التحرير بين إعادة انتشار العدوان وانسحابات المرتزقة
- تم النشر بواسطة «لا» 21 السياسي

«لا» 21 السياسي -
في أخيرة العدد (781) من صحيفة «لا»، الصادر في 19 ربيع الأول 1443هـ، الموافق 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وتحت عنوان «الزبيدي وعفاش: كمشيٍ في الحذاء ذاته!»، تحدثتُ بعجالةٍ في قصاصةٍ صحافية عن الحوارين المطولين (في أقل من أسبوعين) لصحيفة «عكاظ» السعودية مع المرتزقين طارق عفاش وعيدروس الزبيدي، وسألخص هنا ما قلته ساعتها تعليقاً على ما سبق:
«من الواضح أن ثمة تفاهما سعوديا إماراتيا بإعادة تدوير نفايات الخيانة السواحلية في مكب مجلس الأمن الأمريكي البريطاني، في محاولة استباقية لتحرير مدينة مأرب وسقوط شرعجية الخونج -المعدومة أصلاً- الدعائية، وبحثاً عن تفعيل أدوات الرياض وأبوظبي الارتزاقية غرباً وجنوباً، بالتزامن أيضاً مع التدخل العسكري العلني والمباشر للاحتلالين الأمريكي والبريطاني في البحر الأحمر وسواحل المهرة وحضرموت وشبوة على البحر العربي... تلك هي الخلاصة من وراء كل هذا الضجيج الزائف والمزور والمفتعل والمخاتل والمخادع بدايةً من بيان مجلس الأمن الصهيوني وليس نهايةً ببكائيات فضائيات الفتنة ومنظمات الجندر على سكان مأرب مروراً بتصريحات المبعوثين الأمريكي الأممي والأممي الأمريكي إلى اليمن وعنتريات تركي المالكي وسلطان العرادة واغتيال القيادي الإصلاحي ضياء الأهدل في تعز...».
ليعلن العدوان السعودي الأربعاء 10 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري أن قواته تعيد الانتشار بما يتسق مع استراتيجيته لدعم مرتزقته، لكنها لا تنسحب.
وقال ناطق العدوان، تركي المالكي، إن التقارير المتداولة بخصوص انسحاب عسكري سعودي من جنوب اليمن غير صحيحة ولا أساس لها.
وجاء حديث المالكي تعليقاً على انسحاب قوات الاحتلال السعودي بصورة مفاجئة من مدينة عدن، ناقلةً -فجر الثلاثاء- أرتالا من مدرعاتها وآلياتها العسكرية من معسكرها في البريقة وشحنها على متن سفن عملاقة في ميناء عدن، فيما نقلت طائرة شحن عددا كبيرا من الضباط والجنود السعوديين من مطار عدن.
بالتوازي، انسحبت قوات الخائن طارق عفاش وألوية العمالقة التابعة للإمارات من الخطوط الأمامية جنوب وشرق الحديدة باتجاه المخا. ومن بين تلك الألوية «اللواء الخامس» بقيادة أبو هارون اليافعي، و»اللواء السادس» بقيادة ناصر قاسم الصبيحي.
إعلام مرتزقة الإخوانج فسر هكذا انسحابات وفقاً لحسابات حزب الإصلاح متحدثاً بأنها تأتي ضمن ترتيبات دولية لاستبدال ما يسميها «الشرعية» المستهلكة والمنتهية الصلاحية بما تسمى «الشرعية» الجديدة والمُدربة والمُخزنة ممثلةً في الخائن طارق عفاش والمرتزق عيدروس الزبيدي مع تقليص دور الثاني وتطويعه لصالح الأول.
ويتجاوز هكذا تفسير إخوانجي متعمداً احتمال أن يكون انسحاب قوات العدوان السعودي الإماراتي ومرتزقته قد يهدف إلى تعزيز قوات الإخوانج أنفسهم المنهارة في مدينة مأرب، وهو الاحتمال الذي يسنده ظهور بعض المرتزقة من أتباع عفاش في جبهة صرواح.
