الشاعر السوري أخيل عيد لصحيفة «لا»:أنا جندي يتشرف بمسح قدم المقاوم في فلسطين واليمن والعراق والشام
- تم النشر بواسطة نشوان دماج / لا ميديا
حاوره نشـوان دماج / لا ميديا -
تقرأ قصائده فيحملك جناحان من مخمل إلى حيث الأساطير تتكثف حتى تكاد تصبح واقعاً، يزيد من كثافتها روح السياب وخيالاته، وكذا رمزية الاسم نفسه الذي يحمله. إنه الشاعر والصحافي السوري أخيل أحمد عيد.
من مواليد 25/4/1976 دير ماما – مصياف، البيئة التي تتغنى باثنين من عمالقة الشعر، هما المكزون السنجاري ومنتجب الدين العاني، وينتمي إليها العديد من الشعراء، منهم بدوي الجبل وسليمان العيسى ونديم محمد وممدوح عدوان. وهي بيئة جبليةٌ جميلة طافحةٌ بالحب والإيمان والفقر ومثاليةٌ للشعر. يعمل صحافياً، وهو مقيمٌ في دمشق يشارك مع أبناء شعبه الوقوف في وجه الحرب الكونية على سوريا. يحمل إجازة في الإعلام، ويعمل مديراً لمكتب الإعلام في وزارة النفط.
صحيفة «لا» حاورت الشاعر أخيل عيد حول العديد من القضايا، فإلى النص:
من حزب «لا»
حبذا لو بدأنا لقاءنا بتعريف القارئ اليمني من هو الشاعر أخيل عيد؟
ثمة شاعرٌ كان يعمل مدرساً للغة العربية يدعى أحمد عيد، تستطيع أن تقول عنه إنه من حزب الـ«لا»، كان غارقاً في أشعار إلياذة هوميروس عندما قدمتُ إلى هذا الوجود عام 1976. ولأنه كان مأخوذاً بالبطولة، أطلق علي اسم بطل الإلياذة، وتعهدني بالكثير من الحب والشعر، وحاول وسعه أن يقدم أفضل ما في وفاضه من التعليم الذي كان يصفه بـ«أصعب مهنةٍ على الإطلاق لمن يمتلك ضميراً». وعندما كان يقرأ لي النصوص قبل حفظها، كان يتلوها من قلبه فتقع في قلبي، وبدأت أستطعم وقع الكلمات وأرددها في أغوار معانيها، لاسيما الكلمات القرآنية. كذلك من يحفظ كماً كبيراً من الشعر يتقن الموسيقى وتستقيم سليقته اللفظية ويستطيع أن ينظم الشعر. لذلك أيها العزيز نشوان لا أستطيع أن أسمي نفسي شاعراً إلا في قصائد قليلة أشعر بأنني قدمت فيها جديداً. ولعل السياب أكثر من يحضرني حين تبدأ بقراءة الكلاسيكيات المنظومة في بداية ديوانيه، ثم تشعر بأنه خرج من بحيرته الضحلة إلى المحيط الواسع حين وجد قصيدته. وعلى ذلك تستطيع أن تصفني بالباحث عن قصيدته قبل أن أستحق هذا اللقب الكبير: لقب الشاعر.
بكل الأحوال تلك البيئة التي ولدت فيها تتغنى باثنين من عمالقة الشعر، هما المكزون السنجاري ومنتجب الدين العاني، وينتمي إلى تلك البيئة العديد من الشعراء منهم بدوي الجبل وسليمان العيسى ونديم محمد وممدوح عدوان. وهي بيئة جبليةٌ جميلة طافحةٌ بالحب والإيمان والفقر، ومثاليةٌ للشعر. أعمل صحافياً، وأنا مقيمٌ في دمشق أشارك مع أبناء شعبي في رد هذا الغزو الأخير ما وسعني، ولا أرى في نفسي غير هذا الاشتياق المزدوج:
كياني خاملُ الألوانِ كابي
لأضدادٍ تآلفها شبابي
فبي بعضٌ يتوقُ إلى السحابِ
وبي بعضٌ يحِنُّ إلى الترابِ
يرونه بعيداً ونراه قريباً
ما هي الرمزية التي يحملها اسم أخيل؟
الرمزية تحمل صفة البطولة التي يتوق إليها من يحملون هموم أمة، ربما حاولتُ تجسيدَ شيءٍ من رمزية هذا الاسم الغريب الذي أطلقه علي أبي في نصٍ سبق ونشرته بعنوان «رسالة من أخيل إلى هكتور». وأنا رغم غرابة الاسم وحاجتي لأن أكرره عدة مرات عند سؤالي عنه، والسؤال الملحق دائماً عن معناه وميل اللسان العربي لفتح الياء بدل تسكينها. رغم كل هذا، أحبه وأحب تلك المجازية التي ترافق الإنسان في حياته من خلال اسمه. لذلك ذكرته في نص «حديثٌ طائفيٌّ جداً» بأنني سُميت مجازاً أخيل. بكل الأحوال، كان الاسم مناسباً برمزيته لمواقع التواصل الاجتماعي، وإن كان جواب أبي عندما كان يسأل عن هذه التسمية أنهم كانوا يريدون أن يحرروها ويوحدوها من المحيط إلى الخليج. وهذا ما أؤمن بأن المقاومة قادرةٌ على فعله رغم قتامة المشهد الحالي (يرونه بعيداً ونراه قريباً).
