نبيلة خبزان / لا ميديا

إن وسائل الإعلام في الحقيقة تخضع لسياسات دول أو شركات أو مؤسسات تستهدف دولاً أخرى تارة والمؤسسات الاجتماعية تارة أخرى، أو سياسة عالمية نحو قضية ما تتعلق بالوضع الدولي، فلها الدور الكبير في تكوين الوعي الكلي للمجتمع، سواءً كانت وسائل إعلامية مسموعة أو مرئية أو مقروءة، وخصوصاً المرئي منها والمسموع، كونها من أكثر الوسائل تأثيراً في الناس، لأن النفوس تنجذب إلى ما تراه وتسمعه أكثر مما تقرؤه، فلها القدرة على تسليط الضوء على موضوعٍ معين، وجذب اهتمام جماهير عريضة، وكذلك قادرة على تشكيل مخزون معرفي لهذا الجمهور، وتكوين صورة ذهنية لديه عن قضية معينة.
ومن هذا المنطلق، فإن الإعلام عندما يُستخدم للتضليل، إنما يلجأ إلى آليات نفسية في التأثير على عقول الناس وقلب الحقائق، وفيها يتم استهداف النفوس وقتلها من الداخل، وتحويل الإنسان إلى وحشٍ كاسرٍ فاقدٍ للمبادئ والقيم والأخلاق.. وبهذا يتضح لنا خطر الحرب الناعمة التي يقودها العدوان من الخارج وعملاؤه من الداخل، ضد أبناء المجتمع اليمني المقاوم، من خلال وسائل الإعلام المختلفة، بهدف خلق حالة من الاستسلام والخضوع لهيمنة دول الاستكبار، من منطلق الدعوات إلى السلام، والاحتفاء بالحياة، ورفض فكرة الحرب، في سعي حثيث إلى خلق حالة من التضليل الإعلامي؛ مفادُها إن ما يحدث في اليمن هو حالة من الصراع على السلطة، وليس عدواناً ويقابله محاولة الدفاع عن النفس.
(القلم سيف إن ملكته في سبيل الله سله
سخره للحق واحذر نزعة النفس وهواها
وإن عرفت أن ما أنت كفوه فاتركه واحذر تشله 
البشر واجب عليها تتقي الله في حكاها)

يطل علينا الشاعر الشهيد الحي عبدالمحسن النمري، في هذه القصيدة الرائعة، مُبيناً خطورة الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام، وحقيقة التضليل الإعلامي والتشويه الفكري الذي تُروج له من خلال أبواقها ومنابرها، فليس بالسيف وحده يموت الإنسان، وليست الرصاصة فقط هي من تقتل، بل الكلمة هي من تصنع أعنف وأبشع المجازر الفكرية، فالانحراف الفكري ينتج عنه تشوهات في العقل الجمعي للأجيال المتلاحقة، وإذا كانت القنبلة الذرية تدمر حياة على مدى عشرات الأجيال، فإن الانحراف الفكري يدمر حياة مئات الأجيال، ولا يمكن القضاء عليه إلّا بفكرٍ يناقضه ويدحضه ويُعريه، ويُخاطب العقل قبل العاطفة، ولهذا نرى الشاعر يجعل من القلم سيفاً، ويدعو إلى ضرورة تسخيره في سبيل الله ونصرة الحق والمستضعفين وتحقيق العدل، بعيداً عن نزعة النفس وأهوائها، ومن لم يكن كفؤاً لهذه المهمة، فليترك القلم تجنباً للانجرار في ما لا تُحمد عقباه من التضليل وتزييف الحقائق، نظراً لما تنطوي عليه مهمة الإنسان وحقيقة الاستخلاف على هذه الأرض من نصرة دين الله وتحقيق أوامره واجتناب نواهيه.
وهنا فإن القلم يُشير إلى الصحافة وما تحمله في مضامينها من خطابٍ إعلامي مقروء يصنعه النخبة من مفكري المجتمع، ويستهدف شريحة واسعة من القُرَّاء.. وفي المقطع التالي ينتقل بنا الشاعر إلى قسم آخر من أقسام الإعلام، وهو الفضائيات التي تمثل الإعلام المرئي، موضحاً حقيقة الدور الذي تلعبه قنوات التضليل الفضائية، بقوله:
(واجه التضليل واكشف زيف الأبواق المضلة 
الجزيرة والحدث أبواق الأمريكي شراها 
زيفت كل الحقائق وأنكرت كل الأدلة 
دجل إعلامي جريمة واضحة كلن يراها
من نوى لبس الحقيقة يا قلم يا حرف قلّه
نعرف الكلمة ونعرف كل دافع من وراها
أصبح الإعلام غربي قدموه بغير ملة 
نشرة الأخبار منهم والمنافق لي قراها)