من جهةٍ أخرى، يقدم إعلام مرتزقة الإمارات في الساحل تفسيراً مختلفاً لانسحاب مليشياتهم من خطوط التماس في الحديدة، عارضاً الأمر في شقين متضادين: الأول ينفي الانسحاب تماماً، فيما الشق الآخر يقدم الأمر بكونه لا يعدو عن تنفيذ بنود «اتفاق ستوكهولم» المتعلقة بفض الاشتباك وتراجع القوات مسافات معينة وإيقاف الاختراقات، وغيرها من البنود التي لم تنفذها تلك المليشيات منذ توقيع الاتفاق في السويد بين وفد التفاوض الوطني ووفد حكومة المرتزقة أواخر العام 2018.
التفسير الثالث يذهب إلى أن ما حدث من انسحابات يأتي ضمن مساعٍ إقليمية ودولية تهدف لإيقاف تحرير قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية لمدينة مأرب مقابل تقديم اتفاق أممي جديد بشأن مأرب يوازي «اتفاق ستوكهولم» بشأن الحديدة، ويلبي أبرز مطالب صنعاء التي ترفض هكذا عرض لانعدام الثقة بنزاهة الأمم المتحدة وفشلها في تنفيذ «اتفاق ستوكهولم»، بل وتحولها إلى طرفٍ خصمٍ يتماهى مع عرقلة وعدوانية مرتزقة العدوان. وبالتالي فقد جاءت تلك الانسحابات وفقاً لهذا التفسير ضمن محاولات إقليمية ودولية لإبداء حسن النية وإلزام عواصم العدوان ومرتزقتها بتنفيذ الشق المناط بهم تنفيذه من «ستوكهولم» والمعرقل منذ أربع سنوات، في سبيل إقناع قيادة صنعاء بجدية العرض وحيادية الوسطاء.
ثمة تفسير رابع يؤكد أن ما أعلنه ناطق العدوان من أن انسحاب قوات الاحتلال جاء لإعادة الانتشار بما يتسق مع استراتيجيتها لدعم مليشياتها من الخونة والمرتزقة، لكنها لا تنسحب. وقد يكون هكذا تفسير هو الأقرب للحقيقة من وجهة نظري المتواضعة، بناءً على ما تقدمه السياقات الموازية محلياً وإقليمياً ودولياً، واستناداً لما عرف عن استراتيجية بني سعود في اليمن، والتي من أهم أهدافها السيطرة على المناطق الحيوية والغنية واحتلالها. ويبدو أن أمر مأرب قد صار محسوم النتيجة محتوم التحرير. أما ما بعد مأرب فهو ما تخشاه الرياض. شبوة وحضرموت هما مربط فرس هاهنا لانسحابات المرتزقة وإعادة انتشار قوات الاحتلال.
لم يصدر حتى لحظة تحرير هذه المادة أي تعليق رسمي من قبل قيادات الدولة في صنعاء بخصوص كل ما سبق؛ إلا أن ثمة تأكيدات وطنية سابقة لهذا الأمر ومتزامنة معه تشير إلى أن حسم قرار تحرير مدينة مأرب نهائي، مع رفض سياسة المساومات المتعلقة بمبدئية التحرير الناجز لكل التراب الوطني، وعدم الإذعان لمخاتلة العصا والجزرة الأممية، وأن الشعب اليمني الذي صمد لسبع سنوات وما يزال في وجه أعتى عدوان بربري في التاريخ، لن توقفه الغارات المتوحشة التي بات جديراً بالرد عليها بأشد منها (وما مقتلة الفوج الأول في عسير ببعيد)، ولن تخيفه المناورات الصهيوأمريكية في البحر الأحمر، ولن ترهبه عقوبات واشنطن بحق قياداته ولا تمكين السعودية بالمزيد من الأسلحة، ولن تمنعه جبال البلق من العبور إلى ما بعدها والمرور إلى ما خلفها والانتصار لتضحياته بالنصر على جلاديه.
المصدر «لا» 21 السياسي