بينما تشيع جنازات أبطالنا في مهرجانات زهو وفخر
قتلى المرتزقة يدفنون كالخطايا

عندما يبذل أي مواطن حياته، ويضحي بروحه في سبيل الدفاع عن وطنه، فهو شهيد يجعل من روحه ودمه شاهداً عن بطولات وتضحيات أبناء وطنه في معركة الدفاع عن الوطن وصد قوات الغزو والاحتلال، ويُسيل دماءه حبراً لتسطير تاريخ المقاومة الوطنية وتحرير الأرض اليمنية.
وخلف كل شهيد تكمن حكاية من المجد والعزة، ورصيد كبير من القيم والمبادئ والأخلاق العظيمة التي جسدها على أرض الواقع، وتجلت في واقع الحياة، والحديث عن الشهداء لا يفي بحقهم أبداً، فمهما تحدثنا عنهم لا نزال دون مستواهم ومكانتهم وعظمتهم، فالشهيد هو الإنسان الذي بلغ من الإيثار مكانة لا يُنازعه فيها أحد، حيث إنه يسخر روحه حاجز صد منيعاً للدفاع عن حياة الآخرين من أبناء وطنه، فاستشعاره بمسؤوليته جعله كالنحلة يتنقل بين الجبهات لمواجهة العدو.
إن مكانة الشهيد وعظمة دوره لا تقتصر على الصعيد الوطني، بل ينعكس ذلك على أسرته الصغيرة، فالشهادة نيشان عز ووسام فخر لكل أسرة قدمت شهيداً، وساهمت في المهمة الوطنية والدفاع عن الوطن، فنجد كثيراً من المواطنين يعتبرون من استشهد في جبهة الدفاع عن وطنه، بأنه جلب لأسرته شرفاً ومكانة عالية.  
وخلال مرحلة العدوان الغاشم على بلادنا لما يربو على عام ونصف، تكشفت معادن الناس، ووضع اليمنيون أمام اختبار وتمحيص حقيقي لإثبات صدق انتمائهم للتربة اليمنية، وبموجب ذلك الامتحان اجتازه كثيرون ونالوا مرتبة الشهيد المدافع عن وطنه، بينما خسر آخرون كل القيم والمبادئ، وصاروا في عداد قتلى مرتزقة العدوان السعودي الأمريكي. 
ولا يختلف الأمر كثيراً عن امتحانات الطلبة في المدارس، فالمتفوق يعود على أهله بالعزة والفخر، أما الفاشل فيلحق بأهله المذلة والخزي، فالذي يخرج من بيته للقتال مع عصابات المرتزقة ويقتل، لا يعود لأسرته إلا خبر مصرعه، ولا يتسنى لهم رؤية جثمانه، فضلاً عن ذلك فإنهم يُصدّرون في أوقات كثيرة لأهلهم المشاكل والخلافات، وهنا يذكر مصدر محلي - طلب عدم الإفصاح عن اسمه - أن اشتباكاً مسلحاً حدث بين أسرتين في محافظة ريمة، على خلفية أن أحداً من أبناء مديرية السلفية في محافظة ريمة يقاتل في صفوف مرتزقة العدوان في محافظة مأرب، قتل زميلاً له من المنطقة ذاتها، الأمر الذي أدى إلى نشوب خلافات وبوادر ثأر بين الأسرتين اللتين ينتمي إليهما القاتل والمقتول، انتهت بوساطة قبلية.
وأكد المصدر أن نشوب الثأر بين الأسرتين جاء بعد أن وصل لأسرة القتيل نبأ مقتل ولدها في مأرب، على يد رفيقه، وأنه يتعذر عليهم رؤيته، أو إيصاله للدفن في مسقط رأسه. اللافت في الأمر أنه بالإضافة إلى كونه سقط قتيلاً في صفوف المرتزقة التي تقوم بمهمة الدلال لاحتلال الوطن، وذلك يُعد خيانة للوطن، وخزياً يلحق بالأسرة على مر التاريخ، فقد استجلب لأسرته ثأراً بين أبناء العمومة.
فيما تحاول أسرة عبدالعزيز العزي النوني (22 عاماً) العثور على جثته، بعد أن لقي مصرعه في صفوف مرتزقة العدوان بجبهة نهم، وتواجههم قيادة المرتزقة بالاستهتار واللامبالاة، وهو أحد أبناء مديرية الحداء بمحافظة ذمار، أرغمه والده المنتمي لحزب الإصلاح، على الالتحاق بالمرتزقة، ليكون بذلك قد ذهب إلى المعركة برجليه، ولم يعد منها إلا نبأ مقتله. 
