شارلي شابلن و«الأربعين حرامي»
- تم النشر بواسطة «لا» 21 السياسي

«لا» 21 السياسي -
حقق الممثل والمخرج والمؤلف العالمي شارلي شابلن شهرة واسعة في النصف الأول من القرن العشرين، وتحولت شخصيته السينمائية إلى «آيدول» سعى الكثيرون إلى محاكاته وتقليده، ما دفع إحدى شركات الإنتاج إلى تنظيم مسابقة عن «الأكثر شبهاً بشارلي شابلن»، فأقبل عدد هائل من عشاقه ومحبيه إلى المشاركة في تلك المسابقة، وكان أن قرر شابلن أن يشارك فيها بنفسه، وكانت النتيجة التي أعلنتها لجنة المسابقة عند نهايتها صادمة ومفاجئة للغاية:
احتل شابلن المركز السادس من بين الأشخاص الأكثر شبهاً به!
ليس فيما سبق إسقاط سياسي كامل، وإن كانت القصة بالفعل تحمل رائحة سياسية. ما دعاني لإيراد هكذا حادثة لافتة هو مروري بتجربة شخصية تعرضت وما أزال خلالها للسرقة، سواءً في الواقع المعاش أو في الواقع الافتراضي. لن أسوق أمثلة كثيرة قد تقودُ إلى اتهامي بالعُجب أو التوهم، وسأكتفي بمثل افتراضي واحد، حيث لا أنسى أن رئيس تحرير صحيفة شهير وقصير جداً سرق -بالنص- منشوراً فيسبوكياً للعبد لله قبل سنوات، وحقق المنشور في صفحته آلاف الإعجابات ومئات التعليقات وعشرات المشاركات، فيما كان عدد الإعجابات التي حظي بها المنشور الأصلي على صفحتي لا يتجاوز العشرات.
السرقة الأدبية معروفة ومشهورة لدى المتابعين لتاريخ الأدب والثقافة، وهي قديمة ومستمرة منذ أن سرق أحدهم قبساً من نار إلياذة هوميروس، وحتى فضيحة الداعية الوهابي عايض القرني بانكشاف سرقته لكتاب «لا تحزن»... كذلك هو الحال مع السرقة العلمية والشواهد في هذا كثيرة.
أما سرقات الجغرافيا والتاريخ فحدث ولا حرج. في الاستثناء خرج وزير الثقافة العماني، البوسعيدي، قبل سنوات، في حديث تلفزيوني، للتعليق على إنتاج عيال زايد مسلسلاً عن المهلب بن أبي صفرة. يقول البوسعيدي: «أتفهم أن يسرقوك مالاً أو شعراً أو اختراعاً؛ غير أن الجديد والمدهش أن يسرقك أحدهم جدك»!
في السياق، وإن في زقاقه المحلي الحالي - حامض وقُب، يتكاثر لصوص المال العام، حيث لا قانون ولا رقابة ولا عقوبة. وكما يقولون: من أمن العقوبة أساء الأدب. وأيضاً حينما يركنون إلى غياب تفعيل أثر الأثر القائل: «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». والوعظ في قوم نوح لم يُجدِ، ولم يؤمن إلا من آمن، كما كان في قوم صالح تسعة رهطٍ في المدينة أفسدوا فيها وذبحوا الناقة فحل عليهم وعلى قومهم العذاب.
كم يؤسفني أنا وغيري أن نجد الكثيرين -ممن تعشم فيهم البعض عشم إبليس في الجنة- يصطفّون في طابور الفساد الممتد من أول نافذة رشوة وحتى آخر باب اختلاس، ويحققون مراكز متقدمة في طابور الأكثر شبهاً بـ»شارلي شابلن النظام السابق - اللاحق)، والذي بدوره (أي شابلن) بات متأخراً في الترتيب برغم أنه صار «آيدول» باطل وأيقونة مبطلين. حسناً، كأننا كنا أمام فنتازيا سينمائية بالأبيض البقري والأسود الثوري، وتحولت بفعل العدوان والحصار والجباية واللاقانون و»الهوشلية» إلى «يمنتازيا» بر-جو-مائية صفراء فاقعٌ لونها لا تسر الناظرين.
إن أسوأ أفلام السينما برأي البعض هي أفلام الفلاش باك، التي يعيد فيها المخرج حكي الحبكة القصصية من لحظة العقدة السردية (اليزنية). غير أن الأسوأ برأي البعض الآخر لا يتعلق بهذه النوعية من الأفلام بحد ذاتها، بل هي حين ينجح المخرج في إعادة ماضي الشخوص إلى حاضرها ويعجز في الوقت نفسه عن تفكيك الزمانين إلى مكوناتهما الأولية من طين قصور وماء شاليهات وساعات لوركس وغانيات بلاي بوي بوكس، وبالتالي يفشل في فك العقدة عن المنشار.
المشكلة أيضاً أن شابلن كان يفكر في الاعتزال ذات ذروة ثورية لتعيده شركة الإنتاج آلة استنساخ كُحلية وماكينة كوبي بيست عمياء، وإذ بنا اليوم نكاد نكون وسط جمع من الشبالنة الرماديين أقليةٌ بيضاء حولها المخرج إلى جدار «أبارتهايد» يحمي الجمع والجماعة ويعزل الشعب في جيتوهات الفقر والقهر والجلاوزة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وأقم الصلاة.
المصدر «لا» 21 السياسي