في البداية، يجب أن نعي أن تبعية عفاش للمنظومة الإمبريالية الأمريكية والسعودية لم تنقطع أبداً في أي يوم من الأيام، ولم يكن بمقدوره مخالفة تكوينه التبعي الكولونيالي. ويجب إخراس الحملات التضليلية التي تروج بلا خجل أن الخيانة والمؤامرة التي أقدم عليها صالح كانت نتيجة سوء تقدير، وبأنه كان يملك موقفاً وطنياً ضد العدوان الكوني الهائل على البلد.
إن الكليمات التي ألقاها الرجل هنا وهناك خلال العدوان لم تكن أكثر من غطاء لإخفاء الدور الخياني التخريبي من الداخل الذي زاوله بانسجام كامل مع الحرب العسكرية المباشرة التي هيأ لها كغيره قبل وقوعها في مارس 2015م، لاسيما بالجريمة الكبرى: تهريب هادي من صنعاء وتقديم أهم ورقة للإمبريالية لشن عدوانها على البلد.
لسنا هنا نتحدث نكايةً بالرجل أو شماتة به، الحديث هنا يدور عن استراتيجية وعن وعي جمعي يتم التأسيس له الآن، ونحن في ظل واقع وطني تحرري افتتح تاريخاً جديداً للأمة، وليس مقبولاً مطلقاً أن يلغم بالأكاذيب من أجل الترضيات السياسية، لاسيما وقد سفكت الدماء شلالات بلا توقف. ويكفي الماضي الذي لغم بشخصيات إجرامية قبيحة قدمت وتقدم كرموز شامخة، وأحيطت بهالات قداسة لا تُمس، وتم حشرها في رؤوس الأجيال المتعاقبة.
الجميع كان مصدقاً لموقف صالح الذي ادعاه ضد العدوان وفي الحد الأدنى لكونه صار مستهدفاً بنفسه من قبل صانعيه ومدرائه بالأمس، ولذلك كان هم مواجهة العدوان قد جعلنا نقفز على آلامنا وجراحنا التي لا تزال نازفة وعذاباتنا لعقود لاسيما سنوات التغييب القسري، ويمكن الرجوع لكتاباتنا ما قبل أغسطس.. بيد أن أحداث أغسطس الماضي أماطت اللثام تماماً عن الدور الخفي لرجل ومنظومة تشبعت بإمكانيات وتكتيكات وآليات التضليل والتغمية والادعاء والخداع، ولم يكن هناك من إمكانية لنعاود الانخداع مجدداً أو غض الطرف، لاسيما وأن الرجل صار يمثل تهديداً مباشراً مفزعاً للصمود الشعبي ومقاومة العدوان والتحرر الوطني.

خلفية خيانية لصالح
لا يمكن أن يتم تجاوز مسألة تهريب هادي وما يعنيه ذلك، والتي جرت بيد صالح وقيادات تنفيذية عليا في المؤتمر، وهذا دون شك يبين التآمر المسبق مع تحالف قوى العدوان الأمريكي الإمبريالي لشن العدوان على اليمن، كان صالح خلاله -العدوان- يقوم بدور خاص سري مفاده اختراق الوطن والقوى الوطنية الثورية والتحررية من داخلها وضرب الصف الوطني وتماسك جبهات الذود عن كرامة الأمة ووجودها.
واليوم، وطبقاً للتقارير الصحافية والإعلامية والوثائق الكثيرة التي وجدها الأبطال في منازل صالح وتابعيه، توضح ليس مجرد مؤامرة حديثة أو آنية أو جزئية أو بسيطة، بل العكس من ذلك تماماً، فمخطط كهذا وبهذا الحجم لم يتم إعداده بأيام أو أسابيع أو أشهر معدودة، بل أطول من ذلك بكثير جداً، ومن أداره وأعده ليس طارق ومقربيه، بل دوائر استخباراتية ومعلوماتية دولية، رسمت المشروع بدقة بالغة بناء على عمليات رصد طويلة للتحركات كافة وللمواقع بكل ما فيها. ويؤكد ذلك ليس على مستوى الإعلام المحلي بل والإقليمي والدولي خاصة الغربي.
