سبنسر بوكات ليندل 
صحيفة نيويورك تايمز - ترجمة خاصة لـ «لا»: زينب صلاح الدين / #لا_ميديا -

كشف الرئيس ترامب عن خطته لإنهاء أحد أقدم الصراعات وأكثرها عنفاً في العالم يوم الثلاثاء بما سماه "صفقة القرن". والاقتراح المؤلف من 180 صفحة، وتم صياغته دون مشاركة الفلسطينيين، من شأنه أن يضمن لإسرائيل معظم مطالبها مقابل إمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل ولكن بسيادة محدودة. . وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد رحب بحماسة بالخطة كما هو متوقع، واستهجنها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وهذه هي العناصر الأساسية للخطة؛ لماذا هي مثيرة للجدل إلى هذا الحد؟ وكيف يستجيب الناس حالياً من مختلف جوانب هذه القضية؟ 

"سيتم إعادة رسم حدود إسرائيل"
الخلفية: تم تشكيل دولة إسرائيل بعد الحرب الإسرائيلية العربية عام 1948, التي تركت إسرائيل تسيطر على 78 بالمائة مما كان في السابق دولة فلسطين المحكومة بريطانياً. وبعد حرب الأيام الستة في العام 1967 سيطرت إسرائيل على 22 بالمائة من الأراضي الفلسطينية المتبقية، بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء من مصر ومرتفعات الجولان من سوريا. 
واليوم يوجد تسعة ملايين مواطن إسرائيلي منهم تقريباً 1,9 مليوناً من العرب. 
في الأراضي المحتلة من الضفة الغربية حيث يخضع الفلسطينيون للقانون العسكري الإسرائيلي يوجد ثلاثة ملايين عربي أغلبهم يعيشون في ظل السلطة الفلسطينية شبه المستقلة. 
ويعيش حوالي مليوني عربي أيضاً في غزة تحت حكم حماس التي تصنفها الولايات المتحدة وبلدان أخرى كمنظمة إرهابية- محاصرين من قبل إسرائيل. 
نظرت بعض المقترحات الخاصة بحل الدولتين إلى حدود ما قبل 1967 على أنها جليلة، حيث يمكن رسم خطوط للدولة الفلسطينية الجديدة عليها. وستخصص خطة ترامب 70 بالمائة تقريباً من الضفة الغربية للسيطرة الفلسطينية؛ والتنازل عن الأرض الإسرائيلية بالقرب من غزة سيعوض الـ30 بالمائة الباقية من الأرض. 
النقطة الحرجة: الضفة الغربية مليئة بالمستوطنات الإسرائيلية، التي يعتبرها معظم العالم غير قانونية. 
وبموجب الخطة, ستجمد إسرائيل بناء مستوطنات جديدة لمدة أربعة أعوام، لكنها في الوقت ذاته ستضم المستوطنات القائمة بالإضافة إلى وادي نهر الأردن. 
وكنتيجة سوف يتم تفريق الأراضي الفلسطينية على شكل سلسلة من الجزر في بحر من الأراضي الإسرائيلية. 
كتبت ديانا بوتو، وهي محامية ومستشارة سابقة لمنظمة التحرير الفلسطينية: "تدعم خطة ترامب عقيدة نتنياهو القائلة بأن القوة دائماً على ما يرام بالنسبة لإسرائيل". وقالت إن "إعادة رسم إسرائيل لبناء المستوطنات يبعث رسالة واضحة لبقية الديكتاتوريات في العالم أنها أيضاً تستطيع فعل ما يحلو لها، وأنها هي أيضاً سيتم إعادة رسم حدودها ومكافأتها (...). كل بلد تحت التهديد في أنحاء العالم سوف يسمع أنه سيتم غزوه وتقسيمه وسرقة أراضيه وحرمان شعبه من الحقوق". 
قال ميكاه غودمان: "إلا أن الخطة سوف تعيد تكوين الصراع، والتي يمكن أن تقدم فرصة لتقليصه. وعلى الرغم من أن الصراع لن ينتهي, إلا أنه سيكون مختلفاً: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو صراع بين الاحتلال والمحتلة أرضهم. لكن بعد هذه الخطة سيصبح صراعاً بين كيانين سياسيين منفصلين، وهذا نموذج جديد كلياً". 
كتب مجلس تحرير "وول ستريت جورنال" أن الاعتراف ببعض توسعات إسرائيل الإقليمية منذ 1967 يعكس ببساطة التغيرات في الحقائق السياسية، لأن الفلسطينيين يرفضون اتفاقات السلام السابقة. ويقول: "لا أحد جدي في إسرائيل يتوقع أن يتم هدم المستوطنات الإسرائيلية". 

