مثلما تورق الكروم وتزهر في الروابي؛ تورق أغنياته فينا وتخضرُّ حباً، وتزهر عشقاً.
ومثلما تتبرعم عناقيدها في قلوب محبيه وتثمر، تتعنقد فينا إبداعاته الفنية أشواقاً ومحبة.. حنيناً ولقاءً.. أنيناً وصفاءً.. ترانيم وجد، وألحاناً آسرة.
تغسل الأرواح، وتنقي القلوب، وتشفي أوجاعها.
تشجي النفوس الحائرة، وتطهر أحزانها.
مع كل نغمة حب، هفت أرواحنا، سفراً ورحيلاً، وفي كل ترنيمة شجن، هامت قلوبنا فرحاً وحزناً، تحملها تقاسيم لحونه الماطرة، نحو مدارب فيوضها، حين يشدو بجمال الكلمة وعذوبتها، ويزيدها عذب صوته الآسر رقة وانسياباً، وتمنحها رخامته رونقاً وبهاءً، ليسافر بنا نحو فضاءات الكلمة وعوالم رحابه، وصلاً وانكساراً، بوحاً وجرحاً، بلسماً وهياماً، تباريح عشق، وتسابيح محبة..!
في الجزء الثاني من أسفار أيوب الجميلة، تواصل (لا) نشر تفاصيل محطات هذه الأسفار وبدايتها تعز.

وفي (ما أحلى هواك) تهجينا مع أيوب طارش أبجديات الحب من جديد، وتعلمها معنا جيل آخر:
(ما أحلى هواك لكن حولك أشواك 
سواك نَكّاني بها ونكاك 
جُرحت لكن ما أزال أهواك 
والحب عافى جرحتى وعافاك 
خلِّ الندى فوقك عليك يهمي 
واترك همومك لي فأنت همي 
شاشل غُرمك في الهوى وغُرمي
قسمك حناني والجراح قسمي 
هذا عطا قلبي قَسَمْ وأعطاك 
ما أنتاش ملومي انت أو خصيمي
كيف أحسبك أو أكتبك غريمي
وأنت زرع الحب في صميمي
أزهرت واعشوشبت في هثيمي
وأنت من بين الظبا ريمي
أتأملك بين الظبا وأرعاك
يا أنت يا من أنت لا أُسَمِّي
يا صدق حبي لا سراب وهمي
ويا خليطي في دمي ولحمي
أغويتني حتى حروف اسمي
ما تَكْتَتبْش إلا إذا تهجَّاك)
وفي (ما هلنيش) تعايشنا بصوت أيوب مع عذاباته:
(ما هلنيش بين الهنا والأفراح
أين السلا مني ومن زمن راح
وأين الحلى والروح كلّه أجراح
ما هلنيش
لا تسأليني يا حمام أيني
ما فيش طريق بين الفرح وبيني
ما دام حبيبي مش قبال عيني
ما هلنيش 
حبايبي ارتاحوا وعذبوني
ووسَّعوا جرحي ونكأوني
وباعدوا عني وباعدوني
ببعدهم عن الهنا والأفراح
لمن تضوي يا صباح بالنور
لمن تغني يا حمائم الدور
لمن لمن نسيماتي يا حور
وتقطفين زهر الخزام ممطور
وانا من الدنيا قُلَيْبي مهجور
ما هلنيش 
يا صوت أوتاري ويا لحوني
كُفي كفى ما كان في شجوني
كفّي رشاش الدمع من عيوني
لا تذكري من ليس يذكروني
وإن ساءلوا عنّي ودوروني 
ما هلنيش 
يا من جفوا قلبي وسيّبوني
وأحرقوا ليلي وسهّدوني
لا تأخذوا عقلي إلى جنوني
أنسى الجوى منامها جفوني
تصدقوا بالنوم وارحموني
ما هلنيش)
ليكلل هذا الحب وهذا العشق والحنين برائعته الخالدة (يا من رحلت إلى بعيد)، ففي هذه  الأغنية، وجد حزن أيوب في آخر أوراق صديقه وآخر مسارات حبه منذ بداياته وحتى نهايته، كنبوءات باقتراب الأجل، سكب فيها توأم روحه آخر أنفاسه وخاتمة نبضات قلبه كشاعر أحب واكتوى بالحب، وتعايش مع جمال عذاباته كشاعر شرقي وجواد عربي أصيل بلي بالحب ووجد فيه سعادته حتى أنفاسه الأخيرة، وبه سعد وأسعد قلوب الملايين غيره. فكان هذا هو أيوب.  
