«لا» 21 السياسي -
يواجه المجاهد اليمني، منذ سنوات، أعتى وأشد ترسانات الأسلحة في تاريخ الحروب، وإلى الدرجة التي صار في الجبهات وجهاً لوجه مع طائرات الـ»إف» المتطورة وغاراتها المباشرة، وباتت بندقيته الكلاشنكوف تقاتل -في سماءٍ مفتوحة وأرضٍ ملغومة- كل شرور الشرق والغرب، بروحية الخير المنتصرة وإرادة الحق المنصورة. صحيح أن ثمة إنجازات هائلة اجترحتها القوات المسلحة اليمنية طوال سنوات العدوان، سواء في الصناعات العسكرية أم في إدارة المعركة استراتيجياً وتكتيكياً، إلا أن الفارق في معادلة الحرب يكمن في امتلاك مجاهدي الجيش اليمني واللجان 
الشعبية ناصية المواجهة العادلة بكل مضامينها الدينية والوطنية والاجتماعية والوجودية.
ورث اليمنيون ترسانة أسلحة متهالكة أفرغها نظام الوصاية من بعض تمايزها في الدفاع الجوي، وفقدت باقي تميزها بمفاجأة استهداف طائرات الوصاية بداية الحرب. ولا مقارنة كمية أو نوعية بالمعنى العسكري بين ميراث صنعاء التسليحي البائس وبين مقدرات عواصم العدوان الهائلة. وما حديث المرتزقة عن تخلي التحالف الإجرامي عن تسليحهم وتمويلهم وتموينهم سوى حديث كاذب تفضحه الغنائم الكبيرة والكثيرة التي يتركونها خلفهم لرجال الجيش واللجان.
مع توالي انتصارات الجيش واللجان في التقدم والتحرير والسيطرة والتحكم، تتوالى بالمقابل هزائم الخونة وخسائر المرتزقة، وتتضاعف حسراتهم وتضعف حماسياتهم وتتزايد إحباطاتهم وتتناقص مراوغاتهم وتتناقض تحليلاتهم وتتساقط تخيلاتهم.
«عكاظ» السعودية تفتح سوق الجمعة لجنرال السبت علي محسن الأحمر في حوارٍ سأمٍ طويل مع سام الغباري. لا يشدك من هذا الحوار سوى ثوب دفة الغباري والفلة الضخمة التي جمعت رمزين من رموز الخيانة والارتزاق ينظّران لمعركة مأرب حامية الوطيس من تحت المكيفات ومن فوق الكنبات «الطاسية». وفيما حاول الجنرال المتكلس الظهور بمظهر «الشيبة الذي قد أعياه الزمن»، حاول السعوديون -بإخراجه في هذا التوقيت إلى سوق «عكاظ» وبعد عرضين قدمهما عيدروس الزبيدي وطارق عفاش- الظهور بأن خيوط جميع المرتزقة ما تزال بأيديهم وأنها تستطيع جمع أفواههم جميعاً في بوق نهيقٍ واحد.
محلل الغفلة الدائم على «العربية الحدث»، العقيد المرتزق يحيى أبو حاتم، تحدث بالأمس عن المواجهات في جبهات مأرب قائلاً: «المليشيات الحوثية تتحرك بكل قوتها في جبهة مأرب بعد فشلها في اختراق العديد من الجبهات». المضحك ليس فقط في أن «أبو حاتم» جمع الفشل مع التحرك بكل قوة، بل أيضاً في لقب «المحلل العسكري والاستراتيجي» الذي تضعه قنوات العدوان أمام اسمه في كل مداخلة رخيصة يدلي بها بلسانه بين فخذي «العربية» العبرية.
