القاضي محمد الباشق / لا ميديا -
«فبشِّر عباد». أمر ربنا الودود سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أن يبشّر العباد، فالبشرى عطاء الله، وعطاء الله غير محظور، لذا شرّف الله سيد الخلق بأنه هو المبشّر وحامل البشرى إلى البشرية، وشرّف الله من وجه إليهم البشرى فنسبهم إليه سبحانه وتعالى، وهذه من أعلى مراتب التكريم الرباني للجنس البشري.
فمن هم الذين يستحقون البشرى من البشر؟ جاء النص الكريم بـ»الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه». الاستماع مرتبط بآلة السمع (الأذن)، هذه الحاسة التي تورد إلينا نحن البشر عبر الأذن المعلومات والمعارف. وما زلت أتذكر أن أحد المدرسين نصحنا ونحن في أوائل سنوات الدراسة أن أي لغة وأي مصطلح لا بد من تركيز الاستماع، فحسن الاستماع يؤدي إلى حسن الفهم، ولذا في المنهج القرآني تحذير من إعطاء العدو فرصة لرواج مصطلحاته أو استخدام ألفاظه وعباراته، والنهي الصريح في «لا تقولوا راعنا»، لأن القول مرتبط بالاستماع.
فمن سمع لغة العدو بإعجاب أو بسذاجة وعدم وعي وعدم فطنة قد يكون جسراً تعبر من خلاله مصطلحات العدو، لذا حذّر الله المؤمنين من أي استماع للعدو استماع إعجاب أو استماع تقبُّل أو استماع نشر لما يريد العدو نشره، فقال تعالى: «وفيكم سماعون لهم»، وهذا تحذير ونهي وتحريم وزجر، وداء الاستماع دون وعي كان من سلوكيات وممارسة المنحرفين والمحرفين، فوصفهم الله توبيخا لهم وتحذيرا من التأثر بهم من قادة الرأي ومن جميع أبناء الأمة.
فوصف اليهود بأنهم سماعون للكذب. هذا السماع، أي التقبل والقابلية للكذب، لحق به أكل السحت، أي المال الحرام، والقول في كتاب الله جاء بعدة أوصاف، ففي حال التعامل مع الأبوين وصف الله القول بأنه كريم، أي جمع بين حسن انتقاء الألفاظ وترتيب الجمل والعبارات مع نبرة الصوت وإشراح الوجه وانبساطه، فيشعر بل يوقن الأب والأم أحدهما أو كلاهما أن ابنهما أو ابنتهما يتلذذ ويسعد ويستمتع بالحديث معهما، وأن حديثه وفعله وسلوكه معهما كله صدق، صدق البر، وأنه قول جمع الحسن والجمال، فلا اقتضاب في الحديث معهما ولا تملق، بل حديث وجدان صادق وضمير حي وقلب يلهج بالحمد والثناء لله أن وفقه للبر بهما أو بأحدهما.
فلجمال القول ظاهراً أو باطناً مع الأبوين أو أحدهما وصف القول بأنه «قولاً كريماً». ومن أوصاف القول في القرآن الكريم «قولاً معروفاً»، معروف في بناء العلاقات الأسرية، فليس فيه فحش وليس فيه ما يخدش الحياء في حال التعريض بخطبة المعتدة بسبب الوفاة.
وقولٌ معروفٌ عند إعطاء القاصر من ماله فيه تعليم له بحكمة وحنكة ليصل إلى الرشد المالي، وإشعار بالقول والفعل للقاصر أن ولاية هذا الولي على المال رحمة به وخدمة له وليست للتجبر عليه أو التسلط على ماله.
وهناك أيضاً، قولٌ معروفٌ لمن حضر قسمة المال من قريب لا حق له في الإرث، ليس وارثاً، لكن له قرابة، أو من الفقراء والمساكين، فيجب إعطاؤهم من المال مع الاعتذار من التقصير، فلا منّ ولا جرح للمشاعر ولا قسوة.