سيرة الحب والكره.. قصة العشق والكرَة!
- تم النشر بواسطة «لا» 21 السياسي

«لا» 21 السياسي -
سمعت عن الأسطورة بوشكاش، والجوهرة بيليه، والقيصر بيكنباور، والطائر كرويف... من والدي يرحمه الله، وهو يبتسم في وجهي «المُمردن» (من مارادونا) والملون بسماوي أرض الفضة وبلاد تشي جيفارا. كنت غراً كثيراً ومغروراً أكثر. فما بين عشقي للساحرة وشبقي للمستديرة لم أكن أملك ما يؤهلني لأكون ساحراً كالأرجنتيني الخالد، أو ساخراً مثل البرازيلي سقراط... كنت نحيل البنية للغاية، وبالكاد تحتمل ساقاي الهزيلتان حذائي الرياضي ذا الخمسة والعشرين ريالاً، وهما تهتزان بين تسديدات أقدام الأديداس وصدات أحذية البوما على أرضيات ملاعب الرمل والحصى ومرامي البلُك والحجر... كنت أحظى في آخر النهار برشفة «كندا دراي» وحبتين بسكويت «أبو ولد» من صديقي، ودشاً بارداً من أمي، وتوبيخاً دافئاً من أبي. كان «الأحمدي» (النادي والملعب والصيت) ما يزال وجهة كل عشاق الكرة في بلدة الأيام والأحلام الآفلة (رداع). لم أبلغ حينها العاشرة بثلاث أو أربع سنوات، وأسعى برغم ذلك أن أصل إلى ملعب الوادي لأنجح لا غير في أن أصبح واحداً ممن يجلسون على دكة احتياط الأشبال، وهو ما لم أكن أن أقبل به، فقررت الانتقال إلى سور الجمهور الغير مكتمل اللبنات.
رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه وأنفاسه وحجم عضلاته وركلاته. حسمت أمري يومها مع الكرة، وعدت مساءً لأشاهد تسجيلاً لمباراة نصف نهائي كأس العالم 1982 في إسبانيا، بين ألمانيا وإيطاليا، وشجعت ألمانيا، التي هُزمت بثلاثة أهداف مقابل هدف، في عهد روسي ومالديني، وكرهت ألمانيا بعدها، ليس لهزيمتها بل لتآمرها في البطولة ذاته مع النرويج على منتخب جزائر الأخضر بلومي ورابح مادجر ليقصياها من التأهل والمنافسة.
قرأت لاحقاً عن نزول فهد الأحمد أرضية الملعب الإسباني لنتف ريش الحكم والديك الفرنسي في مباراة الكويت وفرنسا في البطولة ذاتها. فيصل الدخيل وجاسم يعقوب والحوطي وكميل والطرابلسي ورفاقهم كانوا أبطال الخليج وآسيا في ثمانينيات القرن الماضي؛ آسيا التي طهرها فهد الأحمد من أي مشاركة قارية أو دولية لمنتخب كيان الاحتلال الصهيوني، فيما يشتري الإماراتيون اليوم أندية ولاعبي بني صهيون للعب معهم على أراضي فلسطين والإمارات المحتلة.
وقتها سيطر الكويتيون على بطولات كؤوس الخليج، مع استثناءات عراقية ثلاث سطرها حسين سعيد وأحمد راضي وعدنان درجال وكريم علاوي ورعد حمودي، واستثناء سعودي وحيد سُجل باسم السوداني ماجد عبدالله.
في 1989 زدت ولعاً وولهاً بفهد الأحمد مع تنظيمه لبطولة الصداقة والسلام، التي اشترط فيها مشاركة شطري اليمن سابقاً بمنتخب واحدٍ وموحد، وهو ما حدث، لتقاطع السعودية البطولة بسبب ذلك واحتجاجاً على شعار البطولة، الذي تضمن الخيل والفرس اللذين أهداهما -ضمن معونة حربية متكاملة- جد فهد الأحمد إلى جد فيصل بن فهد حين استنجد به الأخير بعد هزيمته من آل الرشيد في حائل.