لسان حال المقاتلين
المقاومة والشعر.. ما العلاقة بينهما عند الشاعر أخيل عيد؟
الفن والشعر عموماً موهبةٌ وصناعة؛ أما المقاومة فهي إيمانٌ وفطرة، وأنا لا أصف نفسي بالشاعر، ولكنني جنديٌ بسيط يتشرف بمسح قدم ذلك اليماني الشجاع الحافي، وذلك العراقي العظيم الذي يعانق المسخ المفخخ، وذلك الشامي الذي يرابط على حدود فلسطين المحتلة والذي أثيرت عليه شياطين الجن والإنس حين اقترب من هدفه.
أذكر عند استشهاد القائد قاسم سليماني كتبت نصاً على شكل رسالة «رسالة من جنديٍ سوري إلى الجندي قاسم سليماني» حظِيَ بانتشارٍ واسع، لأنه كان لسان حال المقاتلين وما يرغبون بقوله للرجل الشجاع.
المقاومة عصمة من المآلات المخيفة
ما الفرق بين الشعر الملتزم واللاملتزم؟ وإلى أي مدى يستطيع الشاعر الثبات على موقفه في أي منهما؟
الشعر بحالته العامة له دلالةٌ خطيرة، كما ورد في الوصف القرآني، والاستثناء حالةٌ خاصة. لذلك تستطيع أن ترى شعراء اليسار ومثقفيه كيف انتموا إلى النفط وصاروا مدافعين شرسين عن عدو أمسهم. وقصارى القول إن هذا الإحساس العالي سلاحٌ ذو حدين يميل بالإنسان إلى تلمس حياة الرفاهية، ويورم الذات وينفخها لتصل إلى (كبرٍ ما هم ببالغيه). ومن ذلك أن قدماء الرومان كانوا يضعون للقادة المنتصرين، الذين يمرون تحت القوس وتحييهم روما بكاملها، عبداً في العربة كانت له مهمة واحدة هي أن يذكّر ذلك القائد العسكري بأنه فانٍ. إذ كانت الحكمة القديمة تعرف خطورةَ أن يصفق لك الناسُ على نفسك. وهذا ينطبق على الشعراء وعلى رواد الفن والأدب عموماً. فإذا أضفت إليها غرابة أطوارٍ ونرجسية، ستكتفي بأن تقرأ شعر أغلب الشعراء عن أن تتعامل معهم؛ خلا الاستثناء القرآني.
