حوار وتحقيق / عادل عبده بشر - فاطمة أحمد مطهر / لا ميديا -

أكد المدير العام التنفيذي للمؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب، المهندس أحمد خالد الخالد، في حديث مع صحيفة "لا"، أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأمور المهمة التي ينبغي أن يجعلها المواطن اليمني نصب عينيه، وهي مسألة ليست مستحيلة كما يصورها البعض، وفي الوقت ذاته ليست بالسهلة، ولا بد من توافر شروط ومطالب لنصل إلى ذلك من إرادة قوية وحرية القرار السياسي والسيادة الوطنية وتنامي الوعي المجتمعي وتوفير الإمكانيات المادية اللازمة لذلك، وغيرها. 
وأشار الخالد إلى أن اليمن ومنذ ثورة الـ21 من أيلول 2014م، أصبحت تمتلك إرادة قوية وقراراً سيادياً وسياسياً حراً، ولم يعد لقوى الوصاية والاستكبار الدولي أية يد للتدخل في قرار وسيادة اليمن، وهو أمر مهم في مسألة الاكتفاء الذاتي.
وأوضح أنه ولأجل تحقيق هذا الهدف الكبير، رأت قيادة الثورة والقيادة السياسية أن تخصص لذلك جهة محددة تتكفل بالعمل ليلاً ونهاراً لتحقيق هذا الهدف المهم والاستراتيجي، فكان قرار اللجنة الثورية العليا رقم 366 لسنة 2016م بإنشاء المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب، هو القرار الأول لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
وأفاد بأن المؤسسة وضعت نصب عينيها عدداً من الأهداف الهامة التي تسعى إلى تحقيقها، ومن أبرزها زيادة إنتاج الحبوب وزيادة نسبة الاكتفاء الذاتي بصورة تدريجية، وتخفيض تكاليف الإنتاج، وتمويل وتشجيع المزارعين وتسويق منتجاتهم وإدخال التقنيات الزراعية الحديثة، وتشجيع ودعم البحوث الزراعية الهادفة إلى تطوير الإنتاج.

استغلال الورقة الاقتصادية
ورداً على محاولات العدوان استغلال الورقة الاقتصادية في الضغط على الشعب اليمني وثني المزارع عن الزراعة، وعلى وجه الخصوص زراعة محاصيل الحبوب، أكد الخالد أن المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب، ومن خلال توجيهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، للاهتمام بالمزارع وتشجيعه، قامت بالتدخل في تنفيذ العديد من المشاريع والبرامج والأنشطة في مجال تمويل المزارعين بالحراثة والبذور وتوفير مستلزمات الإنتاج وغيرها من المشاريع، التي كان لها الأثر في استمرار المزارع في زراعة أرضه بمختلف محاصيل الحبوب. 
ووفقا لرؤية وأهداف المؤسسة، فقد انطلقت في عملها في محافظات (الجوف والحديدة وصنعاء والمحويت وعمران وصعدة وحجة وذمار وإب والبيضاء)، مركزة عملها في مناطق الإنتاج الرئيسية في تهامة (الحديدة - حجة) والجوف بدرجة أساسية، باعتبارها مناطق إنتاج رئيسية لمحاصيل الحبوب، وكذلك المرتفعات الشمالية والوسطى، وسيتوسع عمل ونشاط المؤسسة لتصل إلى كل المناطق.

