لماذا هذا الجشع الدموي الذي يظهره العدوان وقيادته وهو يقترب من مشارف الحديدة؟! كل شيء مباح فعله، لا قيم ولا أخلاقيات حروب ولا قواعد دينية إسلامية ضابطة ملزمة ولا قواعد وتقاليد عربية قبلية وقومية أخلاقية ولا حقوق إنسانية دولية وقانون دولي إنساني... أم أن ذئاب الحرمين قد رفعت عنهم الأقلام وجفت الصحف الثورية الوطنية اليسارية والقومية من أسلاف مناضلين كبار في تاريخنا الوطني، وخرست ألسنة دكاترة وبروفيسورات الحقوق والأدب والفلسفة والداعين طويلاً لكل ما هو جميل وأنيق وسلامي، ويدعون إلى تنظيف اليساريات والقوميات التقليدية من الأفكار القديمة الثورية وإزاله عهود الأيديولوجيات الوطنية والتحررية؟! فالعالم اليوم أضحى قرية مشتركة معولمة وانتهت الحواجز الإقليمية بين الأمم والقرى في نظره المتميز.
ضباع الفكر والسياسة
هؤلاء المناضلون الذين كنا نحسبهم كباراً عندما كانوا يخدعوننا بأنهم دعاة القيم الأخلاقية والدينية ورعاة الثقافة والحضارة والحوار، هؤلاء سقطوا اليوم عند أول اختبار حقيقي، فوقفوا مع الجلاد ضد الضحية، ومع المعتدي والغازي والمحتل ضد أهليهم وأبناء شعبهم.
أرواح لا تسمع استغاثات وجراح اليمنيين لأنهم أحرار، أصوات المستغيثين من أطفالنا وأهلينا وشعبنا الذين تهرسهم آلة العدوان الحربية والتي بلغت خلال الأعوام الماضية ملايين الصواريخ الجوية فقط...
ألم تصل إليهم تلك الاستغاثات والصرخات والمناظر والوقائع البشعة؟!
إنهم لا ينكرون ذلك، بل هم يؤكدون في مواقفهم وأقوالهم بفخر وقح سماع كل ما يجري ويرون كل ما يحصل من كوارث ومآسٍ وعدوان، لأنهم مشاركون فيه بشكل مباشر وغير مباشر، فهم مستشارون وقادة ومتحزبون ومخربون وجواسيس ومقدمون في مجالس العدوان وسفاراته ومخابراته وكياناته الوظيفية الأمامية والمتقدمة، هؤلاء الذين أباحوا حرماتنا وأفتوا بانتهاك كل مقدساتنا وشرعنوا لجرائم العدوان التي جرمتها منظمات وحكومات العدو نفسه.

دعاة الموت عدوان
هؤلاء الأفاكون الذين لا يغضبون لانتهاك الحرمات في بلادهم، ولا يغيظهم أي فعل للعدوان الذي يرونه بريئاً سلفاً وما يقوم به ضرورة تاريخية باعتباره يدافع عن الأمن القومي العربي والأممي وقيم الحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، ويجب القبول بسيطرته وهيمنته الدولية واحتلاله للأوطان كأمر واقع موضوعي، فلماذا رفع الشعارات المتطرفة الداعية لكراهيته؟ ولماذا الدعوات إلى رفع السلاح في وجهه؟ ولماذا مقاومته بالعنف؟ فكل ذلك بحسب هؤلاء الأفاكين عمل غير حضاري.
منذ بداية العدوان مرغ شبابنا الأحرار الوطنيون أنوف هؤلاء في التراب وهم مازالوا بيننا يدعون إلى الحياد حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، والحق من الضلال، وهاهم في وعلى روث مومسات العدوان يحيون ويأكلون ويتمتعون ويملؤون بطونهم ورؤوسهم منه، مثل هؤلاء كثر بيننا ومازالوا رغم 4 سنوات من العدوان يأكلون على الضفتين وخطوطهم مفتوحة مع الجانب الآخر على جبهة العدوان عبر قنوات الحوار والتواصل الاجتماعي، إنهم في الحقيقة ضباع آدمية. 
درويشهم الهمام لا يعنيه إن ذبح فقراء اليمن أو أفني الشعب بأكمله، فذلك ليس شعبه، لأن عجوز الحرب الاستعمارية الشمطاء بريطانيا وتعاليمها هي التي أرضعته منذ كان صغيراً، لذا فهو يهيم بها عشقاً وخادم مطيع لها.
هو لا يغتاظ أبداً من إفناء ملايين اليمنيين جوعاً وقتلاً وحصاراً وأمراضاً وقهراً بفعل العدوان، وإنما يعتبر ذلك من موجبات تأديب الملايين الذين تجرؤوا على أسيادهم وأولياء نعمتهم من ملوك وأمراء وشيوخ اللجنة الخاصة، الذين فضحوا عملاءها وزبانيتها وقواديها ومؤسساتها ونشروا أسماءهم على الملأ.
لم يغضب علناً، لم يثر لكرامته وشرفه ولو مكابرة، لكنه يغتاظ ويعترض كلما صدرت كلمة من هنا أو هناك حول الحل السياسي والحوار والمفاوضات وتخفيف استهداف المدنيين أو تطبيق هدن إنسانية.

