علي نعمان المقطري / لا ميديا

مازالت رحى العدوان تدور في حربها على الحديدة منذ سنوات وأسابيع متوالية دون توقف، ويستميت العدو في السيطرة عليها، ليس لأهميتها العسكرية فحسب، بل ولأهميتها الاستراتيجية الأشمل، ويمكن تلخيص أهميتها في نظر العدوان بصورة موجزة في عدة محاور:

1- إن السيطرة على الحديدة بما فيها من مرافق هامة مثل الميناء، المطار، القواعد البحرية والجوية، تعني التمدد الاستراتيجي في قلب العمق البشري للقوى الوطنية، حيث باستيلائه على تلك المقومات يحرم القوى الوطنية من قيم وقدرات قيمة هي في أشد الحاجة إليها، وأشدها خطورة سحب عدة ملايين من السكان من المدينة وإبعادهم وعزلهم عن الحالة الوطنية ووضعهم في جحيم الاحتلال، وهذا يسحب من منسوب قوى الصمود والمقاومة ويرفع من منسوب قوى العدوان والاحتلال ويرفع من معنوياتهم.
2- حرمان الكتلة البشرية المقاومة للعدوان، المقدرة بخمسة ملايين إنسان، من أبسط الضرورات البشرية الإنسانية (الغذاء والدواء والكساء والعلاج والتبادل التجاري والعلمي)، ثم إجبارهم على الخضوع لإرادة العدوان وتحقيق أهم أهدافه المتمثل في حرمان اليمن من آخر المنافذ الحيوية للاتصال بالعالم الخارجي والعربي.
3- توسيع رقعة الاحتلال السكانية والجغرافية، مما يضاعف مساحة وقوة الاحتلال، بإضافة رصيد جديد إلى رصيده، وهو ما يحتاج إليه العدوان ليدعي شرعية الأغلبية التي يمتلك حق الحديث باسمها زوراً في المحافل الدولية.
4- إن السيطرة على الحديدة يُكسب العدوان طاقات إضافية في السيطرة على أقاليم جديدة من تعز وإب وريمة والبيضاء والمناطق الوسطى، التي يراهن فيها على لعبة الطائفية المذهبية من خلال احتلالها لتوسيع المحيط الاحتلالي تمدداً نحو تشديد الحصار على العاصمة تمهيداً لاجتياحها.
5- تغيير التوازن السكاني القائم الآن حيث الأغلبية المقاومة للاحتلال والعدوان، لأن قلب وتغيير الحالة الراهنة لصالحه إحدى أهم غايات العدوان الاستراتيجية، ويرتبط ذلك بمصيره في الأمد البعيد، فهو يعرف يقيناً أن نهايات الحروب تقرر فقط بقدرة الأمم على تحمل الأكلاف والخسائر المؤلمة الناتجة عن الحروب، وهذا لا يكون ممكناً إلا للأمم كثيرة السكان التي يكون بمقدورها احتمال خسائرها البشرية والمادية في المواجهات الحربية، حيث يمكنها تجنيد العدد الذي تريده والمستعد للتضحية في سبيل حريته وكرامته والتطوع طويلاً لخوض المعارك الوطنية التحررية، ولذلك لا خوف على أمتنا مادامت أغلبية الشعب اليمني تحتضن ثورته وتدافع عنها برضى وحماس وقناعة وتحدٍّ وشعور غامر بالكرامة والشرف، واعتباره واجباً دينياً وأخلاقياً وعقيدياً ملزماً للذات، والإيمان الحق بأنه لا يتم سلامة الدين والشرف إلا به وبالجهاد في سبيله وبذل الأرواح والمهج على طريقه. 
