«الأدوية» تتلقى البلاغات فقط ولا ترد عليها
حين تكون المعقمات أخطر من كورونا

مارش الحسام / لا ميديا -
تجار الأزمات والأوبئة لا تفوتهم سانحة ولا مناسبة دون أن يستثمروها، ودائما ما يستغلون الظروف والأزمات لجني الأرباح على حساب الضحايا. 
ونحن نعيش في زمن «كورونا» الذي ازداد فيه إقبال المواطنين على استخدام المعقمات والمطهرات، ولمجرد أن ظرفا استثنائيا جعل هذه المنتجات عالية الطلب، فهناك من وجدها فرصة لا يجب تفويتها للمقامرة بأرواح المواطنين، غير آبهين بالنتائج الكارثية التي تجعل من المواطن ضحية ليس للغش التجاري فقط، وإنما للفيروس أيضاً، ودونما الحصول على الوقاية منه.

احتكار وارتفاع الأسعار
بسبب رعب «كورونا» اختفت عدد من المعقمات والمطهرات ذات الماركات المعروفة والمشهورة، وأخرى في طريقها للاحتضار والاحتكار تدريجياً بعد أن تضاعفت أسعارها بشكل جنوني.
فعلى سبيل المثال: ارتفع سعر الدبة الديتول الأصلي إلى 18 ألف ريال قابلة للزيادة بعد أن كان سعرها لا يتجاوز 7000 ريال على أقصى تقدير، أما دبة الأسبرت (كحول الإيثيلين) عبوة 5 لترات التي كان سعرها 6000 ريال، فقد أصبح سعرها 25 ألفاً، كما ارتفع سعر معقم اليد ذي العبوة الصغيرة من 400 ريال إلى 1000 ريال.

أسماء جديدة تنذر بكارثة
زيادة الطلب على منتجات التعقيم أدت إلى ظهور أشكال وأسماء جديدة لمعقمات ومطهرات لم نسمع بها من قبل، ولا توجد أي إثباتات على أنها تقي من الوباء أو تقضي على الفيروس، وهو ما ينذر بكارثة في حال دخول فيروس «كورونا» إلى اليمن، إذ إن هذه المنتجات ستتكفل بتفشي الوباء ونقله من شخص إلى آخر، لكونها لا تعقم ولا تقي من الفيروس، وفي حال تلوثها أو لامسها شخص مصاب تصبح ناقلاً للوباء وليس للحماية منه. 

صيدليات في قفص الاتهام
ربما يبدو الأمر مألوفاً، في حال كانت هذه المعقمات أو المطهرات المغشوشة تباع في الأرصفة والحوانيت، وعلى مرأى ومسمع من الهيئة العليا للأدوية والهيئة العامة للمواصفات والمقاييس، غير أن الكارثة أن هذه المنتجات المغشوشة تباع في الصيدليات التي يفترض بها أن تكون حريصة على عرض منتجات مضمونة الجودة وليست مغشوشة، حفاظاً على الصحة العامة وحياة أبناء المجتمع.

منتجات سعودية خطرة
أكد مصدر طبي لصحيفة «لا» أن هناك منتجات سعودية الصنع سامة خطرة على الصحة، تباع في الأسواق اليمنية كمعقمات ضد الفيروسات.
وكشف المصدر أن أحد هذه المنتجات هو «جل» يحمل اسم «shield» من إنتاج شركة بون للصناعات الدوائية بالمملكة السعودية. مشيراً إلى أن هذا الـ«جل» يمثل خطرا على الصحة العامة، نظراً لاحتوائه على نسبة عالية من مادة الميثانول التي تعتبر مادة سامة، وتستخدم أساساً لأغراض صناعية وليس طبية.
واستنكر صمت الهيئة العليا للأدوية تجاه هذا المنتج وغيره من المنتجات السامة أو المغشوشة التي تباع في الأسواق والصيدليات.

تعددت طرق الغش
أشكال وطرق الغش التجاري في المطهرات والمعقمات التي تكتظ بها الأسواق، أكثر من أن تحصى، فهناك من يستخدم مكونات بديلة عن المكونات الأساسية، كأن يستخدم الكحول الميثيلي عوضا عن الكحول الإيثيلي، ومثل هذه المنتجات لا تعقم بالشكل المطلوب، فيما يستخدم آخرون مكونات وهمية (نكهة وصبغة ورغوة وماء)، وتكون النتيجة أن هذا المنتج لا يحمل من صفات المعقم أو المطهر سوى الشكل أو الرائحة، وهناك من يقوم بخلط الصابون السائل المستخدم غالبا في المطاعم، أو جرش (طحن) الصابون الصلب مع شامبو السجاد وخلطهما مع بعض النكهات، وعرضها في السوق كمطهر أو معقم، بينما هي ليست سوى منتجات وهمية.. والحديث هنا يطول.
 