في النهاية المقاومة هي التي تمجد الشاعر، وهي التي تستثنيه من اتباع الغاوين وقول ما لا يفعل، وتعصمه من تلك المآلات المخيفة. وأن تنتمي للمقاومة وتكتب لها الرسائل والقصائد فهذا رغبةٌ أكثر منه واجباً، وزفرةٌ وعبرة ترتاح النفس بعد ترقرقها. ولكن انظر لشعراء النفط وما أكثرهم وأقلهم، وقديماً قال أبي عن شعر القصور:
يا شعرُ ما لَكَ غنيتَ الهوانَ بهم فرحتَ تصدر عنهم مثلما صدَروا
لعنْتُهُ قزماً ينساقُ من قزمٍ
مسخٍ وألعن أوصافاً بها مُهروا
يُستَزْلَمُ الشعرُ لا يا شعرُ ما صدقتْ
تلك القوافي وما شعرٌ به كبُروا
ما زخرفُ القولِ في مستنقعٍ حبست
فيه هزائمنا ما العارُ يفتخرُ
أما استطاعة الثبات فهذا ينطبق عليه قول العارف:
ولقد عجبتُ لهالكٍ ونجاته
موجودةٌ ولقد عجبتُ لمن نجا
تأثرت بكوكبة من الشعراء
بمن تأثر الشاعر أخيل عيد من شعراء التفعيلة العرب؟
رغم أنني ورثت احتراماً خاصاً للقصيدة الكلاسيكية، لكنني رأيت كما رأى غيري ميلاً للتجديد، ورغم استغراقي في أشعار نزار وإعجابي بسهله الممتنع وسلاسته، ومحاكاة الجمال الموجود في شعر محمود درويش والصدق المرير الذي يند عن النواب؛ فإن السياب وبُوَيْبه وموته أخذ كامل اهتمامي لحقبةٍ طويلة؛ إذ أشعر أنني مترابطٌ معه في إذهال الموت وفي السخرية المأساوية وفي التصوير المتقن الذي يحول ما لا يقال إلى صور، رغم القسوة البالغة في بعض تلك الصور. كما أن إنسانية ميخائيل نعيمة المعلم المتسامي وبعض أشعار جبران وإيليا أبي ماضي تحتل حيزاً من ذاكرتي، فمازلت أستعيدها وأتذوق حلاوتها وحيراتها.
أدب الرسائل يعبر عما في داخلي
ما المراحل التي مر بها شعر أخيل عيد؟
يمكن أن أقول بأنني جربت عدة ألوانٍ من الأدب؛ فكتبت النصوص الوجدانية والقصص القصيرة، واستهوتني الرسائل، وهو نمطٌ غير شائعٍ من الأدب بأن تكتب بلسان رجلٍ لرجلٍ آخر، ويمكن تسميتها بالرسائل المنسوبة، وهي على زيفها مشحونةٌ بالشغف تجاه تلك الشخصيات، منها رسالةٌ من الحر بن يزيد الرياحي إلى المتمم بن نويرة، ورسالةٌ من هارون إلى موسى، ورسالةٌ من جنديٍ سوري إلى الجندي قاسم سليماني، ورسالةٌ من أخيل إلى هكتور، ورسالةٌ شعرية من السياف مسرور إلى هارون الرشيد. شعرت بأن هذا اللون من الأدب يؤدي ما يعتلج في داخلي، ولكن أمام الشعر فأنا مازلت أبحث عن قصيدتي، ولا أزعم أنني سأجدها، فأنا أشبه ذلك الطفل الحالم مع ريح الشمال، والذي يركض على الشاطئ ويجمع الأحجار الملونة والأصداف وتهزه الأمواج وأصوات السحل الأزلية، ولكنه ينظر إلى هذا البحر اللجي ويفكر في زمنٍ قد يمخر به عبابه.
إقدام الشعر قَتَّال أحياناً
هل سيجد القارئ ديوانا مطبوعا للشاعر أخيل عيد؟ أم سيظل مقتصرا على ما يقرؤه في صفحة الشاعر على «فيسبوك»؟
أعرف الكثير من الشعراء الذين ماتوا ولم ينشروا قصائدهم، وأحترمهم وأجلهم، ولعل انتصارهم للـ«لا» الخاصة بهم (دعني أستعر اسم صحيفتكم المعبِّر) جعلهم مجهولين في الأرض، ولا أدّعي أنني أبلغ مراتبهم، ولكن تحول هذا إلى تراثٍ شيئاً فشيئاً، فالفكر عموماً والشعر الملتزم خصوصاً يفتقر إلى الرعاية والتبني، ولا يطعم خبزاً؛ بل إن إقدامه قَتَّالٌ في بعض المواطن، حسب المتنبي العظيم.
ورغم هذا فأنا أفكر جدياً أن أجمع هذا النتاج في ديوانٍ مطبوع، ولعله يكون جديراً بالوقت والاهتمام.
