ليس مثيراً للدهشة أن المجتمع الدولي الذي يدعي الإنسانية والحرية والحياد، قد ساوى بين الجلاد والضحية، وأكثر من ذلك انحاز إلى صف الأول في تعامله مع مسألة العدوان الأمريكي السعودي الوحشي الذي تواجهه اليمن، كونه فقد مصداقيته مُنذ زمن طويل، ولم يعد سوى أداة في يد الإمبريالية الغربية التي تسعى لإخضاع وإذلال شعوب العالم.. ولكن ما يدعو إلى الدهشة والحزن والحسرة في نفس الوقت، هو أن هناك بعض الصحفيين والإعلاميين وحفنة قليلة من أبناء الشعب قد وقفوا في صف الجلاد ضد وطنهم بل أنفسهم، وتعلقوا بقشة الحياد التي ظنوا أنها ستحميهم من صواريخ وقنابل العدوان الذكية التي يعتقدون بمسماها ذاك أنها قادرة على تمييز المحايدين ومنازلهم فلا تمسها بسوء، إلا أنهم كانوا مخطئين في ذلك، فصواريخ العدوان لا ترقب في اليمنيين إلاً ولا ذمة، سواء كانوا معها، ضدها أو محايدين.
إن بعض الحياد إثم
يكاد يكون هناك إجماع بين المراقبين والمختصين الإعلاميين على أن الحياد في العمل الصحفي نسبي إلى حدٍّ كبير، فلا يستطيع العامل فيه ادعاء ذلك، لأنه ولاعتبارات كثيرة (قيمة) لا يمكن إدراكها بشرياً، ولكن الأصحّ أن يقول إنه غير منحاز، وأنه يسعى للتوازن الذي يحاول من خلاله أن يلامس سقف المهنية، ولكن هذا يبقى في قضايا صحفية عادية، أما القضايا الوطنية المصيرية والوجودية والمصالح العليا للوطن وأمنه وكرامته وسيادته واستقلاله ومواجهة أعدائه والمتربصين به، فلا وجود لتلك القيمة بأية نسبة كانت، مثل قضية العدوان الذي تواجهه بلادنا اليوم.
يقول الأستاذ عبده حسين الأكوع، عضو هيئة تدريس مساعد بكلية الإعلام جامعة صنعاء، لصحيفة (لا)، إن (الحياد مصطلح مطاطي، ومهما ادعت أية وسيلة من وسائل الإعلام المكتوب أو المسموع أو المرئي أو الإلكتروني، أنها محايدة في تغطيتها لعدوان دول التحالف على اليمن بقيادة السعودية، إلا أن لها أهدافاً تسعى إلى تحقيقها وفقاً لرغبات المال السياسي الذي أغرق كافة الوسائل في مستنقع التضليل وتزييف الحقائق وهندسة عقول الجماهير بما يعزز أجندة مموليها).
وهذا ما اتفق عليه الكثير من الإعلاميين والأكاديميين اليمنيين الذين لا يرون مكاناً للحياد في قضية العدوان الغاشم على اليمن, بل إن ادعاء ذلك يعد إثماً وظلماً.

الحياد في قضية الوطن
 انسلاخ من الهوية
حينما يتعرض الشخص لاعتداء على أرضه ونفسه وعرضه وماله، فكيف له السكوت وتخفيف لهجته مع العدو المغتصب, إذا كان الواجب والمنطق الحر يقضي بأن تكون ردة فعله معارضة وشرسة.
يتحدث الأستاذ أحمد الكبسي (مذيع في قناة اليمن اليوم): (في الحقيقة الحياد غير موجود عملياً أثناء ممارسة العمل الصحفي في أي مكان وفي أية مؤسسة صحفية محلية أو دولية، وإن ادعت ذلك، أما بالنسبة لمسألة الحياد بينما وطنك يواجه عدواناً غاشماً لا يستثني المدنيين نساء وأطفالاً والبنى التحتية وكل شيء جميل في اليمن، فهذا يعني أنك مؤيد للعدوان، فالحياد هنا ليس من المهنية أو الموضوعية لدى أي شخص يدعي أن لديه قيماً ومبادئ وثوابت وطنية).
