موقع آر تي بالألمانية
ترجمة خاصة عن الألمانية: نشـوان محسن / لا ميديا -
في تاريخها القصير، قامت الولايات المتحدة بالكثير من التدخلات العسكرية ضد دول أخرى. كان أول تدخل لها عام 1798، عندما شرعت، في سياق حرب بحرية غير معلنة مع فرنسا، بتنفيذ مهمات برية في بورتوريكو وجمهورية الدومينيكان. تلاه تدخلات أخرى كان يتم تصويرها على الدوام كما لو كانت مهام مقدسة. يأتي من ثم السؤال: أين هي نقطة التحول الحقيقية بالنسبة لتدخلات الولايات المتحدة؟ هل كانت في نهاية الحرب العالمية الثانية؟ أم في نهاية الحرب الباردة؟
عند النظر في تطور تلك التدخلات، يتضح أن أكبر نقطة تحول كانت نهاية حرب فيتنام. ثمة سببان لهذا الحد الزمني. من ناحية، أدت المقاومة السياسية الداخلية الهائلة، والتي ساهمت بشكل كبير في إنهاء المهمة في فيتنام من خلال عمليات الهروب ورفض الأوامر، إلى حقيقة أن القوات الأمريكية تم تحويلها من جيش لتنفيذ الواجب إلى جيش وظيفي. وبالتالي فالجيش قبل نقطة التحول تلك لا يقارن إلا بشكل محدود مع الجيش بعدها. ومن ناحية أخرى، أدى «الإنهاك الحربي» في الواقع إلى تراجع الأنشطة العسكرية للولايات المتحدة. وبحسب دراسة باللغة الإنجليزية لمؤسسة RAND عام 2019 بعنوان «خصائص التدخلات العسكرية الأمريكية الناجحة»، فإن: «الإنهاك الحربي جعل التدخلات المستقبلية أقل احتمالية، وهي ظاهرة يشار إليها أحياناً باسم متلازمة فيتنام، لأن الولايات المتحدة عقب انتهاء حرب فيتنام ظلت فترة طويلة وهي لا تشارك في أي تدخلات جديدة كبيرة ينجم عنها عدد كبير من الضحايا الأمريكيين وتؤدي إلى نتيجة غير مرضية».
عند النظر إلى مثل هذا التحول، يجب ألا ينسى المرء أبداً أنه لا يعرض سوى جزء من إجراءات السياسة الخارجية العدوانية المحتملة. فبالإضافة إلى العمليات العسكرية العلنية، كان ثمة ولا يزال الكثير من العمليات السرية، بما في ذلك منطقة العمل شبه الحكومي بأكملها، والتي يتم توصيفها بمصطلح «القوة الناعمة»، وصادرات أسلحة، وعقوبات أحادية (وبالتالي غير قانونية)، إلى جانب السياسة الائتمانية لصندوق النقد الدولي مع توجيهاته السياسية. في حالات كثيرة (كحرب العراق الثانية) تعتبر الأعمال في هذه النطاقات، إذا جاز التعبير، جزءاً من التحضير للتدخل العسكري العلني.

1975-1979
خلال هذه السنوات الأربع لم يكن هناك سوى مهمات صغيرة كانت تتم دون قتال. في 1976 تم إرسال عدة سفن تابعة للبحرية الأمريكية إلى ميناء العاصمة الكينية مومباسا، لمنع هجوم محتمل من أوغندا في ظل حكم عيدي أمين، وكذا إلى اليمن عام 1979 لدعم حكومة الشمال الموالية للغرب. ولم تسفر أي من المهمتين عن سقوط قتلى.

1980
تحت اسم «عملية مخلب النسر»، أرسلت حكومة جيمي كارتر ثمان طائرات هليكوبتر إلى إيران لتحرير الرهائن المحتجزين في السفارة الأمريكية. من بين تلك المروحيات الثماني، نجحت خمس طائرات فقط في الوصول إلى المنطقة المستهدفة؛ فتم إلغاء المهمة. واصطدمت إحدى المروحيات المتبقية بطائرة نقل، مما تسبب في تحطمها. أسفرت العملية عن ثمانية قتلى من بين الجنود الأمريكيين المشاركين.

