المرضى اليمنيون:ممنوعون من السفر ومطارات العالم تمنحهم (روشتّات) الموت!
- تم النشر بواسطة بشرى الغيلي/ لا ميديا

معطيات كثيرة لم تختلف عن سابقاتها توحي أن اليمن على عتبة مفاوضات سياسية جديدة يجري التحضير لها برغبة من دول تحالف العدوان الأمريكي السعودي للأسباب ذاتها التي دعتها لإقامة 3 جولات منها دون تحقيق تقدمات من شأنها إيقاف العدوان ورفع الحصار، لعل أبرزها تألمها من ضربات الصمود الأسطوري للشعب التي تتلقاها عبر الجيش واللجان، خصوصاً السعودية داخل عمقها، وكذلك وجود مخطط شيطاني جديد لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه عسكرياً.. غير أن الجديد في هذه المفاوضات حال أقيمت، سيتمثل في المساحة التي أفضتها أمريكا ووكلاؤها في الشرق الأوسط (السعودية ـ الإمارات) لروسيا، وربما للصين أيضاً، لإنشاء آليتها، والتي لا يتوقع الكثير من المراقبين أن تضع غير مصلحتها في سلم أولويات الإنشاء، أما نتائجها فمن المحتمل جداً ألا تخفف معاناة المواطنين من القصف والحصار، هذا إذا لم تزدها، والمؤكد أنها لن تدعم تحرر اليمن من الوصاية والهيمنة، كون أمريكا وإسرائيل لن تسمحا بذلك.
رحلةٌ شاقة
تبدأ رحلة المريض الذي اضطرته الظروف للسفر والعلاج بالخارج بعدّة محافظات في طريقه إلى مطار(سيئون) كبديل للمرضى عن مطار صنعاء الدولي الذي أغلقه العدوان الأمريكي بقيادة السعودية وحلفائها لأكثر من عام، ولصعوبة التنقل قد يفارق المريض الحياة قبل أن يصل إلى سيئون، أو عدن. تصف والدة نهلة حالة ابنتها بوجع وحرقة بأنها تعاني من ورم دماغي خطير، وقد تقطعت بها السبل لعلاجها، فبعد أن باعت كل ما تملك من حُلي في سبيل إنقاذ فلذة كبدها ذات الـ12 عاماً، عجزت أن تجتاز حدود الوطن وعلاج طفلتها في الخارج الذي بات شاقاً أكثر من ثمن العلاج، بسبب الحصار الجائر، وإغلاق مطار صنعاء الدولي، وناشدت عبر صحيفة (لا) المجتمع الدولي والأمم المتحدة اتخاذ الإجراءات الكفيلة لرفع الحظر الجوي، وفتح مطار صنعاء للرحلات اليومية التي سبَّب توقفها موت الكثير من المرضى، وتمنّت أن تستكمل إجراءات السفر لعلاج نهلة التي باتت حالتها قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.
العودة للوطن دون جثث من فارقوا الحياة
ما يزيد من معاناة مرافقي وذوي المرضى حين يعودون إلى أرض الوطن دون جثث مرضاهم، فيتم دفنهم في الدولة التي قصدوها بسبب الحصار الذي فرضته دول العدوان، ومطالبة تلك الدول ذويهم بدفع مبالغ باهظة مقابل السماح للجثث بالمرور.. خالد محمد عكاشة، من محافظة المحويت، يروي تفاصيل مؤلمة لحالة استدعى الأمر علاجها بصورة لا تحتمل التأخير، كانت مصابة بتليف الكبد، وكان من الضروري إسعافها للخارج بصورة عاجلة.. وبسبب تعثّر الإجراءات، وصلت الحالة بعد فوات الأوان، ففارقت الحياة في مصر، وفي ظل الحصار لم يستطع ذووه الرجوع به لمسقط رأسه، فتم دفنه خارج الوطن.
يضيف عكاشة أن حالة أخرى تم نقلها للهند، لكن ليس كما يجب، وفي وقت مبكر، وكانت مصابة بالسرطان، وتوفيت هناك، وهي أم لأطفال، وبسبب الحصار والحظر الجوي اضطر زوجها لدفنها في الهند، فعاد الزوج منكسراً وبحسرة وألم أن جثة زوجته لم يلقِ عليها أهلها النظرة الأخيرة، وتدفن في مسقط رأسها.
نفس المعاناة تتكرر كثيراً، حيث يقول محمد جحيش، من حجة، إن قريبه توفي بمرض السرطان بسبب تأخر رحلته إلى الهند، وبمجرد وصوله إلى هناك توفي المريض، ولم يستطع مرافقوه العودة به لمسقط رأسه، لأن رحلتهم كان يتم تأجيلها من شهر إلى آخر، قبل السفر، فتضاعفت معاناته، وكذلك عدم مصداقية شركة الطيران التي كانت تلغي مواعيد الرحلات، غير عابئة بمعاناة المرضى، حسب قوله.
يبيعون أثاثهم مقابل السفر والعلاج!
