معطيات كثيرة لم تختلف عن سابقاتها توحي أن اليمن على عتبة مفاوضات سياسية جديدة يجري التحضير لها برغبة من دول تحالف العدوان الأمريكي السعودي للأسباب ذاتها التي دعتها لإقامة 3 جولات منها دون تحقيق تقدمات من شأنها إيقاف العدوان ورفع الحصار، لعل أبرزها تألمها من ضربات الصمود الأسطوري للشعب التي تتلقاها عبر الجيش واللجان، خصوصاً السعودية داخل عمقها، وكذلك وجود مخطط شيطاني جديد لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه عسكرياً.
غير أن الجديد في هذه المفاوضات حال أقيمت، سيتمثل في المساحة التي أفضتها أمريكا ووكلاؤها في الشرق الأوسط (السعودية ـ الإمارات) لروسيا، وربما للصين أيضاً، لإنشاء آليتها، والتي لا يتوقع الكثير من المراقبين أن تضع غير مصلحتها في سلم أولويات الإنشاء، أما نتائجها فمن المحتمل جداً ألا تخفف معاناة المواطنين من القصف والحصار، هذا إذا لم تزدها، والمؤكد أنها لن تدعم تحرر اليمن من الوصاية والهيمنة، كون أمريكا وإسرائيل لن تسمحا بذلك.
البحث عن مسعف جديد  
إن بحث السعودية والإمارات عن سيارة إسعاف جديدة تنتقل على متنها إلى مستشفى المفاوضات ريثما تهدأ آلام الجروح التي أثخن أبطال الجيش واللجان الشعبية جسدهما بها في كافة ميادين القتال، خصوصاً جبهات ما وراء الحدود (جيزان، نجران وعسير), وتكتمل أوراق مخططهما القادم، يأتي بعد انحسار الدور الأمريكي في اليمن الذي بات عاجزاً عن إبداء وليس فرض رأيه على أي من القوى الوطنية المناهضة للعدوان, لأن أمريكا وضعت نفسها طرفاً في هذه الحرب.
كما أن الانحياز الذي أبدته الأمم المتحدة ومبعوثها في كل المحطات التشاورية إلى جانب دول تحالف العدوان، أفقدها أدنى مصداقية كانت من الممكن أن تجعل أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام يقبلون بوساطتها من جديد.
ورعت الأمم المتحدة 3 جولات سابقة لما سمتها (مشاورات السلام اليمنية)، فشلت جميعها في تحقيق أي تقدم يوقف محرك الآلة الحربية التي تقتل المواطنين من الجو, الأولى أجريت في جنيف منتصف يوليو 2015، والثانية في مدينة بال السويسرية منتصف ديسمبر من نفس العام، وآخرها في الكويت استمرت لأكثر من 90 يومًا، وانتهت في أغسطس العام الماضي.

أسباب البحث عن وسيط 
من ضمن الأسباب التي دفعت السعودية والإمارات للبحث عن وسيط جديد يمنحهما الوقت اللازم لإعادة ترتيب أوراقهما, التخلخلات التي يشهدها البيت السعودي، بتزامن مع تقدمات كبيرة للجيش واللجان داخل أراضيها، يصاحبها خسائر فادحة في العتاد العسكري والأرواح، حيث تحدثت معلومات عن أن عدد قتلى الجيش السعودي في الحدود تجاوز 3000.
أما بالنسبة للإمارات فالضربات التي تتلقاها قطعها البحرية آلمتها كثيراً، إضافة إلى التحذير الذي وجهه قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، في خطاباته الأخيرة، للشركات الأجنبية المستثمرة في دبي وأبوظبي، بحزم أمتعتها، لأن تلك المدن ستتلقى ضربات باليستية، خصوصاً وقد نجحت تجربة ذلك مسبقاً, في حال لم توقف العدوان على البلد. 
وطوال أكثر من عام بعد فشل مشاورات الكويت والمطالبات الدولية بضرورة الحل السياسي في اليمن، تزاول دجلها وزيفها لابتزاز السعودية كي تحصل على بعض حليبها لم تهدأ.