1981 - السلفادور
من 1981 حتى 1992، أدرجت مؤسسة RAND المساعدة الاستشارية في قائمة الحرب الأهلية السلفادورية، وهي أنشطة استشارية في الحرب الأهلية بالسلفادور. كلفت تلك الحرب، والتي كانت بمثابة انتفاضة ضد الدكتاتورية العسكرية، ما مجموعه 75000 من السكان. وبحسب قائمة الكونجرس، كان هناك 55 مستشاراً عسكرياً أمريكياً في البلاد لتدريب الجيش على قمع التمرد. لطالما زُعم أن هؤلاء المستشارين كانوا بعيدين عن العمليات القتالية، إلا أن البروفيسور الأمريكي تيري لين كارل، الذي ظل يتعاطى لعقود مع الحرب الأهلية في السلفادور، قدم أدلة في دعوى قضائية رفعت حينها على تورط مستشارين عسكريين أمريكيين في مذبحة El Mozote، وهي واحدة من أفظع المجازر في تلك الحرب. حيث قتل الجيش السلفادوري في المذبحة التي وقعت في ديسمبر 1981، عدد 978 قروياً، من بينهم 533 طفلاً. وفي 1982، تم الكشف عن المجزرة في الصحافة الأمريكية. ومع ذلك، ظل المستشارون العسكريون الأمريكيون يمارسون أنشطتهم حتى عام 1992.

ليبيا
في 19 آب/ أغسطــــــس 1981، أسقطت طائرات مقاتلة انطلقت من حاملة الطائرات نيميتز، طائرتين ليبيتين، أطلقت إحداهما، بحسب بيان الولايات المتحدة، صاروخاً حرارياً موجهاً. وجاء في بيان الكونجرس أن «الولايات المتحدة كانت تجري بانتظام تدريبات لحرية الملاحة في مياه خليج سيرت، التي ادعت ليبيا أنها مياه إقليمية، لكن الولايات المتحدة ترى أنها مياه دولية».
في القانون البحري الدولي، عادة ما يتم تسوية أي خط ساحلي وجعله مستقيماً، بحيث تعتبر الخلجان مياهاً خاصة ليس ثمة فيها من حق لأي دولة أجنبية بالمــــرور. صحيح أنه في المياه الإقليمية هناك حق في المرور السلمي، لكن هذا لا يسري على السفن الحربية للدول الأجنبية.

1982 - لبنان
من 1982 وحتى 1984، كان ثمة عدد من المهام للقوات الأمريكية في لبنان، الذي اندلعت فيه حرب أهلية عام 1975. المهمة الأولى كانت جزءاً من قوة متعددة الجنسيات كان من المفترض أن تغطي انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان. إن الحرب الأهلية اللبنانية معقدة للغاية بحيث يصعب شرحها بإيجاز؛ حيث إن خصومات العراق وسوريا لعبت دوراً فيها، وكذلك الغارات «الإسرائيلية» التي تتوجت باحتلال دام سنوات لجنوب لبنان. أما القوات الأمريكية فقد لعبت دوراً ثانوياً فقط، ولكن سرعان ما نظر إليها السكان كعدو، خاصة بعد أن ارتكبت قوات الأقلية المسيحية، تحت غطاء «الإسرائيليين»، مذبحة في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في سبتمبر 1982 عقب الاجتياح «الإسرائيلي».
أودت الهجمات المتلاحقة التي نفذها فدائيون لبنانيون بحياة 241 جندياً أمريكياً. وفي شباط/ فبراير 1984 تم أخيراً سحب الوحدات الأمريكية، لتتمركز القوات السورية في لبنان حتى عام 2005، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى نزع سلاح المليشيات المتنافسة ووضع حد للحرب الأهلية اللبنانية.
لا توجد معلومات متاحة عن ضحايا القوات الأمريكية في لبنان. لكن السؤال الوحيد الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت مجزرتا صبرا وشاتيلا ستحدثان لولا الانسحاب المسبق لمنظمة التحرير الفلسطينية.