اختبارات الإيثانول والميثانول
يؤكد أحد الصيادلة أن المعقمات المضادة للفيروسات يجب أن تحتوي على كحول الإيثيلين، وبنسبة تركيز 70% بينما أغلب المعقمات الموجودة حالياً في الأسواق لا تقي من الفيروس، كونها تحتوي على كحول بتركيز 20% حسب قوله. 
ويتابع: «لمعرفة ما إذا كان محلول التعقيم مناسباً أو مغشوشاً، هناك تجربة عملية بسيطة للتأكد مما إذا كان يؤدي الغرض منه في التعقيم أم لا، وتتمثل في إشعال النار في كمية قليلة من المحلول، فإذا اشتعل فهو مناسب للتعقيم، لأن المعقم الأصلي الذي يحتوي على التركيز المناسب من الكحول الإيثيلي يشتعل بالنار على عكس النوع المغشوش المخفف بالماء».
غير أنه يستدرك بالقول: «لكن هذا لا يعني أن اشتعال المحلول دليل على جودته، لأن هناك تجاراً وكنوع من الغش التجاري يلجؤون إلى استخدام الكحول الميثيلي بدلا عن الإيثيلي، وهذا النوع سام ولا يعقم بالشكل المطلوب، لأنه مخلوط بمركبات تفقده فاعليته في التعقيم».
ولمعرفة ما إذا كان المعقم يحتوي على كحول إيثيلي أو ميثيلي، يقول الصيدلي: يتم إشعال النار في كمية من محلول التعقيم، لمعرفة نوع الكحول المستخدم في المحلول، وذلك حسب لون اللهب الناتج، فإذا كان لون اللهب أصفر أو برتقالياً فهو يعني أن المحتوى كحول إيثيلي، وهو مناسب للتعقيم، أما إذا كان لون اللهب أزرق أو شفافاً فهو كحول ميثيلي، وغير مناسب للتعقيم».
ويستطرد: «التجربة الأولى تخص تركيز الإيثانول، بينما التجربة الثانية هي لتمييز نوع الكحول المستخدم في المنتج، أي ما إذا كان إيثانول أو ميثانول، وهذه التجارب لا تخص بقية المنتجات المغشوشة أو مجهولة التراكيب أو الوهمية، لأن هناك أكثر من مادة قابلة للاشتعال ولا علاقة لها بالتعقيم، ويستخدمها البعض في تحضير معقمات وهمية».


رديئة ومغشوشة
يؤكد مختار الحميري الذي يعمل في شركة للصناعات الكيماوية، أن الكثير من المنتجات المعروضة حاليا في الأسواق ليست معقمات أو مطهرات فعلية، وإنما منتجات رديئة أو مغشوشة.
ويقول: «من خلال عملي في هذا المجال لسنوات اكتشفت أن هناك أكثر من منتج وهمي يباع في الأسواق على أنه ديتول دون أن يحتوي على المكونات الأساسية الخاصة بالتعقيم، هناك ديتول وهمي يحتوي على صبغة ونكهة ورغوة، وهذه المواد يتم شراؤها جاهزة ومن ثم يتم إضافة الماء إليها وتعبئتها في قوارير ووضع ملصق عليها وعرضها للبيع على أنها ديتول، ولخداع المستهلك أكثر يتعمدون زيادة تركيز نكهة الصنوبر (النكهة المميزة للديتول)، والمشكلة أن المواطن بات يعتمد كثيراً على حاسة الشم أثناء الشراء، وحين يشم رائحة الصنوبر يقتنع أن المنتج ديتول ويشتريه دون أن يدرك أنها مجرد نكهة صناعية».
ويضيف: «اليوم ومع كثرة أنواع الديتول المعروضة في الأسواق، صار من الصعب حتى علينا معرفة منتجات الديتول المغشوشة، حيث هناك أكثر من طريقة لتحضير الديتول، وباستخدام أكثر من مادة، ولكن مهما اختلفت طرق ومكونات التحضير لا بد أن يكون هناك قاسم مشترك واحد، وهو مادة التعقيم، فالبعض يستخدم الإيثانول، والبعض يستخدم الميثانول، وآخر يستخدم هيدروكسيد الصوديوم، وهناك من يستخدم الكلور، وغيرها من مواد التعقيم، ولذلك هناك منتجات رديئة وأخرى سيئة، وبعضها تخلو من مادة التعقيم تماماً».

