بطعم «السكر».. نقش على جدار «المثانة»
- تم النشر بواسطة «لا» 21 السياسي

«لا» 21 السياسي -
مغطياً ثلثي وجهه المكتنز بكمامةٍ زرقاء فاقع لونها، وثلثه الباقي بنظارته المذهبة السميكة، مرتدياً قفازين بلاستيكيين على كلتا يديه، وبالطوهاً أبيض على نصف جسده، يقرفص الطبيب الخمسيني الشهير على كرسيه الفخم أمام مكتبه الضخم والمزدحم سطحه بالروشتات والفحوصات والكشافات المقطعية والإكس آر والتوصيات الصفراء والكروت الرمادية...
يصطف أمامه المرضى الذين حالفهم الحظ بالدخول إليه. يحدق بعضهم إلى وجهه المخبأ وإلى عشرات الشهادات المعلقة على الجدران الزيتية، فيما بعضهم الآخر يستلقون على كنب استشاري الكلى، ويتأوه الجميع أوجاعهم وأدوارهم، فيما أنا أقف مصدوماً لما رأيت في الخارج ومما شاهدت بالداخل.
قبل الدخول تظل منتظراً لساعات قد تصل إلى العشر، برغم حجزك لموعدك مع هذا الطبيب التاجر منذ أسبوع. وفيما تزداد أناتك وآهاتك يهمس لك أحد المشفقين عليك: دبر أمورك واتلحلح على شان يجزعوك!! ذُهلت مما سمعت وتساءلت: هل نحن في طوارئ مستشفى الثورة أم في عيادة خاصة؟!
يجيب عليك: هذه تلك، والمرضى الذين كانوا صباحاً في الثورة هم أنفسهم الذين يحولهم هذا الطبيب إلى عيادته مساءً.
يمسك الطبيب بقلمه الجاف ويكتب ملاحظاته على أوراق صفراء تبعثك إلى المختبر وإلى الكشافة التلفزيونية ثم إلى الصيدلية، ويمتلكها جميعاً، بينما لا تمتلك أنت سوى رحمة الله ودعوات «مكالفك» ورزمة من أوراق الألف المتناقصة بين مشوارٍ وآخر.
حين تبدأ بالحديث مع المذكور أعلاه شارحاً له مرضك يباشرك بأسئلة سنة أولى طب، ثم يحيلك إلى معاونيه من أخصائيي الدم المسفوح واللحم المذبوح. تشعر قبل أن تقوم من مقامك أنك كنت أمام تاجر جملة يحول طلباتك إلى المخازن: كرتون فول، طبق بيض، قصعتين صلصة... والفرق -إن وجد- هو أنك مع المذكور وقد صارت الساعة الواحدة صباحاً تدفع ولا تجد ما يسد رمقك أنت وأطفالك الذين ينتظرون عودتك منذ الواحدة ظهراً.
قد يكون أنموذج الطبيب التاجر هذا منتشراً بطول «شارع تعز» وبعرض ميدان السبعين؛ إلا أن تفشي هكذا ظاهرة قد تعدت المعقول في المستشفيات الحكومية لتصل إلى المراكز الأهلية والعيادات الخاصة، التي من المفترض أن تكون البديل المدفوع الأجرة، وإن كان معدوم الأجر، إلا أنه ومع الخصخصة صار الأمر سيان، بل وبات المواطن حيراناً بين أن يموت شنقاً في طواريد العام أو أن يقتل تحت مقصلة الخاص!
نعم، نحن في عدوان سافر منذ سبعة أعوام ونعاني من حصارٍ جائر، إلا أن ذلك لا يعفي وزارة الصحة وجهات الاختصاص من القيام بواجبها في الرقابة ومحاسبة المنشآت الطبية العامة والخاصة بشكل دائم ومستمر، وفرض عقوبات صارمة على المخالفين الذين يمتصون ما تبقى من دماء الناس دون أن يقدموا لهم الخدمة والرعاية التي يدعونها ويعلنون عنها.
في المقابل، لا يخلو الأمر من نماذج طبية تستحق الشكر والتقدير والاحترام. وفي هكذا سياق إنساني بحت وغير دعائي البتة أتقدم بجزيل الشكر والامتنان للدكتور نبيل الجنيد، أخصائي الكلى والمسالك البولية، على إنسانيته ودماثة أخلاقه ورعايته واهتمامه المستمر بي طوال الفترة الماضية. والشكر موصول لكل العاملين في القطاع الطبي ممن يراعون الله وضمائرهم والقسم الذي أقسموه بشرف مهنتهم الملائكية التي يريد بعض مرضى القلوب وجوعى الجيوب تشويهها وتلطيخ سمعة كل المنتسبين إليها.
المصدر «لا» 21 السياسي