لا ينبغي أن يكون هناك حق عودة
أدت حرب عام 1948 إلى هروب أو طرد نحو 700,000 فلسطيني من منازلهم، ما خلق أزمة لجوء لا تزال عالقة بلا حل حتى الآن. واليوم يصل عدد هؤلاء اللاجئين وأحفادهم على امتداد المنطقة إلى حوالي خمسة ملايين. 
يؤمن الكثير من الفلسطينيين بأن لهم الحق في العودة إلى ممتلكات ومنازل أجدادهم، الأمر الذي ينسجم مع قرار الأمم المتحدة 194. 
والخطة ترفض هذه الفكرة بشكل صريح. فلا يمكن أن تقبل إسرائيل بحق العودة دون التخلي عن هويتها الديمقراطية أو اليهودية، كما شرح أليكس وارد في "فوكس" لأن مسألة تجنيس الكثير من غير اليهود تهدد غالبية اليهود في دولة يهودية. 
فكرة "حق العودة" منافية لحل الدولتين وللسلام وفقاً لتسيبي ليفني، وزيرة خارجية إسرائيل السابقة. وقد كتبت في 2018 أن "دولة إسرائيل بحكم تعريفها هي الإجابة على الطموح القومي للشعب اليهودي، حيث امتصت إسرائيل اللاجئين اليهود من كل أنحاء العالم (...). وخلق الدولة الفلسطينية بحكم التعريف أيضاً يقدم الإجابة على كل الشعب الفلسطيني بأسره أينما كان بمن فيه اللاجئون الفلسطينيون". 
ويجادل يوسف منير، المدير التنفيذي للحملة الأمريكية من أجل حقوق الفلسطينيين والمواطن الفلسطيني في إسرائيل: "لكن بالتحديد مطالب الفلسطينيين التاريخية على الأرض الإسرائيلية هي التي تجعل حل الدولتين أمراً لا يمكن الدفاع عنه". ويقول إنه بالنسبة لأفضل جزء من القرن حاولت القوى الغربية عدة مرات "تلبية المطلب الصهيوني بدولة ذات أغلبية يهودية في أرض يسكنها ويكتسحها الفلسطينيون". ويقول إن هذه دائرة لا يمكن تربيعها أبداً. بدلاً من ذلك "يجب أن يعمل الإسرائيليون والفلسطينيون معاً لتشكيل دستور يحوي حقوق الجميع". 

ستبقى أورشليم (القدس) العاصمة المستقلة لدولة إسرائيل
بموجب خطة ترامب ستكتسب إسرائيل السيادة الرسمية على القدس كعاصمة غير مقسمة لها، بينما ستستقر العاصمة الفلسطينية في الأطراف الخارجية للمدينة خلف الجدار القائم. وأهمية المدينة كموقع مقدس للأديان الإبراهيمية الثلاثة قد جعلها نقطة مركزية للنزاع في مفاوضات السلام. 
كتبت بوتو في 2017: "في ظل خطة التقسيم في العام 1947 التابعة للأمم المتحدة لم يكن يقصد أبداً جعل القدس عاصمة لأي بلد, ولكن مدينة مشتركة تحت نظام دولي بسيادة لا تعتمد على إسرائيل أو الفلسطينيين". وفي 1980 اعتبرت الأمم المتحدة إعلان إسرائيل للقدس كعاصمة موحدة لها انتهاكاً للقانون الدولي. 
لكن خطة ترامب تنص على أن العودة إلى القدس المقسمة سيكون "خطأً فادحاً"، خاصة وأن ذلك سيستلزم "امتلاك قوتين أمنيتين منفصلتين في أكثر المناطق حساسية على وجه الأرض". والعديد من اليهود الإسرائليين مثل الكاتب شموئيل روزنر يعتقدون أن القدس "هي عاصمتنا وستكون كذلك دائماً". 