مشاريع وأنشطة
وحول المشاريع والأنشطة التي تنفذها المؤسسة بهدف تقديم الدعم للمزارعين، أوضح الخالد أنه تم تنفيذ جملة من المشاريع والأنشطة والبرامج التي سعت من خلالها إلى تقديم الدعم للمزارعين في المناطق المستهدفة، أو استصلاح أراضٍ زراعية جديدة خاصة بالمؤسسة، وعملت المؤسسة في كلا الاتجاهين، حيث يتم استئجار أراضٍ مناسبة ويتم استصلاحها وزراعتها، هادفة من خلالها إلى تقديم نماذج لحقول نموذجية للمزارع باستخدام وسائل الميكنة الزراعية الحديثة التي تساعد في تحسين الإنتاج وتقليل التكاليف، ومن ثم يتم تعميمها على المزارعين لتطبيقها على مزارعهم، كما تم تنفيذ عدد من المشاريع في 2018م لخفض تكاليف الإنتاج في محافظتي الجوف والحديدة، عن طريق التمويل للمزارعين بمنظومة توفير "الغطاسات"، بالإضافة إلى تمويل ودعم المزارعين بالبذور المحسنة وعملية الحراثة، إلى جانب القيام بمشاريع أخرى عام 2019م، متمثلة بالتمويل بمنظومات الطاقة الشمسية للمزارعين المنتجين للبذور، ومشاريع التمويل بأنابيب النقل "شبكات الري"، كما نفذت المؤسسة أنشطة أخرى في محافظات الجوف والحديدة وحجة في جانب مشاريع تنمية المجتمعات المنتجة كمشاريع تمويل المزارعين بالحراثة والبذور وتمويلات للمزارعين بمستلزمات الإنتاج، إلى جانب مشاريع التدريب والتأهيل للمزارعين، ولدى المؤسسة مشاريع خاصة بها في وادي مور بتهامة ووادي الخارد بالجوف وغيرها من المناطق. 
وأشار الخالد إلى أنه في نهاية الموسم يتم استرداد مقدار التمويل من محصول الحبوب وبسعر الزمان والمكان، أو إرجاع مبلغ التمويل نقداً، حيث تم تنفيذ العديد من تلك المشاريع في محافظات الجوف والحديدة وصنعاء وحجة وذمار والمحويت وعمران وإب، وحالياً سيتم تنفيذ مشاريع مشابهة في محافظة تعز، كما عملت المؤسسة على تنظيم المزارعين في مجموعات لإنتاج الحبوب لأكثر من 11 ألف مزارع، لتحديد احتياجاتهم وتنظيم جهودهم وإمكانياتهم لإنتاج الحبوب.

سوق مركزي للحبوب
وحول جهود المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب في مجال شراء وتسويق المنتجات الزراعية من المزارعين، قال الخالد: "بدأت المؤسسة بالشراكة مع المؤسسة الاقتصادية اليمنية وهيئة تطوير تهامة وأصدقاء المزارع من مؤسسات مجتمع مدني كمؤسستي بنيان وقنوان، بعملية التدخل لخلق توازن بين العرض والطلب، وبحيث يستفيد المزارع ولا يتضرر من هذا الانخفاض، من خلال إنشاء مراكز استقبال في تهامة لاستقبال منتجات المزارعين من الحبوب وشرائها منهم بأسعار مناسبة للمزارع.
وأضاف: "لدينا مشروع إنشاء سوق مركزي للحبوب في أمانة العاصمة في الأرض التابعة لوزارة الزراعة والكائنة في الحصبة،  ويهدف السوق إلى شراء منتجات محاصيل الحبوب المحلية من المزارعين وفق آلية ستعمل بإذن الله على تحقيق فائدة للمزارع وتحسين دخله وتشجيعه على زراعة جميع ما لديه من أراضٍ بما يكفل زيادة الإنتاج، وبيعها للمستهلكين المحليين بأسعار مناسبة دعماً وتشجيعاً للمزارع والمنتج المحلي من محاصيل الحبوب. وإن شاء الله سيرى هذا المشروع النور قريباً، وسيكون نقطة انطلاق لعمل أسواق خاصة بمحاصيل الحبوب في مختلف محافظات الجمهورية".
وأشار إلى أن المؤسسة قامت أيضاً بإنشاء وتأسيس 25 نقطة بيع للمستهلك في أمانة العاصمة، حيث تقوم المؤسسة بشراء المحصول من المزارع وببيعها للمستهلك عبر نقاط البيع، ويتم حالياً التنسيق مع الجهات ذات العلاقة بأصدقاء المزارع لتوسيع مراكز البيع لتشمل مراكز المحافظات الرئيسية.

