في سابقة لم يشهد لها التاريخ في العصر الحديث مثيلاً، كانت المستشفيات والمرافق الصحية في اليمن هدفاً مباشراً لقصف العدوان السعودي الغاشم.. وأمام عدسات العالم وضميره الميت سريرياً.. تقوم طائرات العدوان وبطريقة ممنهجة بتدمير مقومات المنظومة الصحية من مستشفيات ومراكز ومستوصفات ووحدات صحية إسعافية ومخازن أدوية ومكاتب صحة.. دون أن يحرك العالم ساكناً.
يتابع طيران العدوان السعودي الأمريكي بشكل يومي ارتكابه المجازر بحق الشعب اليمني، وحتى المستشفيات لم يتركها، حيث استهدف في أغسطس الماضي مستشفى تعمل فيه منظمة أطباء بلا حدود في مدينة عبس بمحافظة حجة، راح ضحيته العشرات بين شهيد وجريح، بينهم أطفال وأطباء, كما يقوم بضربات أخرى ضد المسعفين بهدف إعاقة تقديم الإسعافات الأولية للجرحى، ويستهدف الطرق والمدارس ومراكز الإيواء، ودمر نحو 258 مرفقاً صحياً ومستشفى.

المستشفيات هدف للعدوان
لم يكن القطاع الصحي الحكومي وحده في مرمى طائرات العدوان الغاشم على اليمن، بل طال القطاع الخاص والقطاعات الإنسانية كمستشفيات الإغاثة في صعدة وغيرها من المحافظات أو المستشفيات الخاصة في صنعاء وغيرها.. ناهيك عن المنشآت الصحية الخاصة الكبيرة والمتوسطة والصغيرة.. ويمثل الوضع الصحي في المستشفيات الخاصة والعامة على حد سواء, كارثة حقيقية في البلد، حيث أصبح هناك فئات أخرى وهم الجرحى والمعاقون يحتاجون الى رعاية جادة وحقيقية لتخفيف نسبة الضرر التي قد حلت بهم بسبب العدوان.. ومنذ أن بدأت (غارات التحالف) على اليمن في شهر مارس عام 2015، دفع المدنيون ثمناً باهظاً، حيث ارتفعت حصيلة ضحايا العدوان السعودي إلى 9755 شهيداً، بينهم 2260 طفلاً وطفلة من المدنيين، فيما ارتفعت حصيلة الجرحى إلى 17.256 جريحاً.
ويضاعف تواصل طيران العدوان السعودي على اليمن، استهدافه المستشفيات اليمنية الحكومية والخاصة, من معاناة الشعب اليمني جراء الحرب التي تشنها عليه دول التحالف بقيادة السعودية، ولم تعد المستشفيات مكاناً آمناً بعد استهداف الغارات عدداً منها بشكل مباشر وغير مباشر، حيث قرر المئات من الكوادر الطبية ترك أعمالهم والنزوح نحو أماكن أكثر أمناً.
وما يزيد من معاناة المصابين هو فقد الإمكانات الطبية، حيث باتت المستشفيات عاجزة عن إنقاذ أرواح مئات الضحايا في ظل الأعداد الكبيرة المتوافده إليها من القتلى والمصابين جراء غارات العدوان والمعارك المستمرة التي تشهدها عدد من المدن في مواجهة مرتزقة العدوان، فضلاً عن الحظر الجوي السعودي الذي يمنع دخول المساعدات الطبية والدواء، ويحول دون نقل الضحايا من ذوي الإصابات الحرجة لتلقي العلاج في الخارج، وإدخال المساعدات الطبية الى البلاد.
وطبقاً لتقرير المركز القانوني، فقد بلغ إجمالي المرافق الصحية بشكل عام التي تم تدميرها فقط خلال عام و8 أشهر من العدوان، 249 مرفقاً، منها مراكز للطوارئ ومختبرات مركزية ومراكز نقل دم ومراكز للغسيل ومراكز رعاية ومخازن تموين دوائي، بالإضافة إلى استهداف عشرات من سيارات الإسعاف، وكان أبشعها استهداف سيارات الإسعاف بمحافظة صعدة، والتي تم توثيقها بكاميرا أحد الإعلاميين، واستشهد خلالها عدد من المسعفين والكادر الطبي.
وفي السياق ذاته، تشير وزارة الصحة الى تفشي وانتشار أمراض وأوبئة أخرى خطيرة بسبب المواد الإشعاعية التي تلقي بها مقاتلات التحالف السعودي الأمريكي على مناطق واسعة من الأراضي اليمنية, كما باتت المنظومة الصحية في كل محافظات الجمهورية خارج إطار الخدمة، مشلولة، ممزقة الأوصال، بفضل صواريخ طائرات العدوان، مما أدى إلى نزوح المئات من أفراد الكادر الطبي بسبب الغارات, وما تبقى من المنظومة الصحية يواجه الحصار الجائر اللاأخلاقي من منع لدخول الأدوية الضرورية والمنقذة للحياة.
