طهران تنتقي الفستق بشوكة سليماني
- تم النشر بواسطة «لا» 21 السياسي

«لا» 21 السياسي -
أطلق وزير الخارجية القطري، ورئيس الوزراء السابق، حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، على السياسة الإيرانية اسم «سياسة الفستق»، حيث يقول إن من المعروف عن الإيرانيين كرمهم في الضيافة، ودائماً ما يضعون أمام الزوار مجموعة متنوعة وعلى رأسها الفستق، وبينما ينشغل الضيوف في تناول عدد كبير من حبات الفستق يكون الممثل الإيراني حريصاً على اختيار حبة من الفستق وكأنه يبحث عن معايير، ثم ينتقيها بعد بحث طويل، ليشرع في التدقيق بجميع تفاصيل خياره، وبعدها يهم بتحضيرها لتناولها وكأنه يحضر إحدى أصعب الوصفات.
هكذا، وفي موسم حصاد فستقٍ جديد وفي وقت مبكر من يوم الأحد 13 آذار/ مارس 2022، سقط وابل من الصواريخ البالستية الإيرانية على سماء أربيل في كردستان العراق، تجاوز الـ10. دمّرت الضربة الصّاروخية المركز المستهدف، وقتلت 4 ضباط من «الموساد»، وجَرحت 7 آخرين، جراح 4 منهم خطرة، بحسب المعلومات التي توفرت لدى الاستخبارات الإيرانية عقب الضربة.
وكان لافتاً للغاية التوقيت الذي حصلت فيه الضربة الصاروخية عند الساعة الواحدة و21 دقيقة ليلاً، إذ إنَّها جاءت في التوقيت نفسه الذي ارتَكبَت فيه واشنطن جريمة اغتيال الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وفي هذا رسالةٌ معنويةٌ للأمريكي والصهيوني معاً تقول إن هذا القصف الصاروخي كان بتوقيع الشهيد قاسم سليماني.
يقول مصدر أمني إيراني رفيع المستوى مفضلاً عدم الكشف عن هويته: «لم يقصد الأمريكان في أربيل. استهدفنا الإسرائيليين الذين يجتمعون بشكل شبه مستمر في منزل رجل أعمال كردي يتعاون معهم».
والمنزل الذي يقصده هو عبارة عن فيللا كبيرة محاطة بمزرعة، يمتلكها رجل الأعمال الكردي الشهير باز رؤوف كريم، الذي يعمل أيضاً مديراً لشركة «كار» النفطية.
بالبحث عن رجل الأعمال الكردي ورئيس شركة «كار» النفطية، باز رؤوف كريم، على شبكة الإنترنت، لا تجد عنه سوى القليل من المعلومات التي تخص عمل شركة «كار» النفطية، فهو قليل الظهور الإعلامي. ويقول مصدر صحفي كردي: «باز رؤوف، أو الشيخ باز كما يطلق عليه، فاعل أساسي في التجارة النفطية الخاصة بإقليم كردستان، وهو على علاقات وثيقة مع عائلة بارزاني، وبينهما العديد من المصالح الاقتصادية».
عائلة بارزاني هي التي تقود الحزب الديمقراطي الكردستاني، أحد أهم وأكبر قطبي السياسة في إقليم كردستان العراق، بجانب الاتحاد الوطني الكردستاني. كما أنها تسيطر على الحكومة الإقليمية في أربيل، وعلى الموارد الطبيعية للإقليم.
يقول مصدر أمني إيراني ثانٍ ومسؤول عن ملف العلاقات بين الجمهورية الإسلامية وإقليم كردستان العراق شريطة عدم الكشف عن هويته: «الكيان الصهيوني متواجد في كردستان العراق منذ سنوات طويلة، ونحن على علم بهذه الأمور، وعلى علم بالعلاقات الوطيدة بين عائلة بارزاني والمسؤولين الإسرائيليين في الموساد؛ لكننا قررنا التحرك ضد هذا التواجد عندما أصبح خطراً على الأمن القومي الإيراني».