إن العدوان يدرك هذه الحقيقة جيداً ويعتبرها الورقة الأهم استراتيجياً في توازنات الحرب والسلام، وهي تميل لصالح الوطن وقواه المقاومة الحرة، وقد جرب العدو طوال سنوات العدوان الهمجي الأربع وأدرك أنه لا يمكن تغيير نتائج الميدان العام إلا بتغيير معادلة السكان وبتغيير توازناتها الكمية والنوعية، أي السيطرة على الأرض وثرواتها وسكانها الأحرار، بإفناء المزيد منهم وهزيمتهم حربياً وخنقهم بالجوع والأمراض الخبيثة والجوائح والفيروسات الوبائية وغيرها لتحصد الملايين من الأحرار، فهو يقتل الأطفال والسكان بالصواريخ والأدوية الفاسدة والقنابل المحشوة بالكيماويات السامة والعناصر المشعة التي تسمم الأبدان وتفتك بالسكان. وليس من قبيل المبالغات أن تتحدث المؤسسات الدولية الحقوقية والقانونية الإنسانية عن أن ملايين اليمنيين في مناطق السيطرة الوطنية يتعرضون للموت والفناء ضمن برامج مخططة بعناية، في أكبر كارثة بشرية لا مثيل لها في العالم الآن.
6- تحويل الحديدة إلى أكبر قاعدة عسكرية للإمدادات اللوجستية للعدوان والاحتلال على الساحل حيث توفر القاعدة البنيوية للتحشيد والتجنيد والتدريب لغزو محافظات الهضبة الداخلية المحررة من الوطن ومنها يتم مواصلة التعمق.
7- ربط الحديدة مباشرة بقيادة العدوان في جيزان وتحويلها إلى قاعدة قيادية متقدمة على الأرض للعدوان تكون مركزاً للسيطرة على السهل الساحلي التهامي ونقل المعركة من سياقها
الخارجي العدواني المباشر وإظهارها كمعركة داخلية طائفية وجهوية تشرعن للتدخلات الاستعمارية الأجنبية وتبرر احتلالها.
8- إقامة رأس جسر كبير على شاطئها الطويل لحماية مراكز الاحتلال في الجنوب وغرب تعز وشمال الساحل الغربي، وإكمال السيطرة على البحر الأحمر وباب المندب والجزر اليمنية والشواطئ والموانئ والثروات الطبيعية لتطويق المنطقة العربية والأفريقية من جنوبها وشرقها، وقد سيطرت أمريكا وإسرائيل على هذا البحر من شماله وجنوبه، وهي الآن بحاجة إلى إكمال السيطرة على الجزء المتبقي من الساحل اليمني.
9- إقامة مناطق أمنية استعمارية دولية على ساحل البحر الأحمر تحت السيطرة الأجنبية مباشرة، بذريعة تأمين الملاحة الدولية في البحر الأحمر تكون ستاراً للاحتلال العسكري والسيطرة على السواحل اليمنية والجزر وباب المندب ومواصلة التدخلات الأجنبية في اليمن ومد أسباب الصراعات والحروب الأهلية، وهو جوهر تحركاته في المنطقة الساحلية.
لا ننسى أن تهديد إسرائيل بالسيطرة على البحر الأحمر قد ظهر من زمن بعيد -بعد نكسة السادات وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد- وجعل إسرائيل والسعودية تتوحدان استراتيجياً في قوة إمبريالية واحدة مشتركة تخدم غايات استعمارية مشتركة، إحداها محاصرة المشروع العربي التحرري الاستقلالي ومحاصرة مصر والشام من الجنوب. وتزداد أهمية البحر الأحمر وخليج عدن والقرن الأفريقي مع تراجع المشروع الإمبريالي الغربي الصهيوني السعودي المشترك في شمال المنطقة العربية المركزية وزيادة حدة المواجهة والمنافسة على هذا الحوض والمنفذ الحيوي التجاري بين القارات الذي يجري التحكم عبره بمرور ملايين البراميل من النفط يومياً، حيث تملؤه القوى الاستعمارية بالقواعد العسكرية والجيوش والأساطيل الأجنبية، وتصبح أهمية السيطرة على الحديدة والساحل الغربي في مقدمة اهتمامات العدو والقوى الإمبريالية الدولية التي يسيل لعابها على ما تمتلكه اليمن من ثروات طبيعية ومواقع استراتيجية حاكمة بصفتها جوهرة العقد وحلقة المركز في استراتيجيتها.
إن ميناء الحديدة له أهميته الجيوسياسية والاقتصادية، ويشكل أحد أهم مصادر الدخل الوطني راهناً، كما يشكل تهديداً للحركة التجارية لموانئ دبي والخليج العربي، وتسعى الإمارات للسيطرة عليه وتدمير دوره الوطني وتوظيفه في خدمة نشاطها التجاري واقتصادها.