"نيويورك تايمز": الانسحاب الإماراتي من اليمن يغضب السعودية
أبوظبي تغرق الرياض في موانئ اليمن.. ماذا حدث خلف الأبواب المغلقة؟

"ضربة للمجهود الحربي السعودي". هكذا وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" قرار دولة الإمارات سحب أغلب قواتها باليمن، استنادا إلى مصادر دبلوماسية غربية أكدت أن القرار أثار غضب السعوديين.
وقالت الصحيفة في تقرير لها إن السعوديين كانوا محبطين جداً من قرار أبوظبي، الذي بدأت وسائل إعلام تداوله منذ شهر، إلى أن أكده مسؤول إماراتي لوكالة "رويترز" هذا الأسبوع.
وأوضح الدبلوماسيون الغربيون أن مسؤولين كباراً في الديوان الملكي السعودي حاولوا التدخل لدى الإمارات لمحاولة ثنيها عن القرار، دون جدوى. وفي المقابل، حاولت أبوظبي تجنب إعلان قرارها بشكل علني ورسمي، لتقليل عدم رضا السعوديين عنه.
لكنّ مسؤولاً في السفارة السعودية بواشنطن نفى للصحيفة الأمريكية حزن قادة المملكة للانسحاب الإماراتي، مؤكداً أن البلدين "يبقيان متحالفين استراتيجياً حول أهدافهما في اليمن"، حسب تعبيره.
وبحسب الصحيفة الأمريكية فإن الدبلوماسيين الغربيين أكدوا أن الإماراتيين بدؤوا بالفعل تقليصاً كبيرا لقواتهم في اليمن، وأن ما دفعهم لذلك هو رغبتهم بالانسحاب من حرب أصبحت كلفتها عالية جداً، حتى وإن أدى ذلك لإغضاب حليفتهم السعودية، رغم حديثهم الإعلامي منذ أسابيع عن انسحاب "جزئي وتدريجي".

الإمارات تورط السعودية
بعد أن ورطت أبوظبي السعودية في حرب اليمن خلال 4 سنوات، وما زالت، ولطخت سمعتها أمام العالم بسبب الجرائم التي تُرتكب ضد المدنيين اليمنيين، أعلنت الإمارات خفض قواتها هناك بشكل كبير أقرب إلى الانسحاب.
وفي خطوة غير متوقّعة، أعلنت الإمارات، الاثنين، أنها تقوم بعملية إعادة انتشار في اليمن تشمل خفض عديد قوّاتها في مناطق يمنية، بينها الحديدة (غرب).
الخطوة الإماراتية أثارت ردود فعل كبيرة، خاصة فيما يتعلق بأسبابها الحقيقية وتأثيرها على التحالف بين أبوظبي والرياض، السيئ السمعة دولياً، ليظل السؤال الكبير: ماذا حدث خلف "الأبواب المغلقة" بين الدولتين قبل أو بعد قرار أبوظبي الأخير؟
وقالت 4 مصادر مطلعة، لـ"رويترز"، إن القوات السعودية في اليمن اتخذت إجراءات لتأمين ميناءين استراتيجيين في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بعد أن خفضت حليفتها الرئيسية الإمارات وجودها العسكري هناك بشكل كبير.
وقال قياديان عسكريان يمنيان ومسؤولان في حكومة المرتزقة إن ضباطاً سعوديين تسلموا قيادة القواعد العسكرية في ميناءي المخا والخوخة، وكانت القوات الإماراتية تستخدمهما لدعم الحملة العسكرية التي كانت تستهدف السيطرة على الحديدة القريبة ولمراقبة الساحل.
كما أرسلت الرياض عدداً غير محدد من القوات إلى مدينة عدن الساحلية، وإلى جزيرة بريم الصغيرة البركانية في مضيق باب المندب، وهو ممر استراتيجي للملاحة يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن.
ويرى محللون أن إعلان الإمارات خفض عديد قواتها في مناطق يمنية يهدف إلى حماية صورتها في الخارج، التي قد يهدّد النزاع اليمني بالإساءة إليها، علماً أنه قد يؤثر على علاقتها الوثيقة مع السعودية في مرحلة تتسم بتوتر شديد مع إيران، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب).
