الطبيبة الشاعرة د. سبأ البعداني:القصيدة عملية قلب مفتوح
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / حاورها / عبدالرقيب المجيدي
التجهيز لحوار مع الشاعرة الدكتورة سبأ البعداني، أمر مشوق للغاية، وانتقاء الأسئلة يتطلب مفاضلة مرهقة، خاصة إذا كان الضيف بقامة الدكتورة سبأ البعداني.
القصيدة تغلي وتفور وتفوح وتتوهج، لا ينقصها العطر، ولا يفارقها هدير إحساسها، ففي معظم قصائدها ومقاطعها المكتملة المتأزرة تموج عواطف حارة، وسلطان شعرها لن يفنى ولن يزول، كلما رددناه ازداد بهاء ونضارة، وإذا تغنينا به سنكتشف ما في قرار الغناء من شجن باقٍ وحب مقيم.. قصائد الشاعرة سبأ البعداني تجمع بين المعرفة والرؤية والجمال، كما أخلصت لفن التعرف على الوجدان والحديث عنه والإفضاء إليه.. استطاعت بشعرها أن تواجه تصحر العقل وجفاف الروح. إنها لا تنظم النص شعراً، بل تسبغه بشاعرية الرقة والإحساس.. تمتلك لغة شعرية متناهية الدقة، شفافية متناهية العمق، وبساطة متناهية السمو.. انسجمت الشاعرة الدكتورة سبأ البعداني مع ذاتها في نقل ما تشعر به وما تراه، ومن المؤكد سيكون لشعرها مكانة سامقة ومتميزة، لأنها لم تقع في الهشاشة اللغوية كبقية الشعراء.
تحويل الجمهور إلى حياة
ـ قصائدك لها دور كبير في الارتقاء بالأحاسيس الإنسانية إلى مدارج عالية من التحضر والرقي، لو تحدثيننا عن هذا الجانب..
عندما أكتب أحرص على الجمع بين أصالة الماضي وجمال الحاضر، أنا مؤمنة بأن كل شاعر مبدع له شخصيته المستقلة التي لا تشبه غيره، وأنا بشخصيتي المستقلة أحاول أن أصيغ كتاباتي بشكل تلقائي وسلس، وأختار الألفاظ السهلة الممتعة. قد مل الناس كثيراً من الرتابة وصعوبة الألفاظ، ومالوا ميلاً كبيراً إلى المعاني التي تتلمس احتياجاتهم ومشاعرهم، وتعبر عن واقعهم المُعاش. عندما يتحول الحرف من مجرد حرف جامد إلى لسان ينطق وكلمة تنطق وعبارة مليئة بالنبض والحيوية، عندها يبرز جمال القصيد، ويتلألأ الحرف في سماء الإبداع. الإبداع الحقيقي هو تحويل الحجر الجامد إلى نجمة نابضة في سماء الحياة.
صرخة في سماء الحرف
ـ قصيدة المذبحة قصيدة مكثفة باهرة تعبر عن موهبة لافتة.. ماذا تعني لك؟
قصيدة المذبحة تعني لي الكثير والكثير جداً، حيث إنها سلسلة من المشاعر العميقة المتقدة هي من أجمل القصائد بالنسبة لي.
المذبحة قضية إنسانية حساسة جداً تحمل بين طياتها معاني غزيرة تحمل هماً إنسانياً. في قصيدة المذبحة أدافع عن المشاعر والأحاسيس الصادقة ضد من تسول له نفسه التلاعب بتلك المشاعر النبيلة.. قصيدة المذبحة هي صرخة مدوية في سماء الحرف والأدب.
جموح القلم
ـ القصيدة كائن خفي متطور دوماً تعيش في الأعماق، فإذا قررت الخروج، فإنها تدق جرس الأرق فتستفز الشاعر متى تستفزك القصيدة؟
المواقف هي من أكثر أسباب تَولُّد الشعر في أعماق الشاعر، عندما يكون إحساسي غزيراً، وعاطفتي جياشة، لا أستطيع السيطرة على قلمي، فأراه يتدفق بجميل البلاغة وروائع القوافي.. يستفزني الحرف عندما أدخل في مناظرة شعرية أو سجال شعري، أو أقرأ قصيدة تقلل من حقوق المرأة وتمتهنها.. هنا يتحرك قلمي لاإرادياً، وينفجر هاجسي.
أيضاً مما يستفز قصيدتي حزني على حال بلدي اليمن الجريح بشكل خاص، والأمة العربية والإسلامية بشكل عام.