قواعد أخرى للاشتباك
تتعرض المناطق بشكل يومي لشتى أنواع القصف الجوي منها والأرضي، وبعد كل قصف يخرج المدنيون مسرعين من أماكن تواجدهم فراراً بأرواحهم، لكن هنالك أشخاصاً بإمكانياتهم البسيطة يسارعون إلى أماكن الاستهداف في عمل يعد الأسمى حرصاً منهم على أرواح المصابين، حيث يقومون بعمليات إجلائهم وإنقاذ حياتهم.
وتكون فرق الإجلاء والإنقاذ دائماً في المقدمة، تعمل بشكل جاد ومنظم على إسعاف المصابين وإنقاذ ضحايا القصف ونقلهم إلى المستشفيات الميدانية القريبة من مكان الاستهداف.. في الرابع من سبتمبر الماضي, نفذ الجيش اليمني واللجان الشعبية هجوماً على أحد المواقع شرق مدينة ميدي، ليظهر من خلال هذا المشهد عنوان يحمل في طياته المدى الإخلاقي والإنساني للمقاتل اليمني من خلال قيام أحد أبطال الجيش اليمني واللجان الشعبية بحمل أحد مرتزقة العدوان السعودي لإسعافه.. في المقابل كانت ولازالت المشاهد الوحشية من سحل الجثث وقطع الرؤوس وقتل الأسرى، هي السمة البالغة التي تفرد بها الطرف المعتدي على اليمن كهوية وعقيدة متوغلة بنفسيتهم القذرة.
لم تكن مهام مقاتلي الجيش اليمني واللجان محصورة بالدفاع ضمن النسق الأول أو الهجوم إلى الأماكن الأبعد, بقدر ما تمثلت مهمتهم بالإنقاذ والإجلاء للمواطنين، كما ركزت الكوادر الطبية في مواقع إسعاف الوحدات وفي مراكز جمع الخسائر وفي وحدات الميدان الطبية وفي مستشفيات الميدان المتقدمة وفي مستشفيات المواقع العسكرية في المحافظات وفي المستشفيات، جُلّ اهتمامها من أجل إسعاف وإجلاء الجرحى من الوحدات المقاتلة في أقصى الأمام تحت ظروف القصف المعادي الشديد، وإجراء العمليات المستعجلة من أجل إنقاذ حياة المقاتلين، وقد برع الأطباء الأخصائيون في إجراء أعقد العمليات الجراحية خطورةً لأجل إنقاذ الجرحى القادمين من خطوط المواجهات.

تجربة فريدة في الإسعاف
عندما تخرج من تحت الأنقاض إنساناً حياً، فحتماً ستنال الطاقة كي تستطيع البقاء لألف عام حياً.. ففي اليمن وأثناء الحرب تم تشكيل كثير من المؤسسات والفرق لخدمة الإنسان, يقوم الناشطون فيها بأعمال صعبة ومسؤولة. واستمر اليمنيون ورغم الظروف الصعبة في إنشاء منظمات إدارة محلية استمرت بالنمو وازدادت قوة.. كذلك الحال بالنسبة لعمل الدفاع المدني والإغاثي, ومع بداية العدوان السعودي الأمريكي, تميزت الجهود الشعبية الإنقاذية بعمل جبار، خاصة وأنهم يقومون بأصعب المهام وأخطرها, ويحاولون أن يكونوا أول من يصل لموقع الأحداث, حيث يقومون بانتشال الموتى وإخراج الجرحى من تحت الحطام، ويقدمون لهم الإسعافات الأولية، وينقلونهم الى المشافي, كذلك يقدمون الخدمات الوقائية، مما يساعد الناس على النجاة تحت الضربات المتجددة للطيران المعادي, وفوق كل هذا يقومون بمهمات إنسانية واجتماعية عديدة, فقد قامت السعودية بمساعدة أمريكا وإسرائيل وبريطانيا باستخدام أسوأ وأقسى وسائل الحرب الهجينة المتكاملة.. وبات من المهم جداً دراسة التجربة اليمنية والاستفادة من خبرة المقاومة الشعبية لهذا العدوان القاتل والأعمال التطوعية والخدمية تحت القصف والموت والمعاناة, وكيف استطاع الناس هنا الانتصار على هذا، والعيش بعزة رغم كل الصعاب.