إن انقلاب صالح ليس جديداً أو ناتحاً عن موقف صراع مفاجئ بينه وبين حلفائه، أو حتى صراع حقيقي! بل كان مهمة تم التخطيط لها كجزء من مهامه الدائمة منذ بداية التاريخ التبعي لصالح طوال العقود الأربعة الماضية. وكان هذا الدور قد ارتسم بعد 2011م، ثم بشكل أدق بعيد ثورة 21 أيلول 2014م المجيدة، وجاءت كحلقة من حلقات التآمر التي خاضها صالح، وامتداداً لأسلافه الكبار ومعلميه الذين نشأ بمعيتهم كبيت الأحمر والأصنج وباسندوة وصبرة وأبو لحوم وعلي سيف الخولاني وحسن العمري...
وسبق أن تحدثنا أن ما جرى في 2011م كان صراع العملاء على الوكالة للإمبريالية العالمية انطلاقاً من خلافهم على الحكم: هل سيتم نقله أم توريثه؟
وهذه المراكز المشاركة في نظام الوصاية والتبعية هي من قامت بتفجيره في دار الرئاسة، لإعادة ترتيب وضعه بالطبع وليس اقتلاعه، وهم من يقف خلف صعوده إلى سدة الحكم من الأساس، وهم المقربون إلى القيادة الإمبريالية العليا، وهم من يقفون خلف الانقلاب الرجعي الوهابي ضد الجمهورية في 5 نوفمبر 67م، ومن أدخلوا النفوذ الأمريكي السعودي للبلاد، وأهم شبكات عملائهم القدامى الذين كان صالح واحداً منهم، وليس أهمهم ولا أكثرهم نباهة، إلا أنه الرجل الذي وقع عليه اختيار السفير السعودي وأمرائه حينها ليكون خلفاً للغشمي، ووفقاً لمصالح السعودية والمهام التي تطرحها، وهذا سنفصله لاحقاً في دراسات أخرى.

رأس الأفعى ونهاية الانقلاب
يمثل مقتل صالح من قبل الشعب المكلوم المظلوم سقوطاً للانقلاب، وليس المؤامرة برمتها. وهي لحظة انكسار استراتيجية وفشل مدوٍّ للمؤامرة الانقلابية الخيانية التي جرى التخطيط العمومي لها على الأقل قبل شن العدوان، وهذا ما أكدته المعلومات المتناقلة في الصحافة الغربية.
والوقائع التي تكشفت تباعاً خلال وقبل المعركة الانقلابية وبعدها، ولازالت تتكشف يومياً؛ فإنها تؤكد ذلك وبما لا يدع أي مجال للشك بحقيقة العلاقات التحالفية العضوية التبعية التي ربطت العفاشية السياسية بالدول المعادية للوطن وثورته، ومن واقع تبعيته للأجنبي وعدواته للشعب وجرائمه ضده.
والعدوان كان ومايزال هو رد الفعل الإمبريالي على الثورة التحررية الاستقلالية الوطنية، ومحاولة ضارية لاسترجاع الهيمنة والسيطرة الاستعمارية التي كان عفاش من أهم ركائزها المحليين. ومن هنا، فإن حرب عفاش على الشعب اليمني قديمة قدم حُكمه واستبداده وحروبه على الشعب اليمني المظلوم، ودفاعاً عن منهوباته وسيطرته وعن نعيمه وجنته المحرمة التي أقامه امبراطوريتها على أكداس من جثث الشعب وجماجم أبنائه الشرفاء من عبد الرقيب إلى الحمدي إلى عبد الفتاح إسماعيل إلى عيسى محمد سيف إلى سلطان القرشي وعلي خان إلى عبد الوارث عبد الكريم وعلي عبد المجيد وأحمد الحبشي وسيف النجادة وإلى مجد صالح فرحان وجبران وعبود وعبد الوارث العبسي وطاهر العزعزي ومحمد علي الحكيمي ويحيى داحش وعلي قناف زهرة والشمسي، وصولاً إلى الشهيد القائد السيد حسين الحوثي وآلاف الشباب والرجال والنساء الذين قتلتهم رصاصات مسوخه وأولاده، إلى آلاف وآلاف الفلاحين البسطاء في صعدة والجنوب والوسط وتهامة وعمران، وأولئك الآلاف الذين استقبلتهم زنازين صالح وخرائبه وكهوفه وحفر وسراديب تسلطه وأياديه من محمد خميس إلى غالب القمش ومن شلامش إلى الجاكي إلى محمد عبد الرحيم والصرمي والحاوري وقطينة والآنسي والبحر والخولاني والمقراني واليدومي...، وآلاف الجلادين السفاحين الذين أثروا داخل منظوماته السياسية والأمنية والعسكرية بين يوم وليلة، وتحولوا إلى طبقة منعمة غارقة بالنعيم والثراء في وقت يغرق الشعب بملايينه الثلاثين بالفقر وبالأوجاع والأمراض وصنوف الحرمان والتشريد والشتات...