1983 - هندوراس
منذ 1983، يقوم الجيش الأمريكي بمناورات في هندوراس. وبحسب دراسة مؤسسة RAND، يتم تدريب قوات الـ«كونترا/ السلفــــــــــادورية/ الهندوراسية/ البنمية/الكوستاريكية»؛ أي أن الأمر يتعلق أيضاً بتدريب قوات الكونترا في نيكاراغوا. تضمنت أولى هذه المناورات، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، بعثة مكونة من 4000 جندي مشاة ومجموعتين من حاملات الطائرات. هذه المناورات هي جزء من تورط الولايات المتحدة في الحروب الأهلية في نيكاراغوا والسلفادور، حيث تم تدريب القوات المشاركة في تلك الحروب.
في الوقت الذي كانت تجري فيه تلك المناورات، قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) بتلغيم الموانئ في نيكاراغوا. فوقعت السفن التجارية ضحية لتلك الألغام. وبناء عليه، قام الكونجرس بحظر المزيد من الدعم للكونترا. وأدى ذلك في النهاية إلى قضية إيران كونترا.
من 1983 وحتى 1985، أقامت الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع هندوراس معسكرا تدريبيا، غير أن هذا المعسكر كان يستخدم بشكل أساسي ضد الجيش السلفادوري. وفي يوليو 1983، كان يوجد في هندوراس 270 مستشاراً عسكرياً أمريكياً.
من فبراير وحتى مايو 1985، كانت هناك مناورة رئيسية أخرى شاركت فيها 39 سفينة حربية أمريكية و7000 جندي، تحت سيناريو خيالي تقوم فيه نيكاراغوا بغزو هندوراس. تبعتها في مايو 1987، مناورة رئيسية أخرى بمشاركة 100 طائرة هليكوبتر مع القوات الجوية الأمريكية. أما توصيف مكتبة الكونغرس للعمليات فيقول: «إن هذه المناورات بمثابة اختبار لقدرة الجيش والبحرية ومشاة البحرية والقوات الجوية، وقوات خفر السواحل، على التعبئة والعمل معا في عملية واسعة النطاق، كما أنها كانت تهدف تأسيس بنية تحتية لوجستية للكونترا الذين يتواجدون في هندوراس. بحيث أن دانيال خوسيه أورتيغا سافيدرا، رئيس نيكاراغوا حينها، اتهم الولايات المتحدة بالتخطيط لغزو بلاده».
منذ 1983، تحتفظ الولايات المتحدة بقاعدة إنريكي سوتو كانو الجوية في هندوراس، والتي تم توسعتها بمئات الملايين من الدولارات لتصبح أحدث قاعدة في أمريكا الوسطى، تستخدم أيضاً للتواصل مع الكونترا النيكاراغوية. ولا تزال الولايات المتحدة تستخدم تلك القاعدة حتى يومنا هذا، بالرغم من أن دستور هندوراس يحظر تمركز أي جيش أجنبي على أراضيها.

غرينادا
على الجزيرة الكاريبية الصغيرة، بسكانها الذين يزيدون قليلاً عن مائة ألف نسمة لا يزالون من الناحية الرسمية جزءاً من بريطانيا، واقتصادهم الرئيسي يقوم على السياحة وتصدير جوز الطيب، حدثت في 1979 ثورة غير دموية أتت بموريس بيشوب إلى السلطة. وكالعديد من الدول التي سبقتها (فيتنام، كوبا)، حاولت تلك الحكومة البقاء على الحياد بين كتلتي الحرب الباردة. لكنها لم تلق آذاناً صاغية من الولايات المتحدة؛ بل إن تلك قدمت ادعاءات غير مثبتة بأنه سيتم بناء مطار للقوات الجوية الكوبية على غرينادا، وميناء للغواصات السوفيتية. تم إقناع صندوق النقد الدولي بحجب الائتمان عن الجزيرة. وبعد خلع بيشوب وقتله على يد المنافسين الداخليين في الحزب عقب رحلة لهم إلى الولايات المتحدة، قدمت الولايات المتحدة طلباً (لم يتم بحثه حتى مع الحكومة البريطانية) للمقاطعة البريطانية للتحجج بغزو غرينادا.