(يا من رحلت إلى بعيد
قَصِّر مسافات البعيد 
لا تدخل النسيان أو ما فيه 
من صمتٍ وبيد
فلربما عاد الهوى
وأعادك الله المعيد
كم كنت لَمَّيْتَكْ لموم 
الريش في العصف الشديد
وخبأت حبك بين نبضي
في تعاريج الوريد
فأبيت إلا أن تعود 
إلى ضياعك من جديد
ما قيمة الأيام بعد هواك
تنقص أو تزيد
فلقد أردتُ وكنت لي
في العمر آخر ما أريد
يا آخر الألحان في وتري
وخاتمة النشيد
يا آخر الأشواق في سهري
وفي قلبي العميد
يا آخر الأوراق في زهري
تساقط في الجليد
يا آخر الإشراق في عمري
وآخر وجه عيد)
وفي أواخر النصف الأول من الألفية الجديدة، يفاجئ أيوب الجميع بعتاب هذا الراحل المحب  ولوم الآخرين له في (من يوم عشقنا)..
(قولوا لأهل امعتب وملامة
لمه لمه ملامهم إلى مه
من يوم عشقنا قامت أمقيامة
وقربوا لنا امصراط ومنار
ولو كف هذا القلب عن غرامه
ما عاش غير امحزن ومندامه
ولا هني صحوه ولا منامه
ولا سجع مغني وحرك أوتار
كل امغنى وامفل من تهامة
وسجعة امقمري ومحمامة
وخضرة امريحان والتمامة
وكل ما في امروض من خزامة
لكل حالي زينة زمامه
لمن يجي مثل امعسل كلامه
من لبسات امحسن وامزخامة
كأنما تلبسين الأقمار
بكل حفظ الله وامسلامة
وكل قطر امغيث في امغمامة
وابن امعجيل يبخدش بمكرامة
لمن مشى في امهوى هيامه
مشوار خلف امحب بعد مشوار)
يقول أيوب: كانت هذه الأغنية من القصائد التي احتفظت بها، والتي كتبها الراحل الفضول على غرار شعراء اللهجة التهامية الذين غنيت لهم قصائد كأغنية (واطائر امغرب) للشاعر الكبير علي عبدالرحمن جحاف، وكان الشاعر الفضول من أشد المعجبين بها؛ إلا أن ظروفاً حالت دون أن تخرج أغنية الفضول في حينها، وعندما سنحت لي الفرصة قدمتها للجمهور الذي أحب هذا اللون الجميل، ووفاء للشاعر الفضول، ورغم أنها كانت تجربة للشاعر في كتابة هذا اللون، إلا أنه استطاع كشاعر متمكن أن يجعل من مفرداته الشعرية بمستوى جمال وروعة هذه اللهجة التهامية ولونها الفني البديع.
ويلاحظ أن أيوب الذي أثرى بألحانه الأغنية اليمنية بشتى ألوانها وفلكورها الغنائي؛ يعد أجمل من غنى هذا اللون الغنائي التهامي، وأبدع فيه، وفي أغنية (من يوم عشقنا) تجلت ملكته وقدرته الفنية في صياغة لحنها الجميل أولاً، وفي طريقة أدائها بصوته الجميل رغم تقدمه في العمر  وفارق السنوات بين تقديمه لأغنية (وازخم) للشاعر عثمان أبو ماهر، كأول تجربة فنية له مع هذا اللون، أو حتى في أغنية (كاذي شباط) للشاعر جحاف، حيث نجده مازال محتفظاً بنقاء   صوته الجميل وببهائه وجمال عذوبته في تقديمه لأغنية الفضول التي تعتبر إضافة جديدة للتجربة الفريدة وريادته الفنية ليس مع هذا اللون الغنائي الجميل فقط، بل وفي ألوان فنية أخرى أسهم بفعالية وبكل جدارة واستحقاق في تطويرها والتجديد فيها.
