الفنانة القديرة أمل كعدل في حوار خاص لـ«لا»:المنسلخون عن وطنهم وجمهورهم ليسوا فنانين حقيقيين وإنما «يدوروا تجارة»
- تم النشر بواسطة بشرى الغيلي/ لا ميديا
حاورتها:بشرى الغيلي / لا ميديا -
يحلقُ بك صوتها في عوالمِ الشجن المتواري خلف جبال الدهشة تارة، وتارة أخرى يغسل روحك في أعجوبةِ صهاريج صيرة الرائعة لترمق بعين قلبك الدفء المنساح على شواطئ الساحل الذهبي وهي تشدو بـ»أمرّ الكؤوس» لتلك الصبية التي بيعت سعادتها مقابل المال (لطاعنٍ بالسن) وهي تخاطب أمها:
«وقالت البنت أنا يماه ظلمني أبي.. واهدر شبابي لشيبه.. ألا بالذهب فاز أبي.. وأني بقلبي عصافير الهوى تختبي.. تشتاق جنة صبية وصبي.. لمو أبي باعني يماه لدنيا العذاب.. وسيب أزهار عمري تظما وتشرب سراب.. وأني صبية على درب المحبة شباب.. أزهار نيسان بس.. يمااااااه تهدى لشاب.. إلى الجحيم البيس اللي تبيع النفوس».. إلخ تلك الأغاني التي عالجت قضايا اجتماعية حساسة، والأغاني والأناشيد الوطنية الخالدة، هي آخر الأصوات الفنية النسائية التي نشأت وذاع صيتها وبرزت في الداخل الوطني خلافا لما يجري اليوم حيث صرنا لا نعرف الفنان اليمني إلا من خلال مسابقات خارجية ثم ينسلخ عن الوطن صوتا ولونا فنيا وقضية، بدأت مسيرتها الفنية مبكرا من المدرسة وذاع صيتها في منتصف السبعينيات من القرن العشرين، واستقبل الجمهور ظهورها بارتياحٍ كبير نظراً لما تملكه من مواهب فنية أهلتها إلى أن تحتل مكانة فنية متقدمة.. الكثير والكثير من التفاصيل في حياتها ومسيرتها الفنية نتركها هي من يضع النقاط على حروفها لجمهورها العاشق والمحب لحنجرتها الذهبية في استضافة جميلة لصحيفة «لا» ضمن اللقاء التالي.
من المدرسةِ بدأت
«كنت أميل للفن من ثاني ابتدائي وتميزت بسرعة الحفظ..»، هذا ما أشرتِ إليه ذات لقاءٍ فني معكِ.. البدايات كيف تلخصها لقارئ «لا» الفنانة القديرة أمل كعدل؟ وما هي العوامل التي ساعدتها على النجاح الفني الذي حققته؟
البدايات كانت من خلال المشاركة في الأنشطة المدرسية التي كانت تقيمها المدرسة في مختلف المناسبات ومنها الأعياد الوطنية والمناسبات الأخرى، وكانت مشاركتي فيها بأن أقدم فقرات تقليد الفنانين والفنانات بقالب كوميدي يستحسنه الجمهور، وكان العامل المساعد لنجاحي هو اهتمام المدرسين بالمواهب الفنية وتشجيعها وتقديمها للجمهور وهذا أعطاني دافعا أكبر للاستمرار في المجال الفني.
مع أحمد قاسم والمرشدي
أمل كعدل قامة فنية نسائية لها وزنها والمنتمية للمدرسة العدنية الجميلة، من هو الشاعر أو الملحن الذي وجدت نفسها الفنانة أمل معه؟ وهل لكِ تجربة في غناء اللونين الحضرمي والصنعاني؟
أول تجربة لي كانت مع الفنانين الكبيرين الموسيقار أحمد قاسم حيث اختارني للاشتراك معه في دويتو «الوحدة اليمنية»، كما أن الفنان الكبير محمد مرشد ناجي أعطاني عددا من الألحان أغنيها. نعم غنيت جميع الألوان الغنائية داخل الوطن ومنها اللونان الحضرمي والصنعاني.