هبط ما مجموعه 7000 جندي أمريكي في الجزيرة، فيما كان جيش الجزيرة برمته ليس أكثر من 1200 رجل، ليستولوا عليها في غضون أربعة أيام. أودى القتال بحياة 19 منهم، وبأرواح 45 من سكان غرينادا و25 كوبياً. وأسفر الغزو إلى توتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وبريطانيا. فكتبت رئيسة الوزراء البريطانية، مارغريت تاتشر، إلى الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، تقول: «سيتم النظر إلى هذا الإجراء على أنه تدخل من قبل دولة غربية في الشؤون الداخلية لدولة صغيرة ومستقلة، بغض النظر عن مدى عدم شعبية نظامها. وإنني أرجو أن تأخذوا ذلك بعين الاعتبار في سياق العلاقات العامة بين الشرق والغرب. وفي الحقيقة فإننا في الأيام القليلة المقبلة سنقوم في مجالسنا البرلمانية بعرض مواقع صواريخ كروز في هذا البلد. لا يمكنني إخفاء حقيقة أنني أشعر بقلق عميق من تدخلكم الأخير». بل إن ريغان نفسه اعترف لاحقاً بأن الولايات المتحدة لم يكن لها الحق في التدخل في غرينادا.

1985
في تشرين أول/ 7 أكتوبر اختطف أربعة فلسطينيين السفينة السياحية الإيطالية أشيل لاورو التي كانت في طريقها من الإسكندرية إلى بورسعيد. كانت عملية الاختطاف بمثابة رد فعل أثار الذعر. لقد أرادوا تنفيذ هجوم داخل إسرائيل، ولكن تم اكتشافهم من قبل الطاقم، وعندها قاموا باختطاف السفينة. كانوا يطالبون بالإفراج عن أسرى فلسطينيين في إسرائيل. وبعد أيام من تجوالها في البحر الأبيض المتوسط، رست السفينة أخيراً في بورسعيد، فتم الإفراج عن الرهائن ونقل الخاطفين في طائرة ركاب مصرية إلى الجزائر العاصمة. اعترضت أربع طائرات حربية أمريكية الطائرة وأجبرتها على الهبوط في صقلية.
يتبع مطار صقلية العسكري Sigonella سلاح الجو الإيطالي، إلا أن وحدات أمريكية تتمركز هناك أيضاً. عندما هبطت الطائرة مع الخاطفين، تم تطويقها على الفور من قبل عناصر سلاح الجو الإيطالي؛ ليحيط بهم 50 عنصراً من القوات الخاصة الأمريكية هبطوا بعد الطائرة مباشرة. بررت الولايات المتحدة ظهورها بأن الخاطفين أطلقوا النار على مواطن أمريكي.
لم يتم استشارة الحكومة الإيطالية بذلك الإجراء. ودفاعاً عن السيادة الإيطالية، تم تطويق الطائرة والجنود الأمريكيين الخمسين من قبل الجنود الإيطاليين وقوات الدرك. خاض القادة الأمريكيون والإيطاليون جدالات شرسة في المطار، وكانوا على وشك تبادل إطلاق النار. وبعد خمس ساعات من المفاوضات انسحب الأمريكيون، لتقوم الشرطة الإيطالية بإلقاء القبض على الخاطفين بموافقة مصرية. أما مسؤولو منظمة التحرير الفلسطينية الذين شاركوا في المفاوضات وكانوا على متن الطائرة فقد أعطوا تسييراً آمناً من قبل الحكومة الإيطالية، التي كانت في غاية الاستياء من حكومة الولايات المتحدة. وبعد أن حطت الطائرة رحالها في روما، هبطت طائرة عسكرية أمريكية أخرى زعمت أنها في حالة طوارئ فنية، لتقف أمام الطائرة المصرية مانعة إياها من الإقلاع. وفقط حين أعلنت إدارة المطار عن نيتها في استخدام الجرافات لإخلاء المكان، انسحبت تلك الطائرة الأمريكية هي أيضا.