مطالبات دولية كاذبة 
فبعد انتهاء مشاورات الكويت بأشهر قليلة، وارتفاع وتيرة المجازر التي ارتكبها طيران العدوان بحق اليمنيين, بدأ العالم يتحدث عن ضرورة إيجاد أفق لحل سياسي في اليمن ينهي أزمته الراهنة (العدوان).
فالاتحاد الأوروبي مثلاً لم يترك فعالية سياسية لإحدى مؤسساته إلا ويؤكد على أنه يدعم الحل السياسي في اليمن ويشدد عليه, وآخر تلك التأكيدات ما جاء في بيان برلمانه، وقبله في اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد, حتى إنه استضاف الشهر الماضي في بلجيكا عشرات الزعماء القبليين اليمنيين، في محادثات تشاورية بشأن ذلك.
الجميع يشدد على ضرورة إنهاء الحرب في اليمن حتى الأمم المتحدة التي تملك أمريكا قرارها، وكذلك مجلس حقوقها الإنساني, ومؤخراً ظهر وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في حوار مع صحيفة (الشرق الأوسط)، يصرح بذلك، ويبشر بأن بلاده تنسق مع السعودية والإمارات والولايات المتحدة لإنهاء الأزمة اليمنية عبر الحل السياسي. ليس فقط بريطانيا التي تمول تحالف العدوان بالسلاح هي التي صرحت بذلك، بل أيضاً السعودية والإمارات والأردن التي قالت بأنها تدعم الحل السلمي في اليمن عبر مفاوضات سياسية.
وقبل أيام أكد السفير الصيني لدى اليمن تيان تشي، أن بلاده تدعم بثبات عملية الانتقال السياسي والإعمار الاقتصادي في اليمن. داعياً إلى الحفاظ على سيادة اليمن واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه.
الغريب أن جميع أولئك الداعين إلى ضرورة إنهاء معاناة اليمنيين لم يستطيعوا مقاومة إغراء المال السعودي، وإقرار مشروع يقضي بتشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في جرائم العدوان باليمن, فكيف لهم أن يوقفوا عمليات قتل اليمنيين من قبل طيران العدوان، ويرفعوا عنهم الحصار, وإذا كانوا لا يستطيعون ذلك، فهل بوسع روسيا تحقيقه بعد أن ظهرت دلائل كثيرة توحي بدخولها الخط اليمني؟

دلائل التدخل الروسي 
أدلة كثيرة تشير إلى أن روسيا بدأت تنظر إلى ما يدور في اليمن بأهمية سعودية إماراتية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة دول تحالف العدوان التي لم تفلح في تحقيق أي من أهدافها على مدى عامين ونصف.
ويتحدث البعض عن أن زيارة الملك السعودي لموسكو، والتقاءه الرئيس فلاديمير بوتين في الـ4 من أكتوبر الجاري، أثارت تكهنات جديدة بشأن دور روسي مقبل في الشرق الأوسط عبر بوابة الملف اليمني.
وبحسب صحيفة (المونيتور) الأمريكية، فإن الوساطة التي من المحتمل أن تقودها موسكو تأتي بعد رغبة سعودية في إنهاء الأزمة اليمنية (العدوان)، والتي اختارت روسيا لتكون الخيار الأفضل.
ويشوش ذلك الموقف الذي اتخذته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه ما يحدث في اليمن، وأعلنت فيه زيادة تقديم الدعم للسعودية, ورفع قيود بيع الأسلحة لها, على موضوع دخول روسيا ضمن اللاعبين البارزين في ملفه، وتوكيلها بوضع مبادرة تنهي ما يحدث فيه.
ويضاف إلى تلك الزيارة عودة الرئيس السابق علي ناصر محمد إلى واجهة المشهد السياسي اليمني، بعد غياب طويل، من على منصة موسكو، فبراير الماضي, كأحد لاعبي التواجد الروسي في ملف اليمن.
والأهم في تلك التحركات والأخطر، بحسب محللين، هو وصول وفد طبي روسي على متن طائرة تابعة للأمم المتحدة, سمح لها تحالف العدوان بالهبوط في مطار صنعاء في الـ11 من الشهر الجاري، بعد منع دام طويلاً, أجرى عملية جراحية ناجحة للرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، وهمس في أذنه برسالة يعتقد أنها من الرئيس الروسي بوتين، وفيها ترميز لآلية حل جديدة, أكد على ذلك زيارة عضو المكتب السياسي لأنصار الله مهدي المشاط، لصالح، في اليوم التالي.
وأكد صالح صحة الأنباء عن تلقيه دعوة من أحد المعاهد الروسية، في مقابلة أجرتها معه قناة (اليمن اليوم)، وقال إنها لحضور مؤتمر الطاولة المستديرة لمناقشة محطتين الأولى عن الإرهاب وكيف تتم مواجهته، والثانية عن كيفية خروج اليمن من هذه الأزمة ومن الحرب الدائرة فيها.