لعبت قنوات التضليل الإعلامي مثل: الجزيرة والعربية والحدث وغيرها من الفضائيات، دوراً كبيراً في تضليل العقول وتزييف الحقائق، بما يخدم سياسة الهيمنة الأمريكية ومشاريع الصهيونية الاستعمارية، من خلال تزييف كل الحقائق وإنكار كل الأدلة التي تثبت ضلالها وتزييفها وممارستها لجرائم اغتيال العقول وتشويه الأفكار، وتحويل المجتمعات والرأي العام إلى قطيع يتبع إرادتها ويُنفذ توجهاتها، أي أن السياسة الأمريكية والصهيونية جعلت من تلك القنوات وأشباهها أبواقاً تابعةً لها، تنتقد وتهاجم من خلالها كل من وقف ويقف ضد مشاريعها وهيمنتها، لتصفه بأبشع التهم، وتنسب إليه كل الجرائم، وتحيك ضده كل الدسائس، وتؤلب عليه كل الرأي العام العالمي، بوصفه عدواً للإنسانية جمعاء، وما أكثر تلك المطابخ الإعلامية التي تُعِدُّ وتُنفذ وتنتج حالة التضليل والتزييف الكبيرة تلك، وخير دليلٍ عليها ما نعيشه الآن في حالتنا الراهنة في اليمن، وما نتعرض له من حرب إبادة جماعية بحق شعبٍ بأكمله في ظل صمتٍ عربي وتواطؤ دولي مازال يقف إلى جانب الجلَّاد ويُدين الضحية.
(والتواصل الاجتماعي اليهودي يستغله 
للتخابر والخلاعة والنفوس أذهب زكاها)

ينتقل الشاعر إلى مستوى آخر وصورة أخرى يتم من خلالها تزييف الوعي وممارسة التضليل، وهي وسائل التواصل الاجتماعي، التي اكتسحت الساحة وحققت انتشاراً واسعاً هَدَم مركزية الإعلام المتمثلة في وسائله الثلاث: (المقروءة، المسموعة، والمرئية)، وجعلت من كل فرد مركزاً إعلامياً قائماً بذاته، الأمر الذي أدى إلى تغييب الحقيقة وتشتيت صوت الحق، وتزاحم الأهواء والرغبات والنزعات الفردية، وزيادة الضياع والتشتت في ظل غياب الوعي الحقيقي والتمسك بالقيم والأخلاق والدين، وبدلاً من أن يتم تسخير وسائل التواصل الاجتماعي في ما يخدم القضية الواحدة والمصير المشترك، أصبحت الوسائل للتخابر والعمالة والارتهان وضياع البلاد، بالإضافة إلى ما يتم الترويج له فيها من الخلاعة والانحراف الأخلاقي والسلوكي والانسلاخ القيمي الذي يُذهب زكاء النفوس وطهارتها، تحت مسمى الحداثة ومواكبة التطورات، والثورة على الانغلاق والجمود، والانتصار لحرية الذات، وهذا الفهم الخاطئ لمعنى الحرية هو ناتجٌ أساساً عن المدخلات المعرفية المُضللة الخاطئة التي كرستها أبواق إعلام العدوان.
(وأنت يا وعي المواطن حارب التضليل وأهله
لا تخل النفس ساحة سايبة من جا غزاها)

ينتقل الشاعر من مستوى الخطاب الفردي إلى مستوى الخطاب الجماعي الذي يُقَدِّم النصيحة والموعظة، مخاطباً العقول قبل القلوب بالإشارة إليها من خلال النداء في (وأنت يا وعي المواطن)، مؤكداً على ضرورة محاربة التضليل وأهله، وأخذ الحيطة والحذر وصيانة النفس، في تصوير شعري بديع، يوحي بضرورة تحصينها، وعدم تركها (ساحة سايبة من جا غزاها).
(يا وطنّا لا تصدق ذه السخافات المُملّة)
حين يخاطب الشاعر الوطن، فهو لا يخاطب الجغرافيا بقدر ما يُخاطب عقول أبناء هذا الوطن، في صورتهم الجمعية، واصفاً التضليل الإعلامي وما تبثه جميع تلك القنوات بـ(السخافات المُملّة)، مؤكداً على ضرورة مقاطعتها وعدم الالتفات إليها، أو مشاهدتها حتى من قبيل الفضول المعرفي، لأن ذلك يُعَدُّ سماعاً للكذب، ومن يستمع لكاذب فإنه مثله بحسب النص القرآني:
(لا تكن سماع للكذاب وإلا صرت مثله
ذه حقيقة في كتاب الله يفهم من تلاها)

ومادام الإنسان متسلحاً بالوعي القرآني ومتحصناً بالإيمان والمعرفة الحقيقية، فإن كذب ودجل تلك الفضائيات لن ينطلي عليه، وخطرها لن يناله، فليست لها القدرة أن (تغطي الشمس في ساعة ضُحاها)، وإن الإنسان حين يتحصن بالوعي الحقيقي لن يضره كيد الكائدين، وخيانة الخائنين، وحشود المعتدين، فاليمن عبر التاريخ هي مقبرة الغزاة، وستظل كذلك مادام فيها الرجال الشرفاء المجاهدون المخلصون المتشربون بروح المسيرة القرآنية، والحاملون لمشاعل التنوير والهداية والحرية، ومادام فيها السيد المجاهد القائد العلم عبدالملك بدر الدين الحوثي، حفيد الكرار وحامل ذي الفقار، الذي سيَدُكّ حصون خيبر كما فعل جَدّه أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، من قبل، وبه سينتصر الحق، وعلى يديه سيتحقق السلام المُشَرِّف.
(نور ربي بايتمه لو نفخ في الكون كله
وعد ربي بايتمه مالك الأرض وسماها
قل لقرن إبليس يحشد ضدنا خيله ورجله
اليمن هي مقبرتهم نار تحرق من غزاها
سيدي يا شبل حيدر ذي الفقار اليوم سلّه
دك خيبر فوق مرحب والحصون وما حواها) 

 وهنا يتحقق وعد الله لعباده وجنوده وأوليائه، الذي وعدهم به في قوله جل جلاله: (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).