خلال فترة الحرب التي شنها آل سعود على اليمن، بمباركة دولية وإقليمية، وهي سابقة خطيرة على العقل العروبي، والشعوب بكل كياناتها، والتي نافحت من أجل الاستقلال والحرية على مدى عقود طويلة من القرن المنصرم.
 خلال هذة المرحلة التي تجازوت العام، أنتجت حركة الحوثيين والعديد من الشعراء مئات القصائد، والتي تم تحويل معظمها الى زوامل، وهي تحاكي واقعاً ومرحلة هامة، وقد أبدعوا أيما إبداع، هذا غير التواشيح، والأناشيد الثورية، والقصائد الشعبية التي لامست الواقع، وعبرت عن حال مؤلم، وصبر وعزم لم يمتلكه أي شعب.
يعد الزامل الشعبي جزءاً من حياة، وفناً من الفنون التي ارتبطت بالقبيلة، وشريحة واسعة من المجتمع، بلهجته الجميلة، وصوره ومفرداته ومضامينه المتماسكة، التي تفصح من حين لآخر عن الوجه الحقيقي للإنسان اليمني، وعلاقته بمحيطه، وهو فن يستحق التوقف أمامه لكونه امتداداً قبلياً قوياً.
وقد وصل فن الزامل ذروته خلال الحرب الدائرة منذ نهاية مارس من العام الماضي، وقد ساعد على نقل جهود الكتاب، والشعراء، والملحنين الى شريحة عريضة من الناس، تعدد وسائل الاتصالات وتحديداً الواتس آب، مما يجعل أي زامل جديد ينتشر كالنار في الهشيم لمجرد طرحه.
ما يميز الزامل لهجته القوية، ونبرته القريبة الى الشحن الثوري والبطولي، ومواكبته للأحداث اليومية العصيبة، وملامسته للجروح والمواجهات، وقراءته للمستقبل أيضاً، كما يأتي استمراره في إطار إيصال رسائل الى العدوان بأن الشعب اليمني حي، وأنه مستمر في نضاله، كما يكشف هشاشة هذه الأنظمة ومؤسساتها.
وإذا ما عدنا بالذاكرة الى بدايات تأسيس المعاهد العلمية، حتى مواجهة المد الشيوعي الماركسي من خلال الحرب التي دارت رحاها في أفغانستان، ثم حرب الإبادة ضد البوسنة والهرسك، مرورا بأحداث الشيشان، حتى عام الربيع العربي، وهذه الحركة عملت وتعمل على إنتاج عشرات الأناشيد (الإسلامية)، وجميعها إلا ما رحم ربي بألحان وإيقاعات مسروقة، واستمر هذا النهج حتى مجيء الربيع، مرورا برحيل الكثير منهم الى مملكة السوء، علماً أن كثيراً منهم كان ولا يزال يقدم فناً هابطاً أشبه بالتهريج لا أكثر.
ولعل معظم ما أنتج إبان ثورة 2011م حمل كلمات ولغة هابطة وألحان غالبيتها من التراث، الى جانب ما تم نهبه من التراث الفني عموماً، لذا فقد تضرر منهم وبصفة شخصية كل من: أيوب طارش حفظه الله، المرحوم علي الآنسي، السنيدار، علي السمة، فيصل علوي طيب الله ثراه، محمد سعد عبد الله، المرشدي، أبو بكر سالم، الحارثي، وأحمد فتحي، أضف الى ذلك أناشيد ثورية عربية تم تحريفها من زمن بعيد، على سبيل المثال لا الحصر: (لبيك إسلام البطولة كلنا نفدي الحمى، لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما، لبيك لبيك). ولا أدري عن أي حمى كانوا يتحدثون وهم يواجهون ويصادمون عبد الناصر ونظامه الذي كان يواجه إسرائيل، ويباركون ما كان يقوم به الكيان الصهيوني، وكانوا يتربصون طوال السنوات الماضية للانقضاض، ما يعني أن مشروعهم كان خارج الحمى، ولا علاقة له بالتراب والجغرافيا، إلا ما يتناسب مع المشروع الأيديولوجي، والتاريخ يعيد نفسه اليوم بصورة ربما أبشع من ذي قبل.