الوضع الاقتصادي المتدهور يجعل من يصابون بأمراض خطيرة ومستعصية يبيعون كل ما يملكون لكي يتم علاجهم، وهي معاناة تضاف إلى الحصار وارتفاع الدولار بشكل جنوني مقابل الريال المحلي، مما يشكل معاناةً حقيقية، وقد يفارق المريض الحياة قبل أن يتم جمع المال لغرض الشفاء.. يقول منصور الجرادي، رئيس مؤسسة وجوه للإعلام والتنمية: بات الموت هو الرفيق الدائم لليمنيين في حلهم وترحالهم، وتزداد معاناة المرضى منهم تحديدا وعائلاتهم، فهم يعيشون جحيماً حقيقياً لا يعرفون فيه طعم ولون الحياة، باعوا كل ما يملكون من أجل العلاج، وبدأوا حياة المعاناة من أجل الاستطباب الذي يبدأ برحلة البحث عن الطبيب الجيد والمنشأة الطبية المناسبة والثقة!
طائرة (العيانين)..!
وأثناء زيارته لمصر، شاهد الجرادي بأم عينيه معاناة أبناء وطنه ونظرة المصريين بالنسبة لليمني الذي يقصدهم، وقال لـ(لا): وجدت الناس هنا يعرفون اليمني بأنه الزائر للمستشفيات فقط، وطائرة اليمنية بالنسبة لهم هي (طائرة العيانين)، والعيادات والمختبرات والمستشفيات ترحب باليمنيين الذين يضخون ملايين من أجل العلاج في مصر والأردن كل عام.. وأثناء تجواله بعدة مرافق صحية وجد أنها لا تخلو من اليمنيين، بل ينافسون المصريين ويفوقونهم في الحضور للعلاج، يضيف: حتى إن بعضهم يظل عدة شهور للعلاج مع مرافقه أو مرافقيه، حتى يستكمل علاجه، ويظل يدفع دم قلبه.
واليمنيون يعيشون حياة ضنكى بكل ما تعنيه الكلمة، ولا أحد يهتم لهم، يموتون بصمت في الغربة، ومستشفيات الخارج..
وفي ذات السياق، تحدثت نهى عبدالكريم، حيث إنها كانت برفقة والدتها إلى مصر للعلاج، وأنها وجدت تعاملاً سيئاً من المصريين ونظرتهم المادية البحتة لليمني، لدرجة أنهم يرشدونهم نحو القصر العيني الجديد لأنه المستشفى الأكثر شهرة، حسب نهى، تضيف: فيبدأ بأخذ العينات والفحص الشامل، والبعض منهم يتعرض لتدخل جراحي عارض رغم عدم احتياج المريض لذلك، ويتعرض لأخطاء طبية فادحة يندى لها الجبين, فقد تعرض الكثير ممن دخلوا عمليات القصر العيني للوفاة، وقلما يحظى المريض بمبتغاه إذا وجد الطبيب الماهر ذا المهنية والكفاءة.
وحسب تلك الشهادات الحية الموثقة آنفاً، تضاف معاناة فائضة لليمنيين في الخارج فوق معاناتهم المأساوية من حرب وحصار، وتدهور اقتصادي يشهده البلد في ظل عدوان كوني نزق، وصمت عالمي مخجل.
أمن مطار (علياء) قتل (مؤيد)!
ثاني دولة يقصدها اليمنيون بعد مصر، هي الأردن، ثم الهند، وبات غير خافٍ على أحد المعاملة اللاإنسانية لليمنيين في مطار (الملكة علياء) بالأردن، حيث أثارت حادثة الشاب مؤيد علي عثمان، جدلاً واسعاً في أوساط الناشطين الحقوقيين والمواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث فارق الشاب مؤيد الحياة في مطار الملكة علياء الدولي، عقب احتجاز جواز سفره وأوراقه الثبوتية من قبل الأمن الأردني في المطار، عندما كان في طريقه إلى الهند لتلقي العلاج، عبر طيران الإمارات.
وكان من المفترض أن يقضي عثمان ساعتي (ترانزيت) في الأردن، إلا أن الأمن منعه من السفر، وقام بمصادرة مواد علاجه ورميها في القمامة؛ بحجة أن الأدوية التي يحملها قد تكون مصحوبة بداء الكوليرا.
رغم محاولات مرافق المريض البائسة إقناع السلطات الأردنية بخطورة الحالة الصحية للمريض، إلا أنها رفضت إرجاع أوراقه والسماح له بالسفر. وبعدما تخلف المريض ومرافقه عن اللحاق برحلتين إلى الهند، اضطر المرافق إلى إدخال المريض إلى فندق المطار لمدة 6 ساعات مقابل 180 دولاراً أمريكياً، رفضت السلطات الأردنية حتى إرجاع المريض إلى اليمن، الأمر الذي أدى إلى تدهور صحته، حاملاً إياه إلى الاستلقاء على أرض صالة المطار احتجاجاً. وبعدما شعرت السلطات بخطورة الأمر، حاولت البحث عن أدويته بين القمامة، إلا أنها لم تجدها، ليتم نقل عثمان إلى مستشفى البشير، حيث وافته المنية فور وصوله إليه.