القطاع الخاص
وفي ختام حديثه مع صحيفة "لا" قال المهندس الخالد: "نتمنى أن يستشعر القطاع الخاص المسؤولية الوطنية خلال هذه الفترة الحرجة التي يمر بها الوطن، فلدينا مساحات شاسعة وبإمكانهم الدخول مع المزارعين في شراكة للاستثمار عن طريق الزراعة التعاقدية أو استئجار الأراضي التي لم تزرع، ونحن نعمل للتنسيق مع المزارعين في ذلك، لتسهيل مهام الاستثمار والتنسيق مع جمعيات ومجموعات إنتاج الحبوب، وعمل الترتيبات اللازمة لذلك وبما يكفل للمستثمر والمزارع حقوقهم".
وأضاف: "البعض من رؤوس الأموال في بلادنا لديهم رأسمال كبير، وبدلاً من أن يضعوه في البدرومات عليهم أن يستغلوه في عمل نهضة تنموية زراعية وصناعية في اليمن،الأرض موجودة والإمكانيات موجودة والمياه موجودة والإرادة والقرار السياسي يدعم ويشجع. ونحن من جانبنا كمؤسسة سنقدم كل التسهيلات لكل المستثمرين في هذا الجانب".


نموذج للإرادة اليمنية في تحقيق النجاح
قصة نجاح في زراعة اللوز كمشروع وطني من البذرة حتى الثمرة
كواحد من أبناء الأسر الزراعية، بدأ فاضل صالح جار الله عواض، العمل في الزراعة إلى جانب أفراد عائلته، ولم يكن قد تجاوز الـ10 من العمر.
ينتمي فاضل إلى أسرة زراعية توارثت الزراعة عن الآباء والأجداد، ويقطن مع أسرته في قرية خرابة محيب بعزلة جبل النبي شعيب، مديرية بني مطر التابعة لمحافظة صنعاء، إلا أن اقتصار منطقتهم على زراعة الثوم والجزر وبعض من الخضروات إلى جانب زراعة الحبوب، وهي ليست ذات مردود مالي كبير، دفع بالفتى فاضل وهو في الـ14 من عمره، إلى البحث عن منتج زراعي بديل يعود بالفائدة الكبيرة على المزارعين، ويتناسب مع الطبيعة الزراعية في منطقة بني مطر.
يقول فاضل: "كان العام 1999م، عندما بدأت بالبحث عن محصول بديل ونقدي يرفع دخل المزارعين ويستهلك كميات قليلة من المياه وعمالة بسيطة، ووجدت أن محصول اللوز هو أنسب منتج زراعي كبديل اقتصادي لتحسين معيشة المزارعين، خصوصا لتلاؤم شجرة اللوز مع الطبيعة الزراعية في المنطقة، ولما لهذا المنتج من مميزات خاصة مقارنة بالمحاصيل الأخرى".
قام فاضل بجمع الأبحاث والدراسات الزراعية عن شجرة اللوز والمناخات الملائمة لزراعتها وكمية المياه التي تحتاجها وكل ما يتعلق بهذا المنتج، وفي 2005م بدأ بزراعة أشجار اللوز في منطقتهم كتجربة، وبعد 3 سنين من الزراعة كانت أشجار اللوز قد بدأت بالإنتاج، لتنتشر هذه التجربة بين المواطنين في المنطقة.
وفي 2009م، قام فاضل بإنشاء مشتل لإنتاج وبيع شتلات اللوز، وعاماً بعد آخر زاد انتشار زراعة اللوز، وصاحبها ازدياد كبير في الطلب على الشتلات.