 الإسعاف والإخلاء
يقوم نخبة من أعضاء قوات الإنقاذ العسكري بأداء مهمة واحدة تتمثل في إنقاذ قواتها أو قوات حليفة لها من خطر جسيم سواء كانت أهدافهم منهزمة أو معزولة وراء خطوط العدو أو مُحاطة بالعدو أو مشتبكة معه أو أصيبت من جرائه أو تحت قيد أَسْرِه، وتقوم قوات الإنقاذ بفعل كل ما يلزم لإنقاذ من هم في خطر.. وفي جبهات القتال يتم التركيز كثيراً على بدء العلاج مبكرًا في موقع الإصابة، وتحسين سرعة نقل الجرحى, ويتيح تقديم الرعاية الصحية في ميدان القتال إمكانية الوقاية من تدهور الحالة الصحية، وإجراء العمليات الجراحية، واستقرار الحالة الصحية للمصابين في جبهة القتال, وتُستخدم الجداول الزمنية لنقل الجرحى من أجل بدء العلاج في غضون 10 دقائق، وتقديم الرعاية الطبية اللازمة لكل جندي مصاب في غضون ساعة.. هذا هو ما يعرف به الإسعاف والإخلاء وفق المفهوم العسكري.. وعلى المستوى المدني، الإخلاء هو نقل الأشخاص من منطقة خطرة إلى منطقة آمنة والإخلاء قد يكون جماعياً، وقد يكون لفئة معينة أو لمنطقة محددة دون غيرها.. ويعتبر الإخلاء من أهم العوامل والأسباب لتلافي أخطار الكوارث الطبيعية أو الصناعية أو الحربية وقد زادت أهميته للأسباب الآتية: المحافظة على أرواح الناس والمحافظة على الأموال والممتلكات.
ويتنوع ما بين: إخلاء إجباري قبل الكارثة، ويتم هذا النوع عند توقع خطر معين في مكان محدد، ويتم نقل الأشخاص إلى أماكن بعيدة وآمنة, وإخلاء أثناء الكارثة وبعد حدوثها، ويتم إخلاء المتضررين من مسرح الكارثة إلى مناطق أخرى بعيدة عن مصادر الخطر.
وإخلاء اختياري، ويتم هذا النوع عند توقع خطر بحيث يقوم بعض المواطنين بالانتقال من مكان الخطر إلى أماكن أخرى دون توجيه من السلطات المختصة، ويكون غالبًا قبل وقوع الخطر، وهذا النوع من الإخلاء ينطوي على خطورة أيضًا كعدم معرفة الطرق والأماكن الآمنة.
في بداية الحرب العالمية الأولى، كانت وظيفة مجال الطب العسكري مقتصرة على إقامة المستشفيات الميدانية ومراكز إخلاء الضحايا خلف خطوط القتال، بالإضافة إلى توفير خطوط لنقل الجرحى بعيدًا عن جبهة القتال. كان واضحًا للجميع ضرورة نقل المرضى إلى المستشفيات في أسرع وقت ممكن مع ضرورة بدء العلاج قبل وصولهم. 
مع اختراع الإسعاف الميداني لنقل الجرحى بعيدًا عن ساحات القتال خلال الحروب النابليونية في مطلع القرن التاسع عشر، بدأ تقديم العلاج على خطوط جبهات القتال. وشهد هذا المجال تحسنًا خلال الحرب العالمية الأولى من خلال البدء في توفير الرعاية الطبية في المستشفيات، وإجراء تجارب على نقل الدم، وتطوير نظام لإخلاء المرضى.. ومنذ الحرب العالمية الأولى، حدث تحول في مفهوم الحياة والصحة من الاهتمام الجماعي إلى اهتمام يركز بصورة أكبر على الفرد. وانعكس ذلك أيضًا على توقعات القوات المنتشرة بالنسبة لجميع المجالات العسكرية، ومن بينها مجال الطب العسكري. 

الطب العسكري.. وظيفة مجتمعية
لم يعد الطب العسكري في وقتنا الراهن وظيفة لوجستية (لنقل الجرحى)، بل أصبح وظيفة مجتمعية، تعكس هذه التطورات. على مدى الـ30 عامًا الماضية بصفةٍ خاصة، أصبح مجال الرعاية الصحية (بما في ذلك في المجال العسكري) يلعب دورًا مهمًا في المجتمع، حيث يوفر عددًا كبيرًا من الوظائف، ويلعب دورًا اقتصاديًا أساسيًا. 
كما أنه عامل مؤثر في تغيير الاستراتيجيات: إذ يشعر موفرو الرعاية الصحية من الجيش، والمنظمات الدولية، والمنظمات غير الحكومية، بالقلق من إمكانية استهدافهم كذلك في كثير من الأحيان من جانب القوات المعادية. لقد أصبحت الرعاية الصحية عنصرًا تشغيليًا واستراتيجيًا مؤثرًا. 