بين الطب والشعر
ـ أين تلتقي الطبيبة والشاعرة لديكِ؟
الطب بالنسبة لي ليس مجرد مهنة أمارسها أو عمل أقوم به، الطب بالنسبة لي هواء أتنفسه، وأعشق انغماسي فيه، بل أشعر أنه القلب النابض لحياتي، فبدونه لا أستطيع الحياة. الطب ينسيني أحزاني وآلامي، وينتشلني من بحر صعوبات الحياة ونكباتها، الطب يتغلغل في كل ذرة من أعماق أعماقي، ويجري في دمائي. والشعر أيضاً بالنسبة لي كالطبِّ تماماً، تتأثر قصائدي بالطب، فهناك الكثير من الألفاظ والمعاني المستوحاة من الطب، أراها تتجلى كثيراً في قصائدي.. كالشرايين والأوردة والدماء والأسنان، وحتى التسوس.
أتعلم منهم
ـ لكل شاعر أسلوبه وطريقته في التعبير والاعتراف بشاعرية الآخرين أفضل من الهجوم عليهم. هل تعترفين بشاعرية الآخرين؟
بالطبع، فهناك الكثير من الشعراء الذين تنحني حروفي أمام شاعريتهم، وعندما أقرأ أبياتهم تصيبني الدهشة من فرط جمال ما يكتبون، وأحاول التعلم منهم ما استطعت.. نحن في عالم الشعر والأدب نتعلم الكثير مع بعضنا في هذا العالم الشاسع والواسع في مداركه ومسالكه.
الكتابة تخلصني من الحزن
ـ نرى أن الحزن يخيم على أغلب قصائدك، لماذا؟
عندما نحزن تهيج مشاعرنا إلى أقصى مدى، ونبحث عن متنفس لتلك المشاعر الحزينة التي تتخبط في أعماقنا، وتدور في خلجاتنا دون توقف، لنشعر مع كل دورة لها أننا نكاد نفقد ما تبقى من هواء صالح للتنفس.. أرى في الكتابة المُنقذ الوحيد المُخلص لي من هذه الحالة، فيتحول الحزن إلى لوحة إبداعية وحروف براقة.
فصاحة بالفطرة
ـ هل تكتبين الشعر العامي؟
لا أكتبه إلا نادراً جداً، ولا أجيده. أنا أتنفس الشعر الفصيح، وأشعر أن حبه مغروس في دمي، لذا أقوله بالفطرة.
خروج إلى النور
ـ بماذا تحلم الشاعرة سبأ البعداني؟
أحلم بأن تخرج قصائدي من ظلمات الأدراج إلى نور الكتب والمجلات، وحتى الغناء. أحلم بأن يصل حرفي إلى مسمع ومرأى كل شخص في هذا العالم.. ليس على مستوى معاصر فقط، بل أحلم أن يظل حرفي محفوراً وفي صدارة التاريخ لآلاف العصور. أحلم أن يجد الكثير ضالته في قصائدي، وأن ألمس قضايا مجتمعية، وأسهم في حلها.
بداية صاخبة
ـ لنعد بالذاكرة إلى البداية.. كيف كانت؟
كانت البداية بعد الثانوية العامة، كانت بداية صاخبة، فقد كانت تتدفق فيها المشاعر كالسيل.. احتفظت بها دون تعديل حتى الآن، سأضعها هنا حتى تحكي حكايتها بنفسها:
الحَيرَةُ تَسكُنُ أعمَاقِي
ودُمُوعٌ تَغشَى أحدَاقِي
وفُؤادِي يَنبِضُ بِأَنِينٍ
يَرقُبُ تَخفِيفَ الأشوَاقِ
رُوحِي غَمَرَتهَا زَوبَعَةٌ
مِن نَارِ رَحِيلِي وَفُرَاقِي
بِحَنِينِي أنطَقتُ لِسَانِي
بِالدَّمعِ كَتَبتُ بِأورَاقِي
لا تَحزَنْ يا قَلَمُ فَإِنِّي
مَا زِلتُ أُعَانِي أَحرَاقِي
مَازَالَ القَلبُ بِلَوعَتِهِ
يَنتَزِعُ بَرِيقَ الآمَاقِ
ودُمُوعِي مَازَالَت تَجرِي
فِي الخَدِّ كَنَهرٍ دَفَّاقِ
مَن يُرجِعُ للقَلبِ سَنَاهُ
ويُكَفكِفُ دَمعَ المُشتَاقِ؟
كَم تَاقَت لِلنُّورِ سِنِينِي
كَم حَارَ الفِكرُ مِن البَاقِي
ناديتُ بصوتٍ تحملُهُ
هبَّاتُ نسيمِ الآفاقِ
لِمَ جُدتُمْ بالفرقةِ عني
يا خِيرةَ صحبي ورفاقي؟
الحب هو الحياة
ـ هل توجد كلمة أخيرة في الحب؟
لا توجد كلمة أخيرة في الحب، فالحب هو القلب النابض للحياة.. الحب هو أطهر وأنبل وأسمى كلمة لمن يعرف معناها الحقيقي العميق. وحده الحب هو الجمال، هو الألق، هو الوردة التي تزين صحارى الحياة، أتمنى أن نرتقي في فهمنا لكلمة حب، ولا نحصره في زاوية ضيقة، فالحب أشمل وأوسع مما نتصور.