وتقدر المساحات المزروعة بأشجار اللوز في اليمن بشكل عام بحوالي 6600 هكتار بعدد 1.5 مليون شجرة لوز تقديريا، كما يقدر إجمالي المساحات الصالحة لزراعة أشجار اللوز في اليمن بـ370 ألف هكتار، وبما يصلح لزراعة عدد 82 مليون شجرة لوز.
وتنتج الشجرة الواحده بمتوسط 5 كيلوجرامات سنويا. وتُعمر شجرة اللوز بما يزيد عن 300 عام، ويبلغ سعر كيلو اللوز البلدي في السوق المحلي 30 ألف ريال تقريبا، ويتم تسويق ما نسبته 10% فقط في السوق المحلي من إجمالي محصول اللوز سنوياً، و90% يتم تصديره إلى الخارج بطرق عادية.
وخلال السنوات الأخيرة، ونتيجة لما تمر به البلاد من تدهور اقتصادي بسبب العدوان وزيادة أسعار المدخلات الزراعية، ومنها المشتقات النفطية والأسمدة الكيماوية المستوردة وغيرها، أدى ذلك إلى تدهور القطاع الزراعي وتدني دخل المزارعين وعدم تمكنهم من تصدير محاصيلهم الزراعية بسبب ضعف الجودة وقلة الإنتاج، وخصوصاً محصول اللوز ذا الطلب الكبير خارجياً، اتجه فاضل جار الله للبحث عن أسباب قلة الإنتاج وضعف جودة محصول اللوز.
يقول فاضل: "بعد جهد كبير وبحث مستمر، وتنفيذ العديد من التجارب على الواقع، تمكنا من  إيجاد حلول مناسبة لمعالجة تلك الإشكاليات، وتقديم ذلك في مشروع متكامل ومستدام، من بينها ابتكار برنامج ري محدد بالوقت المناسب وتسميد طبيعي وإرشاد شامل بالمعالم الزراعية المعروفة، وتوفير المستلزمات والخدمات الزراعية الطبيعية للأشجار المثمرة لتحسين وزيادة الإنتاج، وأيضا تسويق منتج محصول اللوز داخليا وخارجيا وفقا لخطط وبرامج مرسومة بحسب الواقع والسوق".
وأطلق على هذا المشروع "مشروع إنتاج وتحسين وتسويق منتج طبيعي مستدام لعدد مليوني شجرة لوز"، كمشروع وطني متكامل مستدام من البذرة وحتى الثمرة، وتم تقديم المشروع للمنافسة في الموسم الأول من المسابقة الوطنية لرواد المشاريع الابتكاريه التي تنظمها وزارة الصناعة والتجارة، وحاز على المركز السابع.
ويهدف المشروع إلى "إنتاج مليوني شتلة لوز ذات صنف جيد، وإنتاج سماد بلدي بكمية 150 ألف طن سنوياً بديلاً عن الأسمدة المستوردة، لزيادة وتحسين محصول اللوز، وأيضا تسويق وتصدير 10 آلاف طن سنوياً من محصول اللوز ذي الجودة العالية طبقا لمواصفات التسويق العالمية، والإسهام في تأمين سبل العيش المستدام وتحسين المعيشة الاقتصادية لـ20 ألف أسرة، والحفاظ على المياه الجوفية وتحقيق وفر مائي يقدر بنحو 136 مليون متر مكعب سنويا، وأيضا تغطية السوق المحلي من اللوز البلدي، والإسهام في دعم ورفع الموارد الاقتصادية للبلاد من خلال قوانين وأنظمة الموارد المالية للدولة".
وبتاريخ 29 فبراير 2020م، قام كوكبة من المسؤولين يتقدمهم عضو المجلس السياسي الأعلى أحمد غالب الرهوي، ومعه وزيرا الصناعة عبدالوهاب الدرة، والزراعة المهندس عبدالملك الثور، بتدشين "مؤسسة الفاضل لإنتاج وتصدير اللوز اليمني"، لتثبت هذه التجربة إمكانية نجاح المزارع اليمني عندما يتوفر لديه الإصرار والعزيمة.