إنها حرب جنونية طويلة خاضها صالح ومنظومته ضد الشعب اليمني بكل قسوة وبشاعة وحقد، وبالإنابة عن الإمبريالية والرجعية.. كان الشعب قد نسيها بسهولة حين ادعى ذلك الموقف ضد تحالف العدوان وفتح صفحة جديدة معها، إلا أنه أغلقها، وجاءت أحداث أغسطس وأحداث الانقلاب الدموية الأخيرة لتعيد إشعال سعير الآلام والجراح والمعاناة التي ارتكبها بهم صالح، ومن الغباء أن نعتقد أن الشعب يملك ذاكرة مثقوبة أو روحية استسلامية وضعيفة.

المؤامرة الكبرى العامة 
مع دول العدوان والاحتلال
لطالما كان صالح بارعاً في اختراق القوى الوطنية واحتوائها كلها أو أجزاء منها، عوضاً عن تقسيمها وتفريخها.
لم يتوقف هذا الدور مطلقاً، وعقب 21 أيلول عاد صالح لمزاولة هوايته بشبق جنوني، وهذه المرة لاحتواء قوى أيلول 2014م بطليعتها أنصار الله.. لكن في الغالب فشل مخطط صالح هذه المرة، إذ إنه تعامل مع قوى طليعية من نوع آخر وليدة لحظة وطنية جديدة متخلقة من رحم مهام التحرر الوطني والاجتماعي بواقعها الراهن. فكانت لها بنيتها المتمايزة عن غيرها تماماً، مقابل بنية يقف على رأسها صالح متهالكة ومتقادمة حتى في تفكيرها ووسائلها، وهذه مسألة طبيعية، لكن لم يدركها صالح، تماماً كما لم يدرك أن تناقضات هذه البنية التي ظل يوظفها لاستمرار حكمه وتأبيده كانت أهم عوامل ضعفه الذاتية، إذ كانت متوحدة معها حين كان بكامل قوته، أما وقد عاش ما عاش فقد تخلخلت وراحت تتفكك بعيداً عن دائرة استقطابه إلى أخرى. ولعل أهم دائرة استقطاب للمجتمع اليمني عموماً وقواه السياسية والثورية، هي معركة التحرر الوطني والاجتماعي، وبالطبع التي تتصدرها حركة أنصار الله.
كانت المسرحية الدرامية التي أحاكها محسن وصالح داخل أقبية السفارات كما تفصح المعلومات، قد أقرت أن يلعب صالح دور المعارضة السياسية لحكومة هادي لاحتواء القوى الثورية المتصدية للمشروع الإمبريالي الأمريكي. وكان لهذا دور حاسم لولاه لما تم العدوان بالصورة الراهنة.

الأدوار الخيانية خلال العدوان.. الطعنات في الظهر 
خاض صالح طيلة فترة العدوان حرب الغدر السرية من الداخل ضد الجيش والأنصار والوطن عموماً، بدءًا من أعمال التجسس والحرب النفسية والشائعات والتشويه وخلخلة الصفوف والتدقيق في الأهداف وتصحيح الضربات إلى تجييش الجنود نحو العدوان بعد سحبهم من الجبهات بالإغراءات المالية والتضليل وإرسالهم نحو معسكرات العدوان في مأرب وعود الضالع وشبوة، وصولاً إلى الانقضاض على العاصمة من خلف ظهر الجيش والأنصار، ثم الانقضاض على الجبهات وتحطيم معركة الوطن بوجهة العدوان.
إن ذلك يعد من أهم الأسباب التي أمدت العدوان بزمن أطول ليستمر بسفك دماء الشعب اليمني.