قبل بطولة الأحمد بثلاث سنوات اندلعت ملحمة بطولة كأس العالم 1986 في المكسيك، ليسجل المغرب السبق كأول منتخب عربي يتأهل لدور الـ16 وليعاود السبق مجدداً أحفاد تيمومي وزاكي بالتأهل لدور الـ8 في نهائيات قطر 2022.
بالمناسبة فقد تقدم المغرب بملف استضافة بطولة كأس العالم القادمة 2026 لتتآمر عليه السعودية وأذنابها لصالح الولايات المتحدة الأمريكية التي فازت بتنظيم النسخة 23 من كأس العالم، الذي -برغم عشرات المليارات التي أهدرها السعوديون في سبيل الوصول إليه- عجزوا عن الاقتراب منه، ونجحوا فقط في تصديع رؤوسنا بالاحتفال بهدف العويران طوال عقدين ماضيين، وسيستمرون بإزعاجنا في الاحتفاء بهدف الدوسري لعقدين قادمين.
في ذلك الصيف من العام 1986 ذهلت كغيري من عشرات الملايين بدييغو أرماندو مارادونا، الأرجنتيني المجعد الشعر القصير المكير والساحر الماكر... كانت مكسيكو سيتي المدينة التي عرف منها العالم هذا الأسطورة بعد أن حرمتهم منه بيونس آيرس في 1978 وخذلتهم عنه مدريد في 1982.
وبين زيكو وسقراط وبلاتيني وتيجانا ورومنيغيه... تخلد مارادونا للأبد، بعد أن أهدى الأرجنتينيين كأسهم الثانية والأخيرة حتى اللحظة التي يحاول فيها ليونيل ميسي نيل الثالثة من قطر. لاحقاً أحببت مارادونا أكثر بوشومه اليسارية وقمصانه البوليفارية وهتافاته في هافانا مع فلسطين وضد آل بوش والجنس الأبيض، ولم أكن لأنسى دموعه في منصة التتويج وقد حرمه البيض والبرازيلي هافيلانج من كأسه الثانية في مؤامرة ضربة الجزاء المهداة لغريمه اللدود رومنيغيه، ولن ينسى العالم رفض دييغو مصافحة هافيلانج، وحديثه عن لؤم الغرب وحقده الذي طال كل شيء، بما في ذلك حرمان الملونين في العالم الثالث من الفوز بكأس العالم.
حكايات مارادونا كثيرة، وإن أراد الغرب جعل إدمانه للمخدرات حكايته الأخيرة فإنها لم تكن كذلك. مارادونا، الذي اقترح على البابا أن يبيع سقف كنيسة الفاتيكان الذهبي حين شكا له الأول نقص الأموال التي يوزعها على الأطفال، هو مارادونا الذي علق على منع اليابان له من حضور نهائيات كأس العالم 2002 بالقول: منعوني من الحضور وسمحوا بدخول الأمريكان الذين قتلوا منهم مئات الآلاف بالقنابل النووية، هو ذاته مارادونا الذي تطوف روحه بين نابولي الإيطالية وبرشلونة الإسبانية وبيونس آيرس الأرجنتينية، فيما شبحه يسكن مقر الفيفا في جنيف.
خف العشق بعد كل ذلك لأتخفف من حمل كأس العالم للآخرين الذين يمرون من بين أقدام دييغو أرماندو مارادونا، ويتمرنون على ذكراه وذكرياته. باجيو وزيدان والرونالدوهان، البرازيلي الظاهرة والبرتغالي الدون، ورونالدينيو وروماريو وروبرتو كارلوس وباتيستوتا وميسي وكافو وكلوزه وعبيدي بيليه وجورج ويا وأبو تريكة وصلاح وماني وليفاندوفيسكي وغوليت وماركو فان باستن ولويس فيغو وساديو ماني وعلي دائي وكريمي وحكيمي وزياش ونيمار ومبابي وهاري كين... وغيرهم من أساطير الساحرة؛ نعم، لكل زمان كأس وأبطال؛ أما مارادونا فلكل زمان ولأي بطولة. محبتي.
المصدر «لا» 21 السياسي