أمة الرزاق جحاف / لا ميديا / مرافئ -

«بنت الصحن»، طبق يمني يعد من أشهر الأطباق الصنعانية، وإن كان هناك ما يشبهه في بعض المحافظات اليمنية والمدن العربية مثل الفطير المشلتت في مصر، لكن تظل هويته يمنية صنعانية بدرجة كبيرة.
فماذا تعرفون عن هذا الطبق؟
أولا بخصوص التسمية روى لي بعض كبار السن أن الاسم الحقيقي لهذا الطبق هو «البنت في الصحن»، ويفسرون ذلك بأن هذا طبق كان خاصا لا يقدم إلا في مناسبات الخطوبة ليكون ردا على كل من يسأل عن مهارة البنت البيتية من أهل العريس.. حيث كانت العادة أن يطرح السؤال التالي إما صراحة وإما تلميحا: «كيف البنت؟»، أي كيف مهارتها في المطبخ؟ فتكون الإجابة «البنت في الصحن»، فكلما كانت رقائق العجين ـ المكونة لطبقاته المتعددة ـ هشة وناعمة ورقيقة وشفافة، كانت دليلا على المهارة والمقدرة، لأن هذا الطبق يتطلب في من تعده أن تتوفر لديها مهارة وخبرة ودقة عالية. وقد حرفت العامة الاسم وأصبح كما يسمى حاليا «بنت الصحن».
وتعود أهمية هذا الطبق الشهي إلى أنه يقدم لنا الكثير من الدلالات الاجتماعية، حيث يعد هذا الطبق من أهم ما يقدم في المناسبات الاجتماعية، وخصوصاً مناسبات الأعراس، أو عودة الحجيج، أو عزومة ضيوف لتناول الغداء، حيث يتجلى التضامن والتعاون الاجتماعي في أجمل صورة بين أفراد المتجمع خصوصاً بين ساكني الحارة الواحدة، حيث يتم ـ أثناء الاستعدادات لتنفيذ المناسبة ـ توزيع المهام على بيوت الجيران؛ ومنها إعداد أطباق «بنت الصحن»، فيتكفل كل بيت بإعداد مجموعة منها، وهنا يبرز التسابق والتنافس بين البيوت، حيث تتبارى النساء في كل بيت لإظهار مهارتهن، بخاصة في ضبط المقادير المستخدمة في إعداد العجين، أو في طريقة تكوير قطع العجين، ثم فردها وتحويلها ـ يدويا ـ إلى رقائق خفيفة شفافة، وتبرز مهارة من تقوم بإعدادها في الحرص الشديد على عدم تعرض العجين للهتك والتمزق أثناء فردها يدويا براحة اليد أولا، ثم بأخذها تداولا ـ في الهواء ـ بين راحتي اليدين، حتى تصل إلى المرحلة الشفافة ليتم نشرها على أرضية صحن من المعدن طبقة فوق أخرى، وتدهن كل طبقة بكمية من السمن أو الزيت لتفصلها عن الطبقة التي قبلها، ثم تبدأ عملية تزيين آخر طبقة، والتي تعد الواجهة الخارجية لطبق «بنت الصحن» بعد طلائها وتشكيلات من قطع العجين على هيئة عبارات مثل لفظ الجلالة أو البسملة أو عبارات التهاني أو عبارات الترحيب أو كلوا هنيئا وغيرها.. وتنثر بعد ذلك بعض بذور الحبة السوداء، وقد تضاف لها أحياناً بذور الجلجلان (السمسم).
كما تتفنن الأسر في تأنيق نهايات أطراف ما تبقى من طبقات العجين، بجمعها ولفها على شكل ظفيرة دائرية حول الصحن.
وفي الأخير يتم وضع العسل فوقها، لكن ليس قبل دخولها وتربعها فوق مائدة الغداء، حيث يدخل العسل برفقتها، وفي هذا دلالة تؤكد للضيف أن العسل بلدي، للتدليل على مكانته العزيزة لدى المضيف ولو بشكل غير مباشر، كون اليمن من أشهر الدول المنتجة للعسل، إضافة إلى دلالة تؤكد كرم المضيف وسخائه، حيث جرت العادة أن يتناول المضيف وعاء العسل، ويقوم بصبه فوق بنت الصحن، ويستمر في الصب إلى أن يسمع الضيف يردد: «أكرمه.. أكرمه».
وعلى الرغم من أن «بنت الصحن» تعتبر من المخبوزات المحلاة بالعسل، فقد جرت العادة الصنعانية أن يكون ترتيب تقديمه في منتصف وجبة الغداء، أي بعد أن يتناول الضيوف الشفوت والرز والطبيخ، وقبل السلتة مباشرة، لكن الجيل الجديد من الشباب الآن يفضلون أكلها في نهاية الغداء كتحلية.