كان للحكومة الإيطالية مصلحة في تسوية سلمية قدر الإمكان؛ ذلك لأن الحكومة المصرية أعلنت أن السفينة الإيطالية لن يُسمح لها بمغادرة الميناء المصري حتى عودة الطائرة المصرية. كان طاقم السفينة السياحية إيطالياً إلى حد كبير. وباعتبار أن الحادثة على أراض إيطالية بموجب القانون الدولي، فقد كان لإيطاليا أيضاً الحق في إمضاء العقاب.
صحيح أن رئيس الحكومة الإيطالية في ذلك الوقت، بيتينو كراكسي، كان عضواً مخلصاً للناتو، لكنه لم يكن قادراً من الناحية السياسية على تحمل أي تنازل عن سيادته بهذه الطريقة. وأعلن من داخل البرلمان أنه: «لا يمكن استخدام قواعد الناتو في إيطاليا من قبل حلفائنا إلا للأغراض المحددة»، وما حدث في مطار صقلية يجب «ألا يتكرر أبدا لمصلحة كلا البلدين وحلف شمال الأطلسي».

1986 - ليبيا مرة أخرى
في كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير 1986، أجرت الولايات المتحدة مناورات بحرية بالقرب من الساحل الليبي. وفي 24 آذار/ مارس، توجه طراد ومدمرتان من مجموعتي حاملات الطائرات الموجودة في خليج سيرت، الذي تطالب به ليبيا. توجهت صوبها عدة زوارق دورية ليبية. وقد غرق اثنان منها خلال الاشتباكات. فيما قالت ليبيا إنها أسقطت ثلاث طائرات مقاتلة أمريكية، وهو ما لم تؤكده الولايات المتحدة.
في 14 نيسان/ أبريل، قامت الولايات المتحدة بقصف طرابلس وبنغازي. جاءت الغارات ردا على هجوم في 5 نيسان/ أبريل على ملهى لابيل الليلي ببرلين، والذي قتل فيه جندي أمريكي وأصيب 50 آخرون. قالت الولايات المتحدة إن لديها أدلة على أن الهجوم تم تنظيمه من خلال السفارة الليبية في جمهورية ألمانيا الديمقراطية.
قُتل ما لا يقل عن 30 مدنياً ليبياً في الهجوم، وبحسب مصادر أخرى وصل عددهم إلى 100. كما تضررت سفارات عدة دول في القصف الذي استمر مدة نصف ساعة. وكان من بين الأهداف منزل معمر القذافي، الذي قتلت إحدى بناته وأصيب اثنان من أبنائه. ويعتقد أن اغتيال القذافي كان أحد أهداف ذلك الهجوم.
بررت حكومة الولايات المتحدة هجومها بأنه دفاع عن النفس. وحتى لو تم اعتماد ذلك السبب من قبل عدد من الكتاب الأمريكيين هنا وهناك، يظل مشكوكاً فيه من وجهة نظر القانون الدولي؛ ذلك لأن ميثاق الأمم المتحدة لا يسمح باستخدام القوة العسكرية إلا إذا لم تكن هناك وسيلة أخرى ممكنة. نجم عن ذلك أن الولايات المتحدة من خلال مناوراتها التهديدية المستمرة كثفت الصراع قبالة الساحل الليبي.
كانت الدول الأوروبية، باستثناء البريطانيين، غير راغبة في قبول منطق الولايات المتحدة وتأييد الهجوم. أما فرنسا وإيطاليا وإسبانيا فقد نفت أن يكون ذلك الجزء من القنابل الأمريكية الذي جاء من بريطانيا تصريحاً للتحليق في البحر الأبيض المتوسط عبر مضيق جبل طارق.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 1986، أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة الهجوم. أما الإدانة من قبل مجلس الأمن فقد أفشلها الفيتو الأمريكي.
