القاضي محمد الباشق / لا ميديا -
و«قولاً معروفاً» عند مخاطبة النساء للرجال، بضخامة الصوت واقتضاب الحديث، فلا يطمع من في قلبه مرض، و»قولاً سديداً» عند الوصية للورثة والأقارب، بما يحفظ أواصر القربى بينهم، بل إن من كان منهجه القول السديد في مراحل حياته ورغم تغير مزاجه وأحواله فإن هذا القول السديد هو رصيد -ونعم الرصيد- لأولاده، ومقترن بالتقوى طبعاً.
والقول السديد هو حال المؤمنين دائماً، كما جاء في أواخر سورة الأحزاب. والقول السديد لا يحتاج قائله إلى اعتذار ولا يعقبه ندم، وهو القول المناسب لكل موقف ومع كل إنسان بما يتناسب مع عقله وفكره، فلا تعقر ولا تنطع.
وجاء وصف القول بالليِّن في محاورة فرعون، قول لطيف حكيم فيه إقامة الحجة وإيضاح المحجة، فكل مستمع له يشهد أنه قول يوصل إلى الحق.
ووصف القول بالحسن والأحسن في حال الحوار مع المخالف في الدين والملة، ففيه التدرج، وفيه الحرص على أن يعي المخالف ويفهم أن الخلاف معه ليس للنفس فيه هوى، وأن الحوار معه حباً لإيصال منهج الله إليه، وأن تنسيق الحجج العقلية وسوق الشواهد والبراهين بانتظام وجمال فلا يجره المحاور إلى أفخاخ في الحوار وقفز على البراهين، بل سبك جميل وترتيب حكيم للمواضيع التي يتم الحوار فيها.
ووصف القول بأنه بليغ في حال مخاطبة المنافقين، ففيه إيراد أكبر وأقوى شواهد الحق وحجج اليقين وأرجح الأدلة التي يريد المنافق أن يتغافل عنها والصد، لفحيح سمّه وخبث أقواله، بقول بليغ، كل مستمع له يجد في هذا القول الإجابات الشافية لما يريد المنافق أن يرجف له.
ووصف قول الدفاع عن الحقوق عند الاضطرار إلى الدفاع ولو بوصف الغريم والخصم بما فيه قدح دون إسفاف وإطالة، وإنما بما يدفع به الظلم عن نفسه، بأن هذا الجهر بالسوء مشروط لمن ظُلِم، ووصفت أقوال أهل الباطل بأنها أقوال تجمع بين الزخرف والغرور.
لذا فإن حال عباد الله الذين هم أهلٌ لشرف العبودية لله سبحانه وتعالى أنهم عند سماعهم أي قول يتبعون أحسنه، لأن الأقوال هي بساط الأفعال، وهي كوكب السلوك، ولأنهم أصلاً أقوالهم لا تخرج عن القول الكريم، ولا تخرج عن القول المعروف ولا تخالف القول السديد، وإن القول اللين والحسن والأحسن والبليغ كلها أوصاف تتجلى في حياتهم بما يواجهون من أحداث وبما يحاورون من فئات وأشخاص.
وبقي قول أحببت تأخيره، وهو «القول الميسور»، لأنه قول مرتبط بالحقوق المالية، فمن ينتظر منه أقاربه أو من لهم حق عليه ينتظرون منه مالاً وهو ينتظر مالاً ويتوقع ربحاً أن يكون القول ميسوراً، فيه تبشير لا تنفير، وفيه تذكير بأن الأحوال لا بد من أن تتحسن، وأن العسر لا يغلب اليسر، وأن اليسر منهج الله في التكاليف ورحمته بالخلق.
لذا إخواني الكرام، نحن بحاجة إلى تعميق قيم القول، لأنه ثمرة ما في النفوس، ولأنه نتاج النوايا وشاهدها العدل، ففي جميع أحوالنا نحذر من أي قول فيه إحباط أو فيه للعدو مطمع. والأحاديث والمواقف النبوية جلية في التحذير من أي قول فيه بث للإحباط أو نشر لليأس أو فيه شر. فمن أسس وبراهين الإيمان أن يكون كل ما نتكلم به وكل ما نستمع إليه خيراً، ومن هكذا حاله فليبشر بكل خير.