل نصف شهر، هذا العمل كنت لا أزال طالباً في القاهرة، فوجدت ديواناً للأستاذ مطهر الإرياني بعنوان (فوق الجبل)، فأخذت منه القليل، وعندها لم أكن أعرف مطهر الإرياني، وهو كذلك لم يعرفني، وحينما أرسلنا له الشريط بمشروع الألحان، وكان في سوريا، أعجب به كثيراً، وسمح لي بأن أستكمل توزيعه. وحينما التقيت به كان في الكويت، وكان يبحث عني، وأنا كنت هناك في الأسبوع الثقافي الكويتي، وكان لقاءً حميماً فقال لي كنت أعتقد بأنك رجل كبير، وكان الأستاذ مطهر الإرياني طبعاً قصير القامة، فرددت عليه وأنا كذلك كنت أظن. حينها لم يكن العمل قد ظهر في التلفزيون. (هيا نغني للمواسم) ألحان فرضها عليَّ جمال الكلمات، والأستاذ مطهر بعلمه وغزارة إنتاجه وأدبه، تجده في هذا العمل كأنه ابن اليمن الفلاح، ولهذا الفنان علي الأسدي الفلاح تفاعل مع مطهر الإرياني الفلاح، وكنا دائماً نلتقي عند هم واحد بالنسبة للزراعة والفلاحة، فاليمن عمودها الاقتصادي هو الزراعة، كما قامت الحضارات الأولى على الزراعة.
من أخرج أوبريت (هيا نغني للمواسم)؟
الإخراج المسرحي هو للمخرج الفلسطيني الأستاذ حسين الأصمعي، والإخراج التلفزيوني هو للأستاذ علي المبنن، وكان لهما ملاحظات، ولكن الإنتاج كان مطلوباً في ذلك الوقت، فكان فيه جهد لا بأس به.
من هم الفنانون الذين شاركوا في (هيا نغني للمواسم)؟
الفنانة الرائعة مائسة أحمد التي قامت بدور البطولة، وهي صوت جميل، ولكنها اختفت لأسباب لا داعي لذكرها الآن. وأيضاً أختي شاركت في هذا العمل بدور ثانوي، وعدد من الفنانين، وكذلك الفنانة المرحومة مديحة الحيدري، ومجموعة من الفنانين الشباب المؤدين مثل عبداللطيف يعقوب وبليغ قصبة ومحمد الحاج وعبدالكريم نصاره رحمه الله. وأوبريت (هيا نغني للمواسم) ليس الوحيد، بل هناك أوبريت (سد وادي سبأ) لمطهر الإرياني، وأوبريت (وطن النهار) للأستاذ صالح السعيدي، أوبريتات كثيرة، لكنها مخفية في التلفزيون. أنا قدمت أكثر من ستة أوبريتات، وكلها من ألحاني، وهي أوبريتات وطنية، وكلها تتغنى بالأرض والإنسان اليمني.
هل غنيت للشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي؟
نعم غنيت له أغنية:
حبيبتي غداً سأشري لك القمر
ونجمة الضحى وباقة من الزهر
غداً عندما أعود من السفر
غداً عند يؤرق في ضلوعي الحجر
سأشتري لك القمر
وأغنية أخرى بعنوان (الدير البعيد)، وحينما زار البياتي صنعاء أهديته هاتين الأغنيتين.
من لفت انتباهك من الفنانين الجدد؟
استمعت إليهم جميعاً، وهناك أصوات واعدة لا أريد أن أذكرها بالاسم، ولكنني أقدم نصيحة للجميع: الفن الموسيقي ليس مجرد جلسات، يجب على الفنان أن يرتشف من معين الثقافة الموسيقية فالموسيقى إضافة إلى كونها فناً، فهي علم، لا بد أن يقرن الفن بالعلم ليكون هناك صقل للأعمال الإبداعية، فيجب على الفنان التطلع إلى التجديد.
بعد ثلاثة عقود ونيف في مسيرتك الفنية، ما خلاصة ما توصلت إليه؟
طيلة هذه السنوات الطويلة جعلتني ألتصق بفن الموسيقى، وأعرف مكنوناته، وأنا أعتبر الفن رسالة يؤديها الإنسان. وكما تلاحظ معظم أعمالي هي وطنية، وإذا لم تكن أعمالاً وطنية، فهي تنبع من الأرض اليمنية، مثل المواسم، وطن النهار، وسد وادي سبأ، وهذه كلها أعمال فنية كبيرة.
إذا غصنا في أعماق الفنان علي الأسدي، ماذا سنجد؟
ستجدون في أعماقي ما هو موجود في ملامحي وعلى لساني، لا أخفي شيئاً. أنا إنسان بسيط وطموحاتي بسيطة.
كيف تقيِّم واقع الفن اليمني في ظل هذا العدوان؟
الظروف التي نمر بها ظروف حرب، والناس يعانون معاناة صعبة، وهذا يترك أثراً سلبياً على الفنان، وهو أول من يتأثر، لأن الفنان حساس، وتذهب أفكاره بعيداً، ويؤدي إلى نوع من التقاعس أو الخروج عن مهام الفنان، حينما يكون الفنان خائفاً ومشغولاً بظروفه المعيشية، ماذا تتوقع أن يبدع، فمثلاً كنت منشغلاً بابنتي التي أصيبت بجلطتين نتيجة للقنبلة التي سقطت في عطان، مثل هذه المعاناة تجعل الفنان يلتفت إلى همومه.
ما هو الكنز الذي أعطتك إياه الحياة وتفخر به؟
كنزي الكبير هو أسرتي: أبي وأمي رحمهما الله، والآن لدي أسرتي الصغيرة التي هي امتداد لتلك الأسرة، ولا نزال أنا وأخي وإخواني نشكل هذه الأسرة. وهذا ما أفخر به.
ـ ماذا أضاف لك الفن؟
الفن أخذني من البنك المركزي إلى وزارة الإعلام والثقافة، أنا من مؤسسي البنك المركزي، وعملت فيه سبع سنوات، وكان عمري لا يتجاوز الرابعة عشرة، وعندما تأسست وزارة الإعلام والثقافة كان المسؤولون يبحثون عن موظفين، فوجدوني وأنا موسيقي متطلع، فأخذوني إلى وزارة الإعلام والثقافة، وكان الأستاذ يحيى العرشي آنذاك وزير الإعلام، والأخ حسن اللوزي كان وكيلاً، وقدمت استقالتي من البنك المركزي ودخلت وزارة الإعلام مديراً لمعهد الموسيقى، وتركت دراستي في كلية التجارة ودرست الموسيقى، ثم التحقت بجامعة عين شمس قسم اللغة الإنجليزية.
هل تقرأ صحيفة (لا)؟
في هذه الفترة كنت أعالج ابنتي في الأردن، وقرأت أحد أعدادها، وأتمنى لها التوفيق. وبلا شك سيكون لها مكانتها اللائقة.
كلمة أخيرة لجمهورك..
بصراحة وجدت في صفحتي على الفيسبوك كثيراً من المعجبين ورسائل جميلة، وأنا مدين لهؤلاء لأنهم يشكلون الدافع للاستمرار، وأشكرهم كثيراً، وأشكرك أيضاً.
المصدر صحيفة لا / حاوره/ عبدالرقيب المجيدي