في الوقت نفسه، أشار المصدر الأمني الإيراني إلى استهداف الصواريخ البالستية الإيرانية موقعاً آخر داخل محافظة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، فيقول: «هناك مقر آخر سري بالقرب من مطار أربيل، يضم عملاء إسرائيليين يعملون لصالح الموساد، استخدم هذا المقر لعقد الاجتماعات بين المسؤولين الأمريكيين والأكراد والعملاء الإسرائيليين، تم استهدافه أيضاً من قِبَل الحرس الثوري الإيراني».
في صباح اليوم التالي من الهجوم الصاروخي نشرت مواقع إلكترونية إخبارية نقلاً عن مصادر لم تسمّها ونشطاء موالين للحكومة الإيرانية، قائمة تضم تسعة أسماء لعملاء الموساد، والأسماء هي: آدم باتلر، ماتيس داتريس، مليس رابرت، غابرئيل تالكر، مارك زال، اسميث، جوني، جونز، شاوول.
وفي اليوم الذي يليه، أعلنت «إدارة الفضاء الإلكتروني الوطني» في الكيان الصهيوني حالة الطوارئ، بعدما قُطِع الإنترنت بصورة مؤقتة عن معظم المواقع الحكومية، من جراء هجوم إلكتروني واسع النطاق أدى إلى انقطاع الخدمة الموزَّعة (DDoS)، والذي اتهمت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» إيران بتنفيذه.
بعدها بيومين أكدت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» نجاح قراصنة في اختراق الهاتف الخاص برئيس جهاز «الموساد»، ديفيد برنيع، ونشر العديد من الوثائق.
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية في خبرها الرئيس الذي أعده ايتمار آيخنر، أن قناة «تليغرام» جديدة تسمي نفسها «أيادٍ مفتوحة» (Open Hands) مرتبطة بالاستخبارات الإيرانية، تباهت باختراق هاتف رئيس «الموساد» بقولها: «كشفنا الصندوق الأسود للموساد».
وأشارت إلى أن القراصنة «كشفوا وثائق وأسرارا شخصية وعائلية ترتبط برئيس الموساد برنيع، بينها مقاطع فيديو بعدة لغات لمقابلات مع طواقم استخبارات متعددة القوميات، ووثائق شخصية لرئيس الموساد».
وأوضحت أنه «في شريط نشر في الصفحة عرضت وثائق شخصية لرئيس الموساد وعائلته، وزعم أن عائلة برنيع سافرت في إجازة إلى كوبنهاغن خلال حرب 2014 على غزة. ويعرض الشريط بطاقة السفر، كما أظهر الأمر كيف يشعر زعماء إسرائيل بالرعب».
وأعلنت المجموعة أن لديها «هدية صغيرة للموساد، مع الحب لديفيد. عيد بوريم سعيد»، في إشارة إلى عيد «المساخر» اليهودي الذي بدأ ليلة الأربعاء 16 آذار/ مارس.
وأظهر الفيديو فيما أظهر لقطات من محادثة خاصة مسجلة كان يجريها برنيع، وظهر وهو يخرج لسانه مراراً وتكراراً ويؤدي حركات «سخيفة» في وجهه.
وقد كان لافتاً تصريح علي شمخاني، أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني، حين قال: «الميدان والدبلوماسية هما أداة القوة لدى إيران، والتي تُستخدَم بحكمةٍ للدفاع عن المصالح الوطنية والأمن القومي. تجربة الأعوام الأربعين للثورة الإسلامية علَّمت الشعب الإيراني أن الاعتماد على الشرق والغرب لا يضمن حقوقه وأمنه».
ومما لا شك فيه أن المنطقة مقبلة على تغييرات جذرية حادة، معطوف عليها تغير في التحالفات الإقليمية، وسيأتي ذلك على وقع الانتصار التاريخي للدبلوماسية الإيرانية، التي استطاعت أن تروض الولايات المتحدة الأمريكية وأن تصيبها بدوار الجولات والمفاوضات حتى صبت التغييرات العالمية والإقليمية لمصلحة إيران، والآن ستذهب لتوقيع اتفاق حصلت فيه على أكثر مما طمحت إليه حتى، ومع دخول الاتفاق حيز التنفيذ، نكون أمام حدث استثنائي، وسيظهر مع الأيام الاتفاق النووي بشكله الكلي وتأثيره على الكثير من الدول بداية من العراق ووصولاً للبحر الأحمر.
المصدر «لا» 21 السياسي