ويؤكد متابعون للحالات المشابهة التي تحدث في ذات المطار أن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، فقد تزايدت شكاوى المواطنين المسافرين من اليمن مروراً بالأردن من سوء المعاملة والتشديدات الأمنية الزائدة عن حدها، والمعبرة عن قلة الاحترام للمواطن اليمني، ومنها إتلاف أي أدوية أو سوائل يحملها المسافرون بحجة الخشية من نقل مرض الكوليرا، فضلاً عن إصدار قرار رسمي من قبل السلطات الأردنية بعدم إدخال أي مسافر يمني إلى الأردن، دون حصوله على شهادة طبية تؤكد خلوه من مرض الكوليرا.
انهيار الوضع الصحي المحلي
يرى مراقبون للوضع الصحي في المستشفيات والمرافق الصحية المحلية، أنها متدهورة لدرجة الاستهتار بتقديم الخدمة الإسعافية الأولية، إلا من مستشفيات تعد على الأصابع تقدم خدمة جيدة، أو الخاصة التي تكون باهظة التكلفة، ومعظم المواطنين حالاتهم المادية لا تقوى على ذلك، مما يؤدي إلى سفر المرضى اليمنيين إلى الخارج، كذلك عدم ثقة المريض بالطبيب المحلي، إضافة إلى الأخطاء الطبية الفادحة، وعدم تأهيل المرافق الصحية باستمرار، وتأهيل كوادرها لمواكبة الجديد في الطب.. بدورنا حاولنا التواصل مع مسؤولين بوزارة الصحة لمعرفة أسباب تدني الخدمة الطبية في المرافق الصحية، وبعض المستشفيات التي دائماً ما يعود منها المريض بخفي حنين، لكننا للأسف لم نجد تجاوباً منهم، آملين ألا تمر عليهم هذه الإشارة إلى إيجاد حلول عاجلة وإنقاذ الوضع الصحي من التدهور المستمر.
آخر إحصائية للمتوفين بسبب إغلاق (مطار صنعاء)
كشفت إحصائية رسمية عن وفاة 37 حالة يومياً في اليمن نتيجة إغلاق مطار صنعاء الدولي، وأن ما يقارب 13 ألفاً و395 مريضاً يمنياً فارقوا الحياة منذ بداية إغلاق المطار نتيجة عدم تمكنهم من السفر أو الحصول على أدوية ومحاليل طبية تنقل عبر الجو بسبب حصار العدوان.
وأطلقت الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد نداء استغاثة للأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية والإنسانية ومجلس حقوق الإنسان، للتحرك السريع لرفع الحظر عن مطار صنعاء الدولي لإنقاذ حياة آلاف المرضى والعالقين بالخارج.
وجدد المتحدث الرسمي للهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد الدكتور مازن أحمد غانم، مطالبة الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بضرورة التحرك السريع لإيقاف الممارسات غير القانونية واللاإنسانية بإغلاق مطار صنعاء أمام الرحلات المدنية، والتي تسببت في كارثة إنسانية، وحولت اليمن إلى سجن كبير.
وأشار غانم في تصريح صحفي إلى أن 95 ألف مريض ينتظرهم مصير مجهول نتيجة استمرار إغلاق مطار صنعاء بالإضافة إلى الطلاب المبتعثين للدراسة في الخارج أو من يرغبون في العودة إلى الوطن خاصة والعام الدراسي الجديد على الأبواب.
وبيَّن أن حوالي 50 ألف مواطن أصبحوا غير قادرين على تحمل تكاليف المعيشة في الخارج، لافتاً إلى أن ما تقوم به دول تحالف العدوان من تقييد وإلغاء العديد من الرحلات من وإلى مطاري عدن وسيئون، يتسبب في تفاقم الأوضاع الإنسانية.
وطالب المتحدث الرسمي باسم الهيئة العامة للطيران المدني، الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية بتحمل مسؤولياتها، والعمل على فتح مطار صنعاء الدولي لاعتبارات إنسانية بحتة.
منعطف أخير..
ذلك إذن ملخص ما يعانيه المرضى الذين اضطرهم الوضع الصحي للسفر إلى الخارج، وما خفي كان أعظم، فالقضية تحتاج أن يلتفت العالم الذي يدعي الإنسانية إلى حال وأوضاع اليمنيين في معاناتهم مع المرض، ومنعهم من السفر عبر مطار صنعاء الدولي الذي فاقم إغلاقه عدد من فارقوا الحياة.. وارتفعت مناشدات أهالي المرضى، والمرضى للمجتمع الدولي، والأمم المتحدة، بسرعة فتح مطار صنعاء، وعدم الزج به في لعبة العدوان القذرة، وإيقاف الممارسات اللاإنسانية في حق اليمنيين في مطارات الخارج التي يلاقونها في حال وصلوا إليها بعد سفر مضنٍ قد يفارق المريض الحياة قبل أن يصل.
المصدر بشرى الغيلي/ لا ميديا