ـ سؤال غفلت عنه ولم أسألكِ إياه..
لا أستحضر سؤالاً غفلت عنه أستاذ عبدالرقيب المجيدي. أشكرك جزيل الشكر على هذه الاستضافة الجميلة، والتي تشرفت بها، وأشكر صحيفة (لا) وكل القائمين عليها.. كما هو شكر خاص لكل من يقرأ هذا اللقاء، وخالص شكري لكل من يقرأ حروفي ويتذوق قصائدي.
السيرة الذاتية:
ـ سبأ عبده علي البعداني
ـ مواليد 1986
ـ بكالوريوس طب أسنان ـ جامعة إب
ـ تعمل في مركز سبأ لطب الأسنان ـ إب
المذبحة
في القلبِ مذبحةٌ وأنت الجاني
كسرتْ ضلوعي مزقتْ أشجاني
أنتَ الذي قتلَ الحياةَ بمركبي
وهدمتَ جسرَ الحبِّ في أزماني
فجرتَ بركانَ الهوى فتناثرتْ
آهاتُ روحي بعثرتْ أركاني
وجحافلُ الشوقِ التي أرسلتَها
نسفتْ حصونَ محبتي وحناني
أوهمتَ قلبي بالمحبةِ بعدما
أحكمتَ فخَّ المكرِ والخذلانِ
يا من غزوتَ ربوعَ قلبي كلَّها
حتى سرقتَ النورَ من بنياني
أزهقتَ آلافَ المُنى في مهجتي
ونشرتَ سمّاً قاتلاً بكياني
خلفتَ مجزرةً على معمورتي
ونحرتَ حلمي واستبحتَ جناني
آنَ الأوانُ لأستعيدَ كرامتي
أمحو جيوشَكَ من ربى وجداني
أنا ثورةٌ حرفيةٌ لا تنثني
غضبتْ عليكَ أناملي ولساني
جيشي ووهمُكَ والخداعُ وصحوتي
والنارُ ضدَّ النارِ والعدوانِ
نيرانُ عشقي طاقةٌ نوويةٌ
ستذيبُ عرشَكَ في غضونِ ثواني
أين القضاةُ وأين حكامُ الهوى
كي يحكموا بالحقِّ والميزانِ
إني أيا قاضي الغرامِ سقيمةٌ
هلَّا استمعتَ لحجتي وبياني
هذا المسربلُ بالدموعِ أمامَكُمْ
هو سيدُ الإرهابِ في الأكوانِ
قد دَسَّ في قلبي حزاماً ناسفاً
ألغامُهُ قد شَرَّدتْ أجفاني
وأنا التي سادتْ صفاتُ محبتي
حتى تماهتْ بالهوى العينانِ
قلتُ اسمحوا لي في مرافعةِ الهوى
أن أعرضَ الإثباتَ بالبرهانِ
كلُّ النجومِ رأتْ شواهدَ غدرِهِ
واللهُ يشهدُ أنه آذاني
والشمسُ تعرفُ ظلمَهُ وظلامَهُ
حتى رمالُ الأرضِ منه تعاني
لا ترحموه وقد غدا أسطورةً
للذبحِ والتدميرِ والطغيانِ
ليكنْ قرارُكَ سيدي إعدامَهُ
شنقاً أو الإحراقَ بالنيرانِ
فالعدلُ تطهيرُ البريةِ كلِّها
من كلِّ طاغٍ من بني الإنسانِ
مَن بالمشاعرِ يلعبونَ تهكماً
مَن لا يقدسُ حرمةَ الوجدانِ
إنْ أنتَ لم تخترْ طريقاً سالماً
عبثتْ بقلبِكَ جمرةُ الأحزانِ
المصدر صحيفة لا / حاورها / عبدالرقيب المجيدي