أسرتي متزمتة بعض الشيء
أمل الطفلة التي وجدت نفسها في أسرةٍ فلاحية متزمتة كما ذكرتِ في أحد الحوارات، مما جعلها تتحمل مسؤولية نفسها وتؤسس نظامها الخاص الذي من خلاله شقت طريقها الفني بقوة.. إلى أي مدىً تتفقين مع مقولة «المعاناة تولّد الإبداع»؟
نعم، هذه المقولة صحيحة، فأنا كنت من أسرةٍ متزمتة بعض الشيء، وكان عليّ تحمل ما سوف أعانيه نتيجة لاختياري الانخراط للعمل في الفن والغناء على وجه التحديد، والحمد لله استطعت بإصراري الوصول إلى ما أنا عليه ولكن بعد معاناة كبيرة جداً.
أحب بلدي وأهلي وناسي
رفضتِ دعوة للسفر إلى موسكو وقلتِ ردا على تلك الدعوة: أنا لا أقبل أن أعيش خارج بلدي وجمهوري الذي هو جزء من نجاحي ومثلما أعطتني بلادي أعطيها فهي من تستحق ولا أنقل جمهوري إلى مكانٍ آخر. موقف أصيل من فنانة مخضرمة وحبها المنقطع النظير وإخلاصها لفنها ولبلدها.. حالياً صرنا لا نعرف الفنان اليمني إلا من خلال مسابقات خارجية ثم ينسلخ عن الوطن صوتا ولونا.
لا هذا غير صحيح، والدعوة كانت للسفر إلى إحدى الدول الخليجية للعمل في المجال الفني وهذا ما رفضته رفضاً قاطعاً، لأنني أحب بلدي وأهلي وناسي ولن أتركهم مهما كانت المغريات، ولي الكثير من المشاركات الخارجية ومنها مشاركتي مع وفد فني إلى موسكو. الفنان عندما يخرج من اليمن يعرف الآخرون قيمته ويشتهر إعلامياً، لأن إعلامنا المحلي يهتم بالسياسة، أما المنسلخون عن وطنهم وجمهورهم فليسوا فنانين حقيقيين وإنما غرضهم «يدوروا تجارة».
مناخ لا يساعد على إنتاج أعمال جديدة
كيف تقيمين المناخ الفني اليوم، هل هو مواتٍ؟ وإذا لم يكن فلماذا برأيكِ؟
والله المناخ الفني اليوم غير مواتٍ، والظروف التي تعيشها بلادنا لا تساعد على تقديم أعمال فنية جديدة، ونأمل في المستقبل القريب أن تتحسن الأوضاع وأن تُقدم أعمال فنية جديدة.
أوعدك.. هي الأغنية الأروع
برزت الفنانة أمل في سنٍ مبكرة من خلال أغانٍ عاطفية ووطنية تنتمي للمدرسة العدنية المتميزة ومؤسسها الفنان الكبير محمد سعد عبدالله.. ما هي الأغنية الأقرب إليكِ وتتجدد كلما أعدتِ سماعها؟
في الحقيقية الأغاني العاطفية والوطنية الخاصة بالمدرسة العدنية كثيرة جداً، وأعتقد أن أغنية «أوعدك إني أعيش العمر مخلص لك أمين» هي الأغنية الوطنية الأروع للفنان الراحل محمد سعد عبدالله.
كانت لك أمنية قبل التحاقكِ بكلية الحقوق أثناء عملكِ بوزارة الداخلية بأن تصبحي قانونية لتحقيق العدل.. بينما موقف طريف مع مدرس مادة الحقوق جعلكِ تتركين الكلية، فيما يرى المهتم بالكلمات والأغاني الاجتماعية أنكِ عالجتِ العدل من خلال تخليده بكلمات خالدة، كـ«مسعود هجر»، و«أمرّ الكؤوس» وغيرهما من الأغاني.