للـ«جل» نصيب الأسد
منتج الـ«جل» الخاص بالتعقيم نال نصيب الأسد من الغش التجاري لسهولة تحضيره مقارنة بالديتول، بحسب تأكيد الحميري، مضيفاً: «طريقة تحضير الـ«جل» سهلة جداً، وتتقنها كثير من ربات البيوت وغيرهن من الشباب الذين لا يجدون صعوبة في تحضير «جل» مغشوش خالي تماما من مادة التعقيم، الـ«جل» المعقم يحتوي على مادتين، هما الجيلاتين، والإيثانول، الذي يعد المادة الأساسية في التعقيم، بينما ما يحصل الآن هو تحضير «جل» دون إضافة مادة الإيثانول، نظراً لصعوبة الحصول على هذه المادة أو ارتفاع سعرها، فيكتفون باستخدام الجيلاتين مع إحدى النكهات الصناعية، الخبير المتمرس العامل في هذا المجال هو القادر على الكشف من خلال رائحة الإيثانول، على عكس المواطن العادي الذي يسهل خداعه».

خياران لا ثالث لهما
يقول الدكتور عادل ياسين، اختصاصي الجراحة العامة: «للأسف ارتفعت أسعار المعقمات والمطهرات، وبالذات المعروفة والمشهورة بشكل كبير جداً، وبات كثير من المواطنين غير قادرين على شراء منتجات التعقيم الأصلية، وبالمقابل ظهرت منتجات أقل سعراً، ولكنها غير مضمونة، وليس هناك ما يدل على أنها تحتوي على الكحول أو مادة أخرى معقمة، وأنا شخصيا لا أثق باستخدامها لتعقيم الأدوات الجراحية، ولا أنصح المواطنين بشرائها».
ويضيف: «المواطن صار أمام خيارين لا ثالث لهما، فإذا كان لديه القدرة على شراء معقمات من ماركات معروفة وذات علامة تجارية، فليشترها، أما إذا كانت حالته المادية لا تسمح، فهناك وسائل أخرى أقل كلفة للحصول على التعقيم بالشكل المطلوب، فمثلاً يمكنه استخدام مادة الكلوريكس بعد تخفيفها بالماء، وهذه الطريقة أستخدمها شخصياً في البيت، وأيضاً لتعقيم الأدوات الجراحية قبل وبعد العملية، وأنصح المواطنين باستخدامها، وذلك بإضافة مقدار غطاء كلوريكس مع كوبين من الماء».

ضوء أخضر وخط بارد
سكوت الهيئة العليا للأدوية عن العبث الحاصل ووقوفها مكتوفة اليد، وعدم القيام بواجبها نحو الموطنين وحمايتهم من هذه المنتجات المغشوشة، هو بمثابة ضوء أخضر يشرعن العبث والمقامرة بأرواح المواطنين.
حاولت التواصل مع الهيئة العليا للأدوية، ولكن دون جدوى، وسبق أن حاولت في أكثر من تقرير سابق التواصل مع مسؤولي هذه الجهة الرقابية، وفشلت بسبب أن تلفوناتهم تارة لا ترد وتارة أخرى مشغولة أو مغلقة... وهكذا.
ولكن هذه المرة وأنا بصدد عمل هذا التقرير، لجأت إلى الخط الساخن الخاص بالهيئة، واستبشرت خيراً، حين سمعت صوت أحد ما يرد على مكالمتي، عرفت له عن نفسي وصفتي، وشرحت له غرض اتصالي، وطلبت منه أن يصلني بأحد مسؤولي الهيئة للرد على أسئلتي بشأن المعقمات والمطهرات المغشوشة المنتشرة في الأسواق، والتي تنذر بكارثة، إلَّا أنه رفض تحويلي إلى أي من مسؤولي الهيئة، بل حاول التخلص مني، وأخبرني أنه قام بتسجيل هذا البلاغ ضمن كشوفات الشكاوى، رددت عليه: «أنا صحفي وأبحث عن إجابة من أحد المسؤولين في الهيئة، ولا أريد تسجيل بلاغ».
فكان رده: «ارسل الأسئلة بالواتس على هذا الرقم، وسيجيب عليها أحد مسؤولي الهيئة».
وحين أخبرته بأن هذا الرقم هو هاتف ثابت وليس هاتفاً محمولاً، وليس هناك واتساب للأرقام الثابتة، قال لي: «هذا خط ساخن وليس خطاً ثابتاً، ولدينا واتساب. راسلني عبر الواتس على هذا الرقم».
وكانت المفاجأة هي أن الخط الساخن بلا واتس، حاولت بعدها معاودة الاتصال به، إلا أنه رفض الرد، فقد كان يرفع السماعة ثم يغلق الخط دون أي رد.