سيناريو حصان الحرب.. ستاتيكو حمار الهدنة
- تم النشر بواسطة «لا» 21 السياسي

«لا» 21 السياسي -
دعا جدعون راشمان، المعلق الرئيس حول الشؤون الدولية في صحيفة «فايننشال تايمز»، إلى استشراف احتمال تكرار «سيناريو كوريا» في أوكرانيا. يعتبر راشمان أن عدم قدرة أيّ من الطرفين على الحسم الكامل واستحالة التوصل إلى تسوية نظراً للتناقض الجذري بين مواقفهما واستمرار استنزافهما بشرياً ومادياً، هي في مجملها عوامل قد تفضي إلى وقفٍ لإطلاق النار تليه اتفاقية هدنة مديدة شبيهة بتلك التي تمّت بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية في 27 تموز/ يوليو 1953، التي أدّت إلى وقف للأعمال العدائية من دون أن تتبعها اتفاقية سلام.
هذا ما تحاول دول العدوان على اليمن تحقيقه طوال الأشهر الماضية من هذا العام الذي يلفظ أيامه الأخيرة، تزامناً مع زيارة جديدة لوفدٍ عُماني إلى صنعاء لنقل مقترحات وأفكار حملتها محادثات مع السعوديين وأطراف دولية أخرى إلى القيادة السياسية، بحسب كبير مفاوضي الوفد الوطني محمد عبدالسلام، الذي ربط تحقيق أي تقدم في ملفات إنسانية كصرف المرتبات وفتح المطارات والموانئ بالتقدم في ملفات أخرى، متهماً دول العدوان باستهداف الجانب الاقتصادي عبر البنك المركزي والعملة، ومشدداً على ضرورة فصل ملف المرتبات عن بقية الملفات، سواء عادت الحرب أم الهدنة.
بدوره أكّد رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، خلال استقباله الوفد العماني، أنه «لا يمكن أن تكون هناك هدنة إذا لم يستجب الطرف الآخر لمطالب الشعب اليمني المحقة والعادلة والمتمثلة بصرف مرتبات كل موظفي الدولة وفتح جميع المطارات والموانئ».
وقال المشاط إنّ «صبر الشعب اليمني له حدود، وقد يضطر إلى اتخاذ خطوات من شأنها المحافظة على مصالحه»، مشدداً على أن «لا مجال للتراجع عن حماية ثروات الشعب اليمني النفطية والغازية».
وعبّر المشاط عن استيائه الشديد من الدور السلبي الذي تقوم به الولايات المتحدة وبريطانيا في الشأن اليمني، ومن «تماهي المبعوث الأممي مع حملات التضليل التي يقودها (هذان) البلدان».
قبل ذلك قدم قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي خلاصة مهمة في خطاب افتتاح الذكرى السنوية للشهيد، بأنَّ «الأمور لا تزال تراوح مكانها»، في إشارة إلى الوضع العام والنقاشات المشار إليها سابقاً، مضيفاً أن «الأعداء في هذه المرحلة يحاولون وضعنا بين خيارات غير منصفة وغير عادلة، ولا يمكن أن نقبل التفريط في كرامة شعبنا أو حريته واستقلاله، ولا في مواقفنا المبدئية تجاه قضايا الأمة».
وتابع: «نحن حريصون على تