«لا» 21 السياسي -
في ختام مساراتٍ تاريخيةٍ متقطعة الأوصال، وعند تمام سياقاتٍ شخصيةٍ متقاطعة الأفعال، يقضي ياسين سعيد نعمان خاتمة عقده السابع بين قاعة رقصٍ يتقافز داخلها إشهارٌ زومبوكيٌ يعلنُ فيه علي البخيتي ولياً للعهد، وبين فقاعة نقصٍ يقفز خارجها إشعارٌ فيسبوكيٌ يبلغه فيه رداد السلامي بقبول طلب الصداقة موصولاً بتحيات علي العمراني وتهاني القنصل بقرار سفير التغرير خلع قناع العام السبعين.يمضي أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني السابق أرذل العمر منسجماً مع نقائض ماركسيته ونقائص نرجسيته، منقسماً على ذاته، مقسوماً في نفسه، مقتسماً شيزوفرينيته مع مرآة كينونته المحدبة في وجهه، المقعرة قفاه، ويفضي سُلافة اليسار المتقعر معاقراً كؤوس ذل السؤال ذات يمين كتاب خالد سلمان وذات شمال حساب خالد بن سلمان.
فشل ياسين وما يزال في «عبور المضيق». و«أصل الحكاية» ببساطةٍ أن «جمعة» نعمان كانت في جميع ماضي أيامه سبتاً كنسياً، وصارت في كل باقيها أحداً كنائسياً، وأن البروليتاري الذي ظل طول حياته في مزايدةٍ خاسرة على ذاته انتهى به العمر في مناقصةٍ أكثر خسراناً على نفسه، وأن بهتان المناضل الأممي الذي توارى خلفه نعمان انكشف في عاصمة الضباب خزياً إنجلو-ساكسونياً، وهواناً مردخاوياً وذلاَ خصف به ياسين جلدة وجهه وأخلعه نعلي ابني سلمان ونهيان.
بدأ دكتور العملات الفاشل عاملاً في التجارة الخارجية بعدن في 1971، وانتهى بروفسور عمولات ناجحاً وعميلاً للمتاجرة الأجنبية باليمن في 2015. دشن ضياعه بعروض مزادات الثروة السمكية الخاسرة في 1982، ليستأنف عرض بضاعته الكاسدة مع كل دورة صراعٍ دموية جارياً مجرى الدم داخل أوردة الرفاق وخارج شرايين الحزب، مُتقداً نار فتنة متئداً خيلاء طاووس.
وما بين تحضير الدكتوراه في المجر عام 1981 وبين الاشتغال أداة نصبٍ وطنية وواو عطفٍ نجدية في مؤتمر الجار المجرور العام 2015، تسلق ياسين خلف كل مصيبةٍ وتزحلق وراء كل كارثة وتدحرج داخل أناته المنتفخة رئيساً لمجلس وزراء الجنوب في سنة 1986، ورئيساً لمجلس النواب الموحد عام 1990، وأميناً عاماً للحزب الاشتراكي اليمني في 2005، ورئيساً دورياً لأحزاب المشترك حتى 2011، ونائباً لرئيس مؤتمر الحوار 2012، وأخيراً وليس آخراً وبعد ثلاثة أشهرٍ من بداية العدوان على اليمن سُفرجياً عن صاحب الكفالة النفطية لدى صاحبة السفالة البريطانية سمسار تأشيرات وقنابل عنقودية.
لن يكون وزير أمن دولة الجنوب سابقاً، محمد سعيد عبدالله «محسن»، سعيداً بعرض هكذا بورتريه شفاف يكشف عن قفازٍ أشيبٍ رمادي من مجموعة قفازاته المتلونة والمُتهمة بارتكاب مذبحة مشايخ خولان أواخر سبعينيات القرن الماضي. ولكم شكا وبكى ياسين إلى شيخه حميد الأحمر نبش «عفاش» المتواتر في ذاكرة هكذا مذبحة دامية وتلميحاته إلى نعمان وتصريحاته عنه تزامناً مع كل دورة ابتزازٍ متبادلةٍ بين رئيس نظام الوصاية العسقبلي وبين رديف التبعية الأعسر.
ترأس ياسين مجلس النواب اليمني الموحد في السنوات الثلاث الأولى لدولة الوحدة بين عامي 1990 و1993، وهي المدة التي سُميت رسمياً بالفترة الانتقالية وعُرفت شعبياً بالفترة الانتقامية، لما شهدته من أحداثٍ دامية اجترحتها قيادات شريكي الوحدة، وكان ياسين أحد تلك القيادات وأحد المسؤولين عن تلك الأحداث. وبعد التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق العام 1993 في العاصمة الأردنية عمان بين علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض، كان الأخير سيعود إلى صنعاء، لكن ياسين وآخرين حذروه من العودة ونصحوه بالاتجاه إلى عاصمة الوصاية الرياض، وهو ما حدث، ثم انفجرت حرب 1994 بين فرقاء الوحدة، وانتهت بهزيمة الحزب الاشتراكي اليمني وخروج البيض إلى عُمان وياسين إلى أبوظبي.
بعد انتهاء الحرب بسنوات بدأت رؤوس نظام الوصاية المنتصر، ممثلةً في صالح ومحسن والأحمر والإخوان المسلمين، تشعر بالحاجة إلى التواصل مع قيادات الاشتراكي في الخارج وإقناعها بالعودة من أجل إعادة تموضع الشرعية الشكلية لنظام التبعية، والتي صدعت الحرب جدرانها البلاستيكية. وكان أن عادت أول مجموعة اشتراكية إلى صنعاء، وعارض عودتها الكثير، على رأسهم ياسين سعيد نعمان، في مزايدةٍ انكشفت لاحقاً عن وجود خطوط اتصال شخصية مع نظام صنعاء. وفي حوار مع صحيفة «البيان» الإماراتية بتاريخ 9 فبراير 2002 يرفض ياسين رهن العودة بشرط سياسي أو مصالحة وطنية. لاحقاً تضع وكالة «سبأ» الرسمية للأنباء في 9 سبتمبر 2003 خبراً رئيسياً على صفحتها الأولى يقول: «الدكتور ياسين سعيد نعمان: على الجميع أن يجعلوا من الرأي الرشيد لفخامة الرئيس عنوانا لمرحلة جديدة»، ناقلةً عن ياسين لدى وصوله صنعاء شكره لـ»صالح»، لما أوتي من حكمة. طبعاً الحكمة التي عناها ياسين هي تلك التي قتلت «جار الله عمر» وأقعدت «علي صالح عباد مقبل» وأوصلت ياسين أميناً عاماً للحزب الاشتراكي اليمني.
على ذكر صحيفة «البيان»، عمل ياسين في إحدى الجامعات الإماراتية أستاذاً للاقتصاد بعد هزيمة 1994، وحتى عودته/ إعادته إلى صنعاء العام 2003، واستكتبته «البيان» في تلك الفترة، ومما كتب حينها حديثه عن علاقته الملتبسة مع أستاذه البريطاني الذي جنده مبكراً لصالح الـ(إم 6)، وهي العلاقة التي أثمرت لاحقاً تعيينه سفيراً لحكومة المرتزقة في لندن كمكافأة نهاية خدمة، وهي المكافأة الرخيصة التي أراد ياسين استثمارها أكثر بمحاولة بيع مبنى السفارة، لولا موقف صنعاء الذي أفشل واحدة من صفقات نعمان الرخيصة.
وفي مثالٍ على عمالته المزدوجة وبرغم حضوره مؤتمر الرياض الخياني وتأييده وتبريره المتواصل للعدوان برؤوسه وأدواته كلها، إلا أن ارتهانه للإماراتيين تجلى أكثر في دعوته إلى الهدوء وتحكيم العقل بشأن الاحتلال الإماراتي لسقطرى، وهو ما عرضه لهجوم إخواني حاد. غير أن من الواضح أن سعر الصرف المختلف للريال والدرهم هو ما يمايز التباسات هكذا جدلٍ ارتزاقي بين الخونة ويحسمه قرار «البريكست» البريطاني الذي يحدد من جديد قيمة ياسين بالجنيه الاسترليني.
بعد عامين من عودته إلى صنعاء عام 2003، وقد خلت ساحة المنافسة من الكبار، أصبح ياسين أميناً عامّاً للحزب الاشتراكي، وظل في المنصب حتى 18 ديسمبر 2014، نسف خلالها ما تبقى للحزب من شخصية اعتبارية ومن موروث نضالي، وحوله ياسين إلى مجرد مؤخرة إخوانية تصدر الصراخ والدخان.
لم تكن فضيحة الخيانة المرقومة في كشوفات اللجنة السعودية الخاصة والمشهودة في مؤتمر الرياض لتأييد وتبرير العدوان هما انكشاف ياسين الأول واكتشاف خيانته الثاني، فقد اتضحت وظيفته الوصائية المخادعة ودوره التبعي المخاتل قبل ذلك من خلال سباق مساوماته المحمومة كأحد رؤوس أحزاب المشترك مع نصف نظام الوصاية المنظور وعبر سياق تنظيراته الملغومة لإعادة تموضع نظام الوصاية عبر وضعية الاهتزاز وعلى أرضية مبادرة إعادة الوصاية الخليجية.
ختاماً: أقتبس من إحدى خلاصات الشاعر والكاتب الكبير صلاح الدين الدكاك بشأن ياسين. يقول صلاح: «ومثلما يفعل مهرب آثار وغد ولئيم، حمل ياسين سعيد نعمان ما تبقى من جثمان الحزب المومياء في حقيبة سمسونايت، وطار به مرتحلاً بين مزادات السوق الحرة من دبي إلى الرياض إلى لندن، يؤجره في حفلات البورنو والتعرِّي السياسي ونكاح الموتى وجاليري الدعاية الدولية للعدوان على ما كان يسمى بلده وشعبه وجماهير حزبه العريضة».