دولة فلسطينية منزوعة السلاح 
تضع خطة ترامب جانباً هدف إقامة الدولة الفلسطينية الكاملة؛ ووعد ترامب بأن يتمكن الفلسطينيون من "تحقيق دولة مستقلة لهم"، لكنه لم يقدم سوى القليل من تفاصيل. قال نتنياهو إن الصفقة قدمت "تمهيداً لدولة فلسطينية" تحت شروط لم يتم تحديدها بعد. 
وأوضح المراسل الإسرائيلي أمير تيبون أنه مع ذلك سيفتقر هذا الكيان المستقبلي إلى خصائص معينة لدولة ما. "فستكون شوارع كل مدنها وضواحيها وأريافها وكذلك الطرقات المتصلة بها تحت السيطرة العسكرية الكاملة لدولة أخرى، هي إسرائيل. لن يكون لها سيطرة على حدودها التي ستتحكم بها أيضاً إسرائيل". 
وجادل ناثان ثرال في هذا الشأن قائلاً بأن ترامب، الذي يشبه كثيراً سابقيه من الديمقراطيين والجمهوريين ليس إلا، يعطي لإسرائيل غطاء للإبقاء على ما يعرف بالوضع الراهن. واستطرد: "إسرائيل بصفتها صاحبة السيادة الوحيدة التي تسيطر على الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط تحرم الملايين من عديمي الجنسية من حقوقهم المدنية الأساسية وتقيد حركتهم وتجرم الخطاب الذي يمكن أن يضر "النظام العام" وترميهم في "معتقل إداري غامض" بدون محاكمة أو تهمة، وإجبارهم على التخلي عن أرضهم". . لكن هيئة تحرير "أورشليم بوست" تعتقد بأن الصفقة تحقق التوازن الصحيح بين تطلعات الفلسطينيين والأمن الإسرائيلي. 
وكتبوا: "يجب أن يتم نزع السلاح من حماس، ويجب أن يتم إيقاف دفع الأموال للإرهابيين، ويجب أن ينتهي الفساد، ويجب أن تحترم حقوق الإنسان". 
كما كتب الصحفي الإسرائيلي ماتي فريدمان: "أحد كوابيس إسرائيل أن تتبع المملكة الهشة في الأردن جيرانها سوريا والعراق إلى الانهيار ونحو المسار الإيراني الذي قد يعني أنه إذا لم تحتجز إسرائيل الضفة الغربية ستتمكن دبابة إيرانية من القيادة مباشرةً من طهران إلى ضواحي تل أبيب". 
وكتب كاتب العمود في "ذا تايمز"، بريت ستيفنز "على النقاد أن يحترموا الاستنتاجات المؤلمة التي توصلت إليها إسرائيل بشأن نوع الدولة الفلسطينية التي يمكن أن يقبلوها بأمان". 
هنالك أيضاً عنصر اقتصادي للصفقة: ما تصفه بأنه "إمكانية تسهيل" استثمار 50 مليار دولار على مدى 10 سنوات في البنية التحتية بالإضافة إلى "هيكل ضريبي مؤيد للنمو" يعد بمضاعفة الاقتصاد الفلسطيني في 10 أعوام وخلق أكثر من مليون وظيفة جديدة والحد من نسبة الفقر إلى النصف أي تخفيضها إلى 50 بالمائة. لا وجود لخطة سابقة كما يقول أحمد شراي: "لقد قطعت شوطاً طويلاً في وضع خطة لتعزيز النشاط الاقتصادي والمدني الفلسطيني". 
وكتب وارد: "لكن الخطة ضعيفة في التفاصيل، ومن الصعب تخيل أي شخص يستثمر مليارات الدولارات في مشاريع البنية التحتية والنقل الكبيرة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بينما تواصل الحكومة الإسرائيلية ضم المزيد من الأراضي في السابق ونقل القنابل الأخيرة بانتظام". 
"
30 يناير 2020 ""