لا يرون إلا ما يريهم شيوخ النفط
المشكلة اليمنية في نظره ليست في العدوان ولا في الحرب كحرب، وإنما في تطاول المواطن اليمني البسيط الحر على رفع السلاح في وجه جلاديهم واللصوص ودعاة الوصاية، ويغيظه أن يجد المواطن اليمني قد كف عن أن يخاف ويرتعد من العدوان بكل آلته العسكرية وجرائمه البشعة.
فلماذا العدوان والحرب؟ ولماذا أتوا لنا بالأجنبي بهراواته الغليظة؟
لقد استجلبوه فقط لتأديبنا باسم الشرعية والتوافق السياسي والتفاهمات الدولية، وتمزيق الوطن تحت مسميات عديدة من ابتكاره، فهناك القضية الجنوبية والشمالية والغربية والشرقية والخليجية والدولية... أما قضية الشعب اليمني فلا يتحدثون عنها ولا يعيرونها أي اهتمام.
فعندما تجرأ هذا المواطن اليمني البسيط الشجاع الحر على رفض الوصاية والتبعية والإقطاع والاستعمار والاستبداد والتفريط، غضبت السفارة الأنجلو سكسونية، وغضب لغضبها ألف سيف ولم يهدأ غضبهم بعد، بل ولا يدرون لم غضبوا! ولا فيما غضبوا! إنه الغضب الريعي المقدس، غضب من يملك لا من يستحق، إنهم كبار الملاك اللصوص في اليمن، تلك هي القضية في الأساس، أرادوا إذلالنا فأبينا أن نقر الذل فينا في وثيقة العار الشهيرة، أرادوا استعبادنا قروناً جديدة فثرنا ورفضنا العودة إلى تحت النير القديم، حيث واصل شعبنا المقهور خمسين عاماً عجافا من الكفاح الشعبي الوطني من الجبهات القومية إلى اليسار الشعبي الثوري الوحدوي إلى الأنصار القرآنيين، إنها مسيرة كفاح واحدة ممتدة في الزمن اليماني منذ آلاف الأعوام، فصرخوا: المجد للأحرار لا للطواغيت وعبيدهم، الأحرار الآتين من رحم الأرض؛ من جبالها وتلالها وصخورها وترابها ومائها وهوائها وعبقها وعرقها وكهوفها ومغاراتها وملاذاتها في النوائب والأخطار والملمات.
تلك هي القضية والمظلومية والنزاع والحرب، لكن ولأن هؤلاء الأسياد كانوا قد أترفوا وفسقوا وأفسدوا ونسوا شرف القتال لأنفسهم وبأنفسهم، فقد استنصروا ملوك وأمراء الإقطاع الإقليمي والعالمي، فانتفض العالم الإقطاعي برمته وجلبوا قواتهم وأحدث ترسانتهم العسكرية ومرتزقتهم، لأمر بسيط وواضح لنا نهايته وبدايته وهو إعادة العفريت إلى القمقم، لكن وعلى مدى التاريخ هل استطاع النظام القديم أن يعود مرة أخرى في أي بلاد في العالم؟ طبعاً لا.
سنة الله الثابتة في كل الأمم وعلى مدار التاريخ تتمثل في أن الغلبة للمظلومين المستضعفين، لأهل الأرض وبُناتها وكادحيها وأحرارها، فهل غلت عقول اليسار وصار عليها إقفالها؟ أم ران على قلوبها بعد إذلالها بمال النفط الملوث والمدنس، فلم تعد ترى إلا ما يريها أرباب نعمتها من شيوخ النفط؟!

أجندة المحتل  بمزاعم "الشرعية"
(إنها طروادة والسيطرة عليها وعلى ثرواتها وتدميرها وليس استعادة زوجتك الجميلة هو ما جاء بي إلى الحرب يا أخي الملك), ذلك ما قاله ملك أثينا مخاطباً أخاه ملك إسبرطة الغاضب لهروب زوجته الجميلة هيلينا مع أمير طروادة الصغير باريس.
كان ملك أثينا التوسعي الإمبريالي (اجممنوم) يحلم طويلاً بالسيطرة على أرض طروادة الشرقية الحرة واسترقاق شعبها الحر بالقوة بعد أن استعصت عليه بالمناورة السياسية. هذا المثال فيه مقاربة لحال العدوان الذي يزعم أن هدفه إعادة الشرعية بينما في الحقيقة أهدافه احتلالية استعمارية. والحال أيضاً يشبه تهريب الملك لويس السادس عشر في الثورة الفرنسية إلى الحدود ليأتي على رأس الغزاة الأجانب (الألمان والنمساويين) باسم إعادة الشرعية إلى كرسي الملك الذي خلعه عنه شعبه، كما يشبه الحال في الثورة العرابية بهروب الخديوي الذي ثار عليه الشعب المصري بأغلبيته الفلاحية وجيشه ليستقبل الإنجليز ويأتي بهم على رأس جيوشهم إلى القاهرة لإعادة الشرعية كما قالوا، ولكن في الحقيقة التاريخية أن الطرفين كانا واعيين لما يريدانه ويفعلانه وأي مصالح يرغبان بتحقيقها.
كان الأجنبي يطمع في احتلال القطر المصري المستهدف، فقد كان الملك الجالس على العرش ألعوبة بأيدي الأجنبي وأداة لنفوذه مقابل حماية العرش من مخاطر الداخل والخارج، ومقابل ذلك يدفع حصصاً من الثروة والسيادة العامة ويتم مراقبة وحماية النفوذ الأجنبي، عبر الزواج والنساء والمناورات والطبقة المالكة للثروة العامة، واعتبار الملك المحلي مديناً للأجنبي الحامي بإرسال جيشه إلى جانبه عند الطلب.