يذكرني تحليل العته السابق بمنشورات المرتزق نجيب غلاب ما بعد منتصف الليل. كما يعود بي لتصريح آخر لـ«أبو حاتم» نفسه يكرر به أسطوانة إيران الممجوجة والمشروخة، ولكن بحذلقة لزجة زاحفة ومتزحلقة. يقول المحلل العسكري والاستراتيجي إن لديه معلومات مؤكدة عن أن إيران أدخلت/ هرّبت مجموعة جديدة من المُسيّرات للحوثيين. لا جديد حتى هنا. الجديد هو ما سيأتي به تاليا: «وصول طيارين إيرانيين إلى صنعاء!». لم تكن تلك جملة اعتراضية، بل هي جاءت مباشرة في سياق شرح «أبو حاتم» الاستراتيجي للتهريب المزعوم للمُسيّرات الإيرانية.
على ذكر المُسيّرات الإيرانية فقد أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرضها مجموعة جديدة من العقوبات على الحرس الثوري الإيراني بسبب برنامج الطائرات المسيرة التي تقدمها إيران لحلفائها في المنطقة، بحسب الزعم الأمريكي طبعاً، وليس وفقاً لتحليل «أبو حاتم» الاستراتيجي. أيام وجاء الرد الإيراني مزلزلاً لأمريكا وحلفائها في بحر عمان.
وعودةً من ضياع البوصلة الأمريكية إلى ضياع «صعبة» أدواتها ومرتزقتها فيما يتعلق بهزائمهم جميعاً في مأرب، فمن بعد بيان الإصلاح عن تخلي تحالف العدوان الكاذب عن مرتزقته، جاء بيان الداعشي أمين عام ما يسمى اتحاد علماء المسلمين الداعي إلى هبة لإنقاذ مأرب، حسب تعبيره، وهو الذي لم ينبس بشفة أو حتى بنصفها لإنقاذ مكة من مجون ابن سلمان أو حتى لإنقاذ القدس من جنون سيدهم نتنياهو.
صحيفة «العرب» الإماراتية فسرت بيان الإصلاح في مأرب بكونه يدفع إلى توتير العلاقة بين حكومة الخونة وبين تحالف العدوان، وأن توقيته يخدم هجوم الجيش واللجان الشعبية ويوسع الخلافات داخل أوساط المرتزقة، بل ذهبت إلى كون البيان مقدمة لصفقة مع أنصار الله تقود إلى تسليم مأرب.
بالمقابل، يغرد المحلل الموريتاني القطري الإخواني محمد المختار الشنقيطي في سياقٍ متوازٍ مع ما ذهبت إليه الصحيفة الإماراتية، ويقول بأن «مفتاح الحل في اليمن هو التفاوض بين الجهتين اللتين تملكان قوة ميدانية: حزب الإصلاح وجماعة الحوثي؛ لكن إذا سقطت مأرب فلن يبقى لدى الإصلاح أوراق تفاوض جدية، وستليها محافظة شبوة مباشرة، وأخشى أن الإصلاح قد أضاع فرصا كثيرة بتعويله على شرعية هادي الفارغة، التي ليس لها من الأمر شيء...».
تعرض الشنقيطي بعد تغريدته تلك لحملة تنمر إخوانية غير مسبوقة، برغم أن موقف الكاتب الموريتاني جاء وفقاً لتفاهمات ابن حمد وابن سلمان في العلا وتبعاً لسياسة «الجزيرة» الإعلامية الجديدة ضمن حزمة السياسات الخليجية الواحدة.
ناشطو الانتقالي الإماراتي «المُدرهمون» بدورهم تناولوا تطورات معركة تحرير مأرب وعلاقتها بتحركات السعودية والإمارات بين العلم وبلحاف، حيث رأوا أن هكذا تطورات وتحركات لا تصب في مصلحة الانتقالي، داعين قيادته إلى فتح قنوات اتصال مباشرة مع صنعاء.
في الخلاصات الأولى لهكذا تيهٍ ارتزاقي وهلعٍ عدواني يستمر الجيش اليمني ولجانه الشعبية في إنجاز التحرير وإعجاز الانتصار واضعاً كل ما سبق من مواقفٍ أعلاه خلف ظهره غير المكشوف وأمام عينه المبصرة الباصرة البصيرة.