وهناك تغير كبير آخر يكمن في أنه بينما كانت الرعاية الصحية تمثل وظيفة وطنية خالصة أثناء الحرب العالمية الأولى، فقد أصبحت الرعاية الصحية العسكرية اليوم وظيفة متعددة الجنسيات إلى حد بعيد.
إن دور المسعف مشابه نوعاً ما لدور موظفي الرعاية الصحية، وخاصةً تقنية طب الطوارئ، ولكن دور المسعف كثيراً ما يكون أعلى دوراً وأكثر مسؤولية. تختلف مجالات الوظيفة بشكل واسع على مستوى العالم. 
تطورت الرعاية الإسعافية من خلال ارتباطها المستمر بالقطاع العسكري. إحدى الدلائل الأولى التي تُشير إلى وجود عمليات رسمية لإدارة الجرحى، جاءت من فيالق الإمبراطورية الرومانية, فعند تقدم أعمار القادة الرومانيين (السينتوريين)، وعدم قدرتهم على القتال، كانت تُعطى لهم مهام تنظيم نقل الجرحى من ساحة المعركة، وتوفير شكل من أشكال الرعاية للمصابين. وعلى الرغم من أنهم لم يكونوا أطباء إلا أنهم كانوا من أقدم الجراحين المفترضين في العالم، فقد كان يُطلب منهم أن يخيطوا الجروح، وأن يجروا عمليات البتر الكامل. توجد أيضًا حالة مماثلة من الحروب الصليبية على دولة الإسلام مع فرسان الإسبتارية (أو الهوسبتاليين، أي جنود المستشفى) المعروفة بجماعة القديس يوحنا المقدسي.. قبل الحرب العالمية الأولى طُورت الخدمات الإسعافية من خلال تزويد عربات الإسعاف بمحركات، ما أثبت فعاليتها في أرض المعركة، وأدى إلى انتشار الفكرة بسرعة لتصل إلى الأنظمة المدنية. وبذلك أدت القوات العسكرية مجدداً إلى تطوير مهارات متقدمة للإسعاف.

نظرية حرب المغاوير
وخلال الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية، كان المسعفون العسكريون يحقنون مسكنات الألم المخدرة في الحالات الطارئة، أما الصيادلة المتواجدون على السفن الحربية فقد سُمح لهم بالقيام بالإجراءات الطبية دون الرجوع إلى الطبيب، وكان يُسمح لهم بعمل أكثر من ذلك بدون إشراف الطبيب. وشهدت الحرب الكورية أيضاً أول استخدام واسع النطاق للمروحيات لإخلاء الجرحى من الجبهة إلى الوحدات الطبية، مما أدى إلى ظهور مصطلح (الإخلاء الطبي)، ولكن مع الأسف لم تجد هذه الابتكارات طريقها إلى الحياة المدنية لما يقارب 20 عاماً بعدها.
وأمام هذا التطور الملموس في العملية الإنقاذية والإخلائية، تبرز نظرية مهمة مصاحبة للمعركة.. هذه العملية العلمية الحربية يبرزها هنا القائد الثوري العالمي (أرنستو تشي جيفارا) في كتابه (حرب المغاوير) الذي أصدره عقب الثورة الكوبية، حيث يقول أيقونة الثورة العالمية: (إن إحدى المسائل الخطيرة التي تواجه الغوارة هي افتقارها إلى ما تدفع به كل الطوارئ التي تنشأ إبان وجودها، ولا سيما الجروح والأمراض، وما أكثرها في حرب المغاوير.
فالمسعف يؤدي وظيفة بالغة الأهمية، فهو لا ينقذ الأرواح وحسب، بل يضطلع أيضاً باستنهاض معنويات الجريح، ويشعره أن بجانبه من يعنى بتخفيف آلامه والسهر عليه حتى زوال الخطر.. يجب أن يندمج الطبيب تماماً بالمثل العليا للثورة، في هذه المرحلة.. إنه رجل في عدادهم، يؤدي كافة وظائف المغاوير الأخرى، بما فيها وظيفة المقاتل. وهو أحب الرجال إلى الفرقة.
ففي قتال يقوم فيه 100 رجل في جانب و10 في الجانب الآخر، لا يمكن أن تتعادل الخسائر.. فخسائر العدو قابلة التعويض في كل لحظة, أما خسائر الغوارة فإن تعويضها يستلزم وقتاً أطول، لأن المغوار جندي ذو تخصص عالٍ، وخسارته تعادل 21% من مجموع العدد.. ولا يُترك جندي ميت من الغوارة أبداً طريحاً بسلاحه وذخيرته، وما أثمنهما في النضال.
إن واجب كل مغوار، عندما يصرع أحد رفاقه، هو أن يستعيد السلاح والذخيرة. فالعناية التي تبذل للذخيرة، والمداراة التي تحاط بها، هما بالضبط مميز آخر لحرب المغاوير).