في تموز/ يوليو 1986 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية حكماً ضد الولايات المتحدة لشكوى قدمتها نيكاراغوا بسبب هجمات الكونترا. من المثير للاهتمام ملاحظة أنه في هذه الحالة أيضاً، كما في الهجوم على ليبيا، لجأت الولايات المتحدة إلى «دفاع عن النفس». غير أن المحكمة قضت بأن «الولايات المتحدة الأمريكية قامت بتدريب وتسليح وتجهيز وتمويل وإمداد قوات الكونترا في نيكاراغوا، أو تشجيعها ودعمها ومساعدتها على نحو آخر بأنشطة عسكرية وشبه عسكرية، في انتهاك للقانون الدولي الذي يلزمها بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى».
هذا الحكم مهم من حيث أن التهمة التي وجهتها الولايات المتحدة ضد ليبيا بتشجيع وتدريب إرهابيين قاموا بمهاجمتها وأبدوا مساعدة على الأقل في تنفيذ مثل تلك الهجمات، هي من الناحية القانونية التهمة ذاتها التي وجهتها نيكاراغوا للولايات المتحدة: دعم وتمويل وتدريب جماعات إرهابية التي تستهدف نيكاراغوا. مع الفارق أن عدد الضحايا في نيكاراغوا كان أعلى بكثير.
لم يكن لهذا الحكم أي تبعات ملحوظة بالنسبة للولايات المتحدة، حيث عرقلت قرار مجلس الأمن من خلال استخدام الفيتو، وهو القرار الذي كان من المفترض أن يجري تنفيذه. لم يتم تعويض ما لحق بنيكاراغوا من ضرر. وبطبيعة الحال، فإن هذين الحدثين المتوازيين للعام 1986 يحددان اللحظة التي يبلغ فيها تحرك نحو قانون دولي أكثر صرامة إلى ذروته (في الحكم المذكور) وفي نفس الوقت يبدأ توجه ما نحو رؤية تعسفية (مع هجوم الولايات المتحدة على ليبيا).

1988-1990 - بنما
حتى عام 1903، كانت بنما إحدى مقاطعات كولومبيا؛ إذ إن الانفصال الذي فجرته عملية عسكرية أمريكية، وجد بطبيعة الحال قبولاً لدى السكان، الذين كانوا يأملون في أن يوفر فرص تنمية أفضل. لكن مع معاهدة قناة بنما، انفصل البنميون عن الولايات المتحدة – فكان للأخيرة أن تحتفظ لفترة غير محددة من الزمن بكامل سيطرتها على القناة وعلى شريط من الأرض بعرض 16 كيلومتراً حولها. هذه السيطرة تم الدفاع عنها بشدة؛ ففي عام 1964، أطلقت القوات الأمريكية النار وقتلت 24 طالباً بنمياً كانوا يحاولون رفع العلم البنمي في منطقة القناة.
وبعد سنوات من الجهود الدبلوماسية، دفع عمر توريخوس، رئيس المجلس العسكري (التقدمي) للفترة من 1969 وحتى 1978، الرئيس الأمريكي كارتر، إلى توقيع معاهدة في 1977 تنص على عودة القناة إلى بنما عام 1999.
في 1988، زاد عدد الجنود الأمريكيين المتمركزين بشكل غير قانوني في قناة بنما بمقدار 1000 جندي لأول مرة، تبعهم 1990 آخرون. هذه القوات الإضافية قامت بمناورات مستمرة في منطقة القناة. وفي 21 كانون الأول/ ديسمبر 1989، حطت القوات الأمريكية المحمولة جواً في بنما في عملية «القضية العادلة»، والتي بحسب الرئيس بوش، تهدف إلى «حماية أرواح الأمريكيين، والدفاع عن الديمقراطية في بنما، ومكافحة تهريب المخدرات، وحماية سلامة معاهدة قناة بنما»؛ ليتم في غضون ثلاثة أيام غزو البلاد من قبل 27684 جندياً أمريكياً بأكثر من 300 طائرة.
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الغزو يعتبر «انتهاكاً مخزياً للقانون الدولي»؛ ومرة أخرى كان لفيتو الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا أن يُفشل صدور أي قرار من مجلس الأمن.