هذا كلام صحيح، فقد كان هذا المدرس «مستقصدني»، لأنني كنت فنانة، وهذا ما حدث بالضبط.
واحدة من الناس
كيف عكست منعطفات أحداث 86 وحرب 94 والحرب الحالية نفسها على الفنانة أمل كعدل؟
انعكاسات الحروب تأتي على جميع الناس وأنا واحدة من هؤلاء الناس والله لا عاد هذه الأيام المؤلمة.
أداء خدمة
كنتِ تعملين في الشرطة الشعبية قبل الوحدة، ما الذي أضافته هذه التجربة لتجربتك الفنية العريقة؟
هذا العمل كان عبارة عن أداء الخدمة العسكرية الإلزامية لكافة خريجي الثانوية العامة آنذاك.
لا يوجد
من هو وريث الفنانة أمل الفني من أبنائكِ إن وجدوا؟ وهل تودين لهم أن يسلكوا طريق الفن من خلال تجربتكِ فيه بإيجابياتها وسلبياتها؟
لا يوجد لي أي وريث من الأبناء.
لكِ مشاركات عربية كثيرة تضاف لرصيدكِ الفني، هل غنيتِ لفلسطين وكوبا في زمن الحزب الاشتراكي؟
لي العديد من المشاركات الخارجية وغنيت لفلسطين الكثير.
كان للفن جمهوره العريق
لماذا انتعش المشهد الفني زمن التشطير، وذبل وانكمش عقب قيام الوحدة؟
كان للفن مكانة في أيام الزمن الفني الجميل، وكان له جمهوره العريق والسميعة والمحبون للفن الأصيل.
مسؤولية الجهات المعنية
اللونان العدني والحضرمي أسهما في تطوير الأغنية العربية لكن من المؤسف أن هناك من ينسبون هذين اللونين دون الإشارة إلى موطنهما الأصلي.. برأيكِ على من تقع مسؤولية حماية تراثنا من السرقة؟
اللونان العدني والحضرمي لهما الفضل في تطوير الأغنية العربية، ولكن هذين اللونين يتم الإغفال عنهما أو الإشارة إليهما بطريقة متعمدة وتقع مسؤولية حماية الحقوق الفكرية والفنية والأدبية على الجهات المعنية في وزارة الثقافة.
ركود فني وغياب الملحنين
أغانيك الوطنية والتي عالجت قضايا اجتماعية صارت بمثابةِ مدرسة متفردة ولها جمهورها الكبير.. إلا أن حضوركِ في الأوبريتات الوطنية يكاد يكون قليلا، ما سبب ذلك؟
السبب يعود إلى الركود في الأعمال الفنية والأوبريتات الوطنية، ويعود أيضاً إلى غياب الملحنين المتخصصين.
الكلب وفي ومخلص لصاحبه
من المواقف الطريفة التي تداولها البعض عنكِ أنكِ عملتِ حفلة عزاء (لكلبكِ الوفي).. ما حقيقة ذلك؟
كلام غير صحيح.. وعلى وجه العموم الكلب وفي ومخلص لصاحبه.
وردة لجمهوري العزيز
ثلاث وردات جورية تهديكِ إياها صحيفة «لا» بدوركِ لمن تهدينها؟
أشكر صحيفة «لا» على هذه الوردات الثلاث وطاقمها والشكر موصول لكِ أنتِ.. أهدي الوردة الأولى إلى من علماني وربياني وكبراني؛ أمي وأبي العزيزين، والوردة الثانية لكل المحبين من جمهوري العزيز الذي واكبني طيلة مشواري الفني. أما الوردة الثالثة فأهديها لكِ أنتِ الصحفية القديرة بشرى.
المصدر بشرى الغيلي/ لا ميديا