إن فقدان أحد أفراد الأسرة أمر محزن وباعث للاستياء، لكن الغاية التي من أجلها يُقتل الشخص هي التي تحدد الفرق، وتجعل أسر قتلى المرتزقة محرومين من وسام الشهادة في سبيل الدفاع عن الوطن، فبينما تحرص أسر شهداء الجيش واللجان الشعبية على أن يتم دفن أبنائهم الشهداء في المناطق التي ينتمون إليها، لأنهم يعتبرون ذلك القبر وصورة الشهيد أوسمة ونياشين تُعلق في صدورهم؛ تتم مواراة جثث قتلى المرتزقة خفية، وبعيداً عن أعين أسرهم وذويهم.
ويحظى شهداء الجيش واللجان الشعبية باهتمام كبير، فعن طريق فرق خاصة يتم إخلاء جثامين الشهداء، وأيضاً يتم سحب الجرحى من أرض المعركة، ونقلهم إلى أقرب مستشفى لتلقي العلاج، ومن ثم يُنقل الشهداء إلى مستشفى الكويت في العاصمة صنعاء، وفي غضون ذلك يقوم المشرف في أرض المعركة بالتواصل مع أهل الشهيد والمسؤول عن تجنيده، ليقوموا باستلامه من المستشفى، وتشييعه إلى مسقط رأسه.
لاشك أن أغلى ما يملكه الإنسان هو حياته، وهي التي لا يفرط فيها إلا إذا كانت ثمناً لما هو أعز عليه منها، وهذا ما يفعله الشهداء حين يقدمون أرواحهم رخيصة لأجل الوطن باعتباره أعظم وأغلى، ليقابل ذلك الدور العظيم للشهيد بالامتنان المجتمعي والعرفان بدوره وعظمة مكانته.
وتقوم مؤسسة الشهداء بتوفير الرعاية الصحية والتربوية والاجتماعية لأسر الشهداء، وتعمل بالتعاون مع الجهات الحكومية على تلبية احتياجات ومتطلبات ذوي الشهداء، ويقول حسين القاضي، مدير المؤسسة، إنها تهتم بالشهيد تشييعاً ودفناً ومواساةً لأسرته، وتوفر رعاية مستدامة لأسر الشهداء، ويختلف حجم الرعاية وجوانبها من أسرة إلى أخرى بحسب الظروف المعيشية لكل أسرة.
ويضيف القاضي أن المؤسسة تسعى مع الجهات الحكومية إلى صرف رواتب لأسر شهداء الوطن، ومعاملتهم أسوة بشهداء وزارتي الدفاع والداخلية، مؤكداً أن المؤسسة تعمل من أجل رعاية كاملة لأسر الشهداء، وذلك يعتبر أقل واجب نظراً لما قدمه الشهداء في الدفاع عن الوطن بأكمله.  
ومن جوانب الرعاية والاهتمام التي يحظى بها شهداء الوطن، تُطبع صورهم مع معلوماتهم، ويتم نشرها على نطاق واسع، كما تقوم قناة (المسيرة) بمرافقة موكب تشييع الشهداء وبثه تلفزيونياً، على العكس مما يلاقيه قتلى المرتزقة، فهم مجهولون خلال تجندهم في صفوف أعداء الوطن، وعند مقتلهم توارى جثثهم خفية عن أعين الناس، حيث إن الموت بجانب قوات الغزو والاحتلال جريمة تُحتم على مرتكبيها التواري من الناس. 
من جهته، يشكو عبدالملك الوشلي - شقيق الشهيد محمد الوشلي - غياب الرعاية والاهتمام بأسرة الشهيد، وعدم توفير الرعاية الصحية والاجتماعية لأبناء الشهيد، مضيفاً أن الشهيد كان جندياً في الأمن العام، ولم يتمكنوا من إعادة ملفه واستلام راتبه، لأنه قد تم إحلال بديل عنه. 
ويقول إن الشهيد محمد الوشلي التحق بصفوف الجيش واللجان الشعبية بدافع الإحساس بالواجب الوطني في الدفاع عن الوطن وصد قوات الغزو والاحتلال، معتبراً استشهاد أخيه مصدر عز وفخر للأسرة، وأنه لم يقدم روحه إلا لأجل الوطن، وذلك ما يجعل رأس أسرته مرفوعاً.
وتولي القيادة الثورية والجهات الحكومية اهتماماً بالغاً بالشهداء وأسرهم انطلاقاً من القيمة الغالية لدماء الشهداء الأبطال الذين ضحوا في مواجهة العدوان دفاعاً عن أمن ووحدة وسيادة الوطن، وقد خصصت أسبوع الشهيد كذكرى سنوية لتخليد شهداء الوطن في الذاكرة الوطنية الجمعية، ويتم خلاله زيارة أسر الشهداء وتسليمهم دروعاً رمزية تعبيراً عن عظمة الشهيد الذي قدم حياته فداء للوطن، ويعد الاهتمام والعناية بأسر الشهداء من أبرز مظاهر الاهتمام بالشهداء، كونها ضربت أروع أمثلة في التضحية والفداء والبذل بأنها قدمت فلذات أكبادها.