وأضاف الكبسي في حديثه للصحيفة: (أية مهنة تدعوك للتجرد من هويتك وانتمائك تحت أي سبب أو معيار، فهي عمالة وخيانة مهما زينها البعض بمفردات ورتوش بهدف قبض ثمن السكوت وعدم الانحياز للضحايا من أبناء جلدتك وإخوانك، عندها ستصبح أشبه بمهنة العهر والدياثة). مشيراً إلى أنه منذ اللحظة الأولى للعدوان وجدوا أنفسهم منحازين لمظلوميتهم فتحولوا في قناة اليمن اليوم من قناة رأي إلى قناة موقف مناهض للعدوان السعودي, محافظة على مهنيتها بانحيازها للشعب بهدف إيصال مظلوميته رغم ما يمتلكه تحالف العدوان من هالة وآلة إعلامية لتغطية جرائمه وتضليل الرأي العام الدولي حول حقيقة ما يحدث في اليمن.. إن وجود مناطق متوسطة وحيادية للوقوف بين الوطن وأعدائه مجرد أوهام في عقول أصحاب المواقف المرتعشة والمبادئ المتلونة، فليس هناك أعمال صحفية متوازنة تصف بحيادية المجازر التي لا تنتهي لتحالف العدوان، والمستهدفة لكافة أبناء الشعب بمختلف شرائحه ومكوناته.
وفي العمل الصحفي ليس من النزاهة والموضوعية في شيء غضّ الطرف عن تحويل المنازل وساكنيها الى أشلاء في دقائق، والحياد والصمت في موقف كهذا أصبح الجميع فيه ضحية ليس إلا انسلاخاً عن الواقع وعن الوطن.

عدوان شامل على الجميع
على مدى أكثر عامين ونصف وتحالف العدوان يصب نار حقده على اليمن من أقصاه إلى أقصاه، دون تمييز، وبأشكال عدة، بدءاً من المجازر التي لم تتوقف، مروراً بالحصار الخانق واحتلال الجنوب وإذلاله ثم نهب وبيع خيرات الوطن واستباحة كرامته.
ومنذ ذلك الحين وهو يوزع إجرامه على الجميع دون أن ينسى أحداً، ويقسم الموت والمعاناة بين اليمنيين بالتساوي, ودون تثمين لصمت المحايدين الذين يظهرون بسكوتهم عن الجرائم التي يرتكبها تحالف العدوان على أنها حيادية، وكأن هناك مجازر حيادية أصلاً!
لقد كان من جملة الضحايا الذين قتلهم تحالف العدوان بطيرانه في مجازر كثيرة، إعلاميون وصحفيون لم تكن لهم صلة بمن يسميهم العدوان (انقلابيين)، ويدعي أنه شن عدوانه عليهم، مثل الصحفي مقداد مجلي الذي استشهد في غارة بمنطقة حمام جارف بمديرية سنحان محافظة صنعاء، وكذلك المخرج منير الحكيمي الذي استشهد وعائلته إثر غارة لتحالف العدوان استهدفت منزلهم في العاصمة صنعاء، وغيرهم الكثير ممن طالهم القصف والإجرام السعودي، ليثبت بذلك أنه عدوان شامل على اليمن، وأن الجميع مستهدفون، وأن عليهم مواجهته وعدم صرف النظر عنه باعتباره الخطر الرئيسي ومشكلة المشاكل.

مواجهة العدوان ليست 
ضمن أولويات البعض
الدكتورة سامية الأغبري، أستاذة الصحافة بكلية الإعلام جامعة صنعاء، لها رأيها الخاص في قضية الحياد، وقالت لصحيفة (لا): (لا يمكن للصحفي أن يكون محايداً في أية قضية كانت، وخاصة في القضايا الوطنية، لأن الحياد من وجهة نظري وهم في الإعلام).
وزعمت الدكتورة سامية أن السؤال الذي ينبغي طرحه هو كيف يكون موقف الإعلامي والصحفي من التدخل الخارجي أياً كان شكله أو نوعه؟  
وأجابت على سؤالها بأنه (من الطبيعي أن الصحفي المنتمي للوطن لا يقبل أي تدخل خارجي أياً كان ومن أية جهة كانت، ولكن لا ينبغي أن نلقي كل ما يحدث في بلدنا من تفشٍّ للفساد المالي والإداري والفوضى والعبث بالمال العام والوظيفة العامة وقطع الرواتب، على التدخل الخارجي السعودي، ونكون موضوعيين في تناولنا ومعالجتنا للقضايا الوطنية، بحيث ندين كل الأطراف التي تدمر وطننا سواء كانت داخلية أو خارجية).