بالمختصر كل تراثنا العريض تعرض للنهب والسلخ والتشويه، على أيدي جزاري الإخوان المسلمين، وتحديداً فرع اليمن، كما تمت سرقة وتحريف قصائد لشعراء كبار.
علماً أنه كان لديهم فرق إنشادية رائعة، لها أصوات متميزة، من محافظات إب العدين، وريمة، وتعز، والحديدة، لكن تم تدجينها وقولبتها في إطار محدود، تلاشى إنتاجها أو بالأصح ظهر هشاً إن لم يكن لا يزال موجها لشريحة وقواعد محدودة.
الفن - أي فن - هو رسالة معنية بالجميع، ويحاكي شريحة واسعة، وليس مخصصاً، تأتي بعد ذلك الذائقة لتحدد مستواه، وقد تحدث ابن خلدون في مقدمته عن بداية سقوط المجتمعات، حيث ذكر أن السقوط يبدأ من انحدار الذائقة، وهو موضوع متشعب وواسع.
لقد برزت خلال العقدين الماضيين أصوات قفزت الى العالمية نظرا لجودة وحسن اختيار الكلمات، كان أبرز هذه الأصوات (سامي يوسف) و(ماهر زين) وغيرهما الكثير من الذين وصلت أعمالهم إلى العالمية بأقل مجهود، معتمدين على الكيف وليس على الكم.
لقد ظل الإخوان على مدار تطلعاتهم في العقود الماضية مشدودين الى مشروع أحادي، كان يسير على النقيض تماما إن لم يكن مصادما لكل نظام قائم، بدليل أنهم اشتغلوا على تحريف معظم الأناشيد الوطنية والقومية.
ليس عيباً أن يحمل اليمنيون أو أية جماعة أو كيان هموم غيرهم من شعوب العالم التي تتعرض للضيم من وقت لآخر، لكن المعيب أن يكون حمل هذا الهم بمقاييس لبيك إسلام البطولة الإخوانية، وهذا ما كان مع مشاريع إسلامية غير واضحة، كالصراع في أفغانستان، أو مع شعوب تعرضت للظلم مثل البوسنة والهرسك، والشيشان، وبقدر ما كانت هذه قضايا حقيقية، بقدر ما كانت تُستغل لتسويق مشاريع تخص الأقطاب حتى هبوط الربيع العربي على رؤوسنا. 
اليوم لم نسمع أنشودة واحدة ضد العدوان، باستثناء أنشودة للمهرج الأضرعي، يعري فيها الحوثيين على ما نقلوا، وهي تحمل ذات الهبوط الذي عهدناه في ساحة الجامعة، اليوم لم نسمع ولن نسمع، لأن الحزب المعني بإيقاد هذه الشعل، قد ذهب بكل قواعده الى الشكر والعرفان، ولم يرجع بعد.
هذا الحزب الذي ظل مشدوداً لفلسطين، وأفغانستان، والشيشان، والبوسنة والهرسك، ودروب الشيخ عثمان أيام حرب 94م، لم يقل خيراً اليوم، والمصيبة أنه لم يصمت.
جماعة  الإخوان جماعة مزيفة، وحركة ظلت طوال عمرها محل ريبة، كانت تحتفي بصعود وهبوط الأنظمة، بانتظار القفز، ومع ذلك فإنها لم تصل، وحين وصلت كانت حمالة أوجه وساذجة الى درجة أنها احترقت، وتآكلت من الداخل كما تفعل أرضة بخشبة مهجورة.
 لم تكتفِ بنهب وتدمير التراث، ومحاربة كل ثقافة مرتبطة بالماضي الجميل، بل تجاوزت كل ذلك الى بيع الوطن، وأي بيع، لكن ذلك لم يكن مفاجئا للكثير بقدر ما تفاجؤوا بسوق البورصة الذي فتح على مصراعيه، والذي تنازل خلاله اليسار بين ليلة وضحاها، وهبوا هبة رجل واحد للارتماء بين يدي العجل (محمد بن سلمان).
أعود فأقول بأن الزامل فن واقعي، يحمل الكثير من الدلالات، والصور، وهو يستحق البحث فيه والعناء، لأنه فن يمني خالص، ارتبط بالقبيلة، وتركيبتها الاجتماعية العميقة، كما أنه - وهو الأهم - يعالج الكثير من المشكلات الأسرية، والقبلية، وهو تعبير صادق عن حقائق وشواهد يومية.