التقارب الروسي السعودي 
وفي ما يخص تدخل روسيا لتخفيف معاناة المواطنين الاقتصادية، أبدى القائم بأعمال السفارة الروسية في صنعاء أندريه تشرنوفول، حرص بلاده على إحلال السلام في اليمن ودعم أية خطوة من شأنها إنهاء مأساة الشعب اليمني. مؤكداً في اللقاء الذي جمعه مع رئيس حكومة الإنقاذ، الأحد الماضي، وجود معطيات إيجابية من شأنها التخفيف من معاناة موظفي الدولة وإحلال السلام العادل ـ حسب وصفه ـ في القريب العاجل. وذلك بعد طلب من عبدالعزيز بن حبتور توجه به عبر القائم بأعمال السفارة للرئيس بوتين، بمنح حكومة الإنقاذ جزءاً من المطبوع النقدي يساعد في دفع مرتبات الموظفين الذين لم تدفع لهم حكومة خونة الرياض رغم استلامها دفعتين ماليتين من روسيا.
ورداً على إيماءات القائم بأعمال سفارة روسيا أن الدور الروسي سيشمل الفضاء الاقتصادي، قال المحلل الاقتصادي رشيد الحداد لـ(لا) إنه (لم يعد هناك عملة مطبوعة في روسيا، فالتصريح الأخير لمحافط البنك المركزي المعين من قبل هادي منصر القعيطي، أكد أنهم استلموا 420 مليار ريال من أصل 600, طبعت في موسكو، وهذا دليل قاطع على أن الموقف الروسي لم يكن مسانداً للشعب اليمني، وإنما لمصالحه مع دولة العدو السعودي).
ويؤكد رشيد أن موسكو رضخت لمطالب الرياض مدفوعة الأجر، ولم تتخذ حتى موقفاً محايداً تجاه ما يحدث في اليمن, وانحيازها إلى جانب موقف السعودية أتى بعد تدهور أسعار النفط في الأسواق العالمية إلى ما دون الـ40 دولاراً، العام الماضي. وذلك التقارب مع الرياض هو لتنسيق المواقف في ما بينهم لتخفيف إنتاج النفط بهدف إنهاء تخمة المعروض منه.
ولا يعول الحداد على الدور الروسي لإنهاء العدوان، كون روسيا من أبرز الدول التي أكسبها صمود الشعب اليمني في وجه العدوان أموالاً كثيرة, فقد أبرمت معها الرياض عدداً من صفقات الأسلحة بعد أن أثبتت الأمريكية عدم فاعليتها في جبهات القتال, ومن أدلة ذلك حجم الأرباح التي حققتها شركة كلاشنكوف العام الماضي، والتي تعد الأكبر منذ 35 عاماً.
لقد أثبت تعامل روسيا مع ما يحدث في اليمن أن مواقفها لاتخرج عن مصلحتها، وليس لموسكو مصلحة كبرى في اليمن بقدر سوريا، ولذلك يرى البعض أنها توظف مواقفها السابقة تجاه اليمن للحصول على المزيد من الصفقات المالية مع الرياض, مقابل دعم تنفيذ مخططات أمريكية إسرائيلية جديدة في اليمن، قد يكون بغض الطرف عنه، والتزام الصمت تجاهه، مع إلزام الحليف الأبرز للروس (إيران) بذلك. 

الإرهاب مخطط العدوان الجديد  
إن عدم اختيار روسيا المجلس السياسي أو حكومة الإنقاذ لعرض مبادرتها, والذهاب بذلك إلى رئيس حزب المؤتمر الذي يمثل واحداً من طرفين مواجهين للعدوان الأمريكي السعودي على البلد، والآخر هو أنصار الله, يشير إلى أن النقاش السعودي الروسي الذي دار في موسكو قبل أيام، اتفق على أن تعرض المبادرة على الأول، وليس على كليهما.
ويعزز ذلك إعلان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الخميس الماضي، في حوار مع (رويترز)، استمرار الحرب في اليمن لمنع تحول الحوثيين لحزب الله آخر على حدود بلاده، حسب قوله. مؤكداً أن اليمن أشد خطورة من لبنان, وأن الأزمة التي يعاني منها تكمن في ذلك الأمر، وهو بقاء أنصار الله.
وتتهيأ أمريكا لطرح مشروع عبر مجلس شيوخها يعلن حزب الله اللبناني منظمة إرهابية، بينما أعلنت السعودية عن قائمة طويلة صنفتها بالإرهابية، وشملت معظم التجمعات التي تقاتل إلى جانبها في اليمن.
ويتضح من تصريحات بن سلمان التي أعلن فيها استمرار حربه على اليمن لمنع تحول جماعة أنصار الله إلى حزب الله آخر، وتأهب البرلمان الأمريكي لإدخال المقاومة اللبنانية في قائمة الإرهاب، وكذلك توجيه دعوة للرئيس السابق صالح لحضور حلقة نقاش في موسكو حول كيفية مواجهة الإرهاب، أن هناك مخططاً أمريكياً سعودياً روسياً يسعى إلى إعلان جماعة أنصار الله جماعة إرهابية بالمفهوم الأمريكي, وبالتالي تصعيد الحرب على اليمن وربط الحل فيه بتنحي هذه الجماعة الثورية التي قادت تحرر الوطن وشعبه من الوصاية والهيمنة الخارجية، من المشهد.
ويبقى السؤال الذي ستكشفه الأيام القادمة في حال تحققت قراءتنا هو: هل سيقبل شريك معركة الدفاع عن الوطن ضد العدوان، بالانقلاب على شريكه مقابل عروض مغرية قدمت له؟