وتنقل (أ ف ب) عن الباحث في "كينغز كولدج" في لندن، أندرياس كريغ، قوله إنّ "المخاطر المحدقة بسياسات الإمارات وصورتها وعمليّاتها على الأرض كانت بعيدة عن المكاسب التي توقّعتها" أبوظبي من وجودها في اليمن.
ومنذ التدخل السعودي على رأس التحالف، قتل وأصيب عشرات آلاف اليمنيين، غالبيتهم من المدنيين، في نزاع تقول الأمم المتّحدة إنّه تسبّب بأكبر أزمة إنسانية في العالم، ووضعت أفقر دول شبه الجزيرة العربية على حافة المجاعة.
وتعتبر وكالة الأنباء الفرنسية أنه قد يكون السعي لحماية صورة الإمارات في الخارج، على خلفية دورها العسكري في اليمن، أحد أهداف هذه الخطوة، في وقت أشارت فيه منظّمات حقوقية إلى حدوث "جرائم حرب" في هذا البلد.
وبحسب كريغ، فإنّ سمعة الإمارات، المتحالفة مع الولايات المتّحدة والساعية لإبراز صورتها كشريك ليبرالي لواشنطن في المنطقة، تلقّت "عدة ضربات" بسبب حرب اليمن.
وكانت منظمة العفو الدولية تحدّثت العام الماضي عن انتهاكات في مجال حقوق الإنسان ترقى إلى "جرائم حرب" في سجون يمنية قالت إنّ الإمارات أدارتها، وهو ما نفته أبوظبي بشدّة.
ويوضح كريغ أنّ "الانتهاكات لحقوق الإنسان ومقرّات التعذيب (...) أضرت بموقع الإمارات العربية المتّحدة في الولايات المتّحدة".
والأسبوع الماضي، حذّر سيناتور أمريكي من أنّ واشنطن قد تعلّق مبيعات الأسلحة للإمارات على خلفية تقرير أفاد بأنّ أبوظبي أرسلت أسلحة إلى قوات ليبية في انتهاك لحظر توريد السلاح المفروض من الأمم المتّحدة.
وبالنسبة للخبير في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي، فإنّ الخلافات المتزايدة مع إيران قد تكون ساهمت في قرار خفض عديد القوات، موضحاً أنّه في حال أدّت هذه الاختلافات إلى "نزاع عسكري، فإن الإمارات والسعودية ستكونان أرضاً للمعركة".
ويتابع: "أعتقد أنّ الإماراتيين يريدون أن يكونوا مستعدين لذلك، رغم أنّهم لا يريدون مواجهة عسكرية مع إيران".
وترى الباحثة في "مجموعة الأزمات الدولية" اليزابيث ديكينسون أنّ "التوترات مع إيران لم تكن الدافع الأكبر (لخفض عديد القوات) (...) لكنّها تسبّبت بالتأكيد بتعقيد الأمور".
وتذكر أنّ أبوظبي شعرت بالقلق تجاه "التصعيد الأخير في الأشهر الماضية، وقرّرت أنّ تحد من المخاطر عليها".
وبالنسبة إلى كريغ، فإن القرار الإماراتي يساعد على نقل القوات إلى الداخل في ظل التوترات مع إيران، علماً أنّ السعودية لن تستطيع التعامل بالطريقة ذاتها مع "المستنقع اليمني".
ويقول دورسي: "خلف الأبواب المغلقة، لن يكون السعوديون سعداء، لكنني لا أعتقد أنّ لدى السعودية أو الإمارات أي رغبة بإحداث شرخ".
وتبنّت الدولتان طوال سنوات مواقف مماثلة من القضايا الاقليمية، وتعمّقت هذه العلاقة مع دخول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان دائرة الحكم في الرياض.
وترى ديكينسون أنّ "لا أحد باستثناء هؤلاء الذين كانوا في الغرفة نفسها يدركون طبيعة العلاقة بين الطرفين، لكن يمكن تخيل أنّه كانت هناك محادثات صعبة في الأسابيع الماضية".