وتعليقاً على الإجابة أليس العدوان الأمريكي السعودي هو من تسبب بالأزمات الاقتصادية والإنسانية والفوضى المالية والإدارية والمجاعات وانتشار الأوبئة والأمراض؟ ألم يكن قرار نقل البنك الذي اتخذه هو آخر مسمار في نعش الاقتصاد اليمني المحاصر، والذي استهدفت كل مصالحه الحيوية، وصودرت كل موارده لصالح العصابات الإرهابية؟ ألم يتضح بعد عامين ونصف أن أبرز النتائج التي حققها الأعداء من عدوانهم العسكري والاقتصادي، هي قتل وجرح عشرات الآلاف من المواطنين، وخلق أزمة انقطاع الرواتب؟
هذه هي الأسئلة التي يرى كثير من الصحفيين الوطنيين أنه يجب طرحها على من يدعون الحياد في التناول الإعلامي لجريمة قتل الوطن.. فالعدوان هو المتسبب الرئيسي بكل المعاناة التي يعيشها اليمنيون، ولا يمكن تحجيم مشكلة العدوان الذي تكتوي اليمن بنيران حقده منذ عامين ونصف، ومقارنته بالوضع الاقتصادي السيئ الذي تسبب به الحصار ومصادرة موارد البلد، وتبرئة السعودية وتحالفها منه بتقنيعه بمصطلح (الفساد الداخلي).
ورغم كل ذلك، فإن قيادة القوى الوطنية تؤكد دائماً على ضرورة مكافحة الفساد المالي والإداري، وتعمل جاهدة من أجل ذلك، كونه يفاقم معاناة الشعب، ويؤثر على مواجهة العدوان والتصدي له، وتطالب في كل خطاباتها حكومة الإنقاذ والمجلس السياسي بإيجاد حلول لمشكلة الرواتب، ولو بتوفير القدر الممكن منها، باعتبارها ضرورة تمكن المواطنيين من قتال الفقر والجوع.

أوهام المعايير العلمية للحياد 
الحقيقة أن الحياد كمصطلح موجود في كتب وأدبيات الإعلام فقط، وليس سوى حبر على ورق يدرس في الجامعات والمعاهد برغبة دولية. فالمناهج الإعلامية المستوردة من الغرب الذي لم يثبت حياده في أية قضية، ولو مرة واحدة حتى؛ تؤكد على أن الحياد معيار أساسي لنجاح أية منصة إعلامية، لكن دون تعمق في شرح وتحديد مفهوم الحياد وحدوده وقيوده، وهل الحياد يشمل القضايا الوطنية والمصيرية والأخلاقية الكبرى, ودون أن تلتزم حكوماتهم وآلاتهم الإعلامية بذلك المعيار.
ويظهرون دائماً منحازين نحو مصالحهم، كما في قضية العدوان الأمريكي السعودي على الوطن, والتي انحازوا ولهثوا وانجروا فيها باتجاه المال السعودي، حتى منظماتهم التي تدعي الإنسانية والحياد، غلفت انحيازها لصف العدوان بطرق فاضحة.
فبعض تقاريرها تصب اللوم على اليمنيين لأنهم يدافعون عن أنفسهم بما يتوافر لهم من السلاح التقليدي مثل (الهاون) باعتباره غير دقيق وقد يخطئ أهدافه، ولكنها لا تجد حرجاً في استهداف المدنيين بشكل يومي، وبطائرات حديثة جداً من المفترض أنها لا تخطئ أهدافها، إضافة الى صمتها المريب تجاه الحصار المفروض على اليمن، والذي تسبب بأكبر كارثة إنسانية في العالم الحديث، حسب ما يصفه مراقبوها، ولم تسجل لها أي مواقف أخلاقية (حيادية كما تدعي) منذ بداية العدوان، غير بعض التقارير الخجولة والمتواضعة، والتي هي في أغلب الظن عمليات ابتزاز تهدف منها إلى الحصول على حصتها من النفط السعودي الذي اشترى صمت وضمير وسلاح العالم، ولكنه بالتأكيد لا ولن يستطيع أن يشتري النصر.