«العامية» أبلغ أثراً من «الفصحى»
برأيك ما الدور الذي لعبه الشعر والأدب عموما في ثبات السوريين وانتصارهم؟
لعل بعض القصائد كتبت هنا وهناك أوبعض الرسائل والنصوص، ولعلها أسهمت بشكل أو بآخر في الثبات، ولكن في زمن الأرشفة والصورة كانت بعض القصائد العامية أبلغ أثراً من لغتنا الفصيحة المستخدمة كذلك بعض الأغاني. أعرف عسكرياً مقاتلاً من مدينة دير الزور ألقى قصيدةً شعبية سمعها معظم السوريين مراراً، يدعى عبيد عقاب العبد الله، وقد استشهد في ما بعد، ولكن لم يكن هناك ذلك التأثير الذي عهدناه سابقاً للشعر التقليدي، ربما يعود ذلك إلى صعوبة الحرب وفتنتها، والقصف الإعلامي المركز، وجو الإرهاب الشديد الذي ساد في بداية الحرب، لذلك استعيدت الأشعار السابقة لبعض الشعراء وحل الإعلام الحربي في بؤرة الاهتمام.
الغنيمة من صرح هامان النفطي
الانتصارات التي يصنعها اليمنيون في مواجهة العدوان.. كيف هي انعكاساتها برأيك بالنسبة للشعب السوري المقاوم؟
كانت مشاهد الأسود اليمانية ومقاطع الإعلام الحربي المتفوق في اليمن تثلج الصدر وتشعر كل عربيٍ في سوريا بأن جيشه هناك يمرغ أنف هذا الصَّلَفِ النفطي بالتراب، وإن كانت حربهم في سوريا بالوكالة فإن حربهم على اليمن أصيلة، وهذا لعمري يشفي غليل كل غيورٍ في هذه الأمة مع كل صاروخٍ وكل مسيرة وكل تلةٍ وجبلٍ يتسلقه اليمانيون الرجال ويحررونه من الصلف ووخم القار، ويغنمون ذلك العتاد من صرح هامان ويحرقونه كما عجل بني إسرائيل، وهذا ينطبق على الحشد الشعبي في العراق، وعلى رجال حزب الله على تخوم الأرض المحتلة. كلهم جيشنا وشعبنا وقبضتنا الفولاذية.
ثمة مشاهد لا تنسى عن جيوش القار المستسلمة أمام الرجال والذين يساقون أمام أباةِ اليمن استحقت سلاماً:
على يمنيٍّ يسوق الجيوشَ
تهشُّ عصاهُ على الطاغية
على قبضةٍ من جباهِ الصخورِ
تسددُ بالضربةِ القاضية
سلامٌ على اليمني الأبيِّ
سليلِ مكارمهِ العالية
سلامٌ سعيدٌ يجوب القفارَ
ويسرحُ في السهل والبادية
بانتظار معركة كبرى تزيل الكيان الصهيوني
تراجع بعض الأنظمة العربية مؤخراً من موقفها في العدوان والتآمر على سوريا، كالنظام الإماراتي، كيف تنظرون إليه؟
عندما شاهدت ذلك الرجل الساهم أمام جثامين أطفاله في صنعاء كنت أشعر بأن على النظام الكوني أن يختل، ويجب أن تخرج النجوم من أفلاكها وتصطدم ببعضها. كيف للإنسان أن يحتمل كل هذا الأذى وكل هذا الصلف والإجرام؟! إن كنت تسألني عن وجهة نظري السياسية، فأنا أعتقد بأن هذه الجامعة العربية التي صنعها الإنكليز مهمتها هي الحفاظ على واقع التجزئة والتآمر، وأرى هذا البغاث النفطي الذي استنسر أراه في طريق الخراب والزوال كما تخبر السنن، ومازلت من المنتظرين لمعركةٍ كبرى في هذا الشرق تزيل هذا الكيان الصهيوني من الوجود. لذلك لا أرى صلاحاً لأمر هذه الأمة بوجود هؤلاء سواء تراجعوا أم استمروا. إن مستقبلنا جميلٌ رغم كل هذا الحريق.
كلمة أخيرة تودون قولها من خلال صحيفة «لا»..؟
عندما سئل الشاعر الجميل سليمان العيسى في آخر مقابلاته، لماذا اختار صنعاء للإقامة في آخر عمره، كان جوابه بأن صنعاء موطن العروبة، وبها سكنت روحه قبل جسده. كذلك حين سئل عن «إسرائيل» أجاب بكل يقين بأنها غزوة ستمر كما مر غيرها.
المصدر نشوان دماج / لا ميديا