ومن ضمن هذه التجارب تجربته الفنية إن لم نقل ريادته الفنية الفريدة، مع الشاعر الفضول أو مع غيره، والتي تمثلت في أغاني أفراح الزفاف.
يقول أيوب: غنيت للفضول 3 أغاني زفة هي (رشوا عطور الكاذية)، (واصبايا واملاح) و(هنوا لقلبي عند قلبي ضيوف).. ففي أحد الأيام كان حديثنا يدور حول هذا الأغاني، فقال الفضول لماذا لايكون لنا مثل هذه الأغاني، فأعطيته بيتاً شعرياً كان لدي بداية لحنية له، وطلبت منه أن يكتب على وزنه قصيدة غنائية فرائحية لما يسمى لدينا زفة العريس أو العروس، فكتب الفضول أغنية (رشوا عطور الكاذية).. أما أغنية (واصبايا واملاح) التي تقول كلماتها: 
(واصبايا واملاح هيا أقطفين لي مشاقر
وارصفين لي الورود الحمر وسط المزاهر
واطرحين الكواذي البيض بين المباخر
لحبيبي هو حبيب القلب أول وآخر
واعملين لي كبوش الفل مفرش منقش
بالعطور بالندى مبلول مسقى مرشرش
فرحتي فرحة الطائر رأى الفجر غبش
ضيف قلبي أتى عندي مُقيل وسامر
صوت قلبي يغني لي اسمعين صوت قلبي
والمغاني الملاح يأتين من أجل حبي
والحبيب تحت ضوء الحسن منصت بجنبي
سحر عينيه واصبايا قد غلب ألف ساحر
يا قمر يا نجوم يا شمس بالله غيبي
لفلفي ضوئك من الدنيا ويكفي حبيبي
ليت كل القلوب يا ناس كانت قلوبي
ربما يوسعين حبي فهو بحر زاخر)
فهي من الأغاني التي كتبها الفضول قبل زفافه الأخير، إلا أن أغنية (هنوا لقلبي عند قلبي ضيوف) هي التي كتبها الفضول بشكل خاص من أجل زفافه، وطلب مني أن أغنيها في هذا المناسبة.. ثم يعلق ضاحكاً: بل كان ـ رحمه الله ـ كلما نلتقي يطلب مني أن أغنيها له، فيتفاعل معها بكل ولهٍ؛ لما لهذه الأغنية من شجن وذكريات جميلة ليس للفضول وحده، بل ولكل المحبين).
هنوا لقلبي عند قلبي ضيوف
وصفقوا حتى تدموا الكفوف
وباركوا حبي وقوموا وقوف
هنوا لقلبي عند قلبي ضيوف
دمى فؤادي وأحلامي بكت والمنى
هامت وما لاقيت قلباً رؤوف
وعشت أيام كنت أطمع بقطر الندى
على ظمأ قلب المحب الشغوف
وكان تبخل بها الدنيا ولكن أتت
أقدار أسقتني الأماني غروف
حبيبي أشهى من لذيذ المنى
روحه وأصفى من شعاع السيوف
أحلام قلبينا وأشواقنا
صفوف من حولي تعانق صفوف
جاءت معه ضيفان تفرح لنا
وتملأ الدنيا بأحلى الزفوف
في هيبة الملك ملك الحُسن يمشي على
عمري وأيامي حيارى تشوف
يتفرجين كيف صنع الله كيف الهوى
يعطي النفوس المحبة من جماله صنوف
كعبه من الحسن قلبي كم إليها هفا
كم حجَّها كم عاش فيها يطوف
وشمس قد هندست روحي لها
أبراج لا يأتي عليها كسوف
أضواؤها ملء آفاقي كأن الضحى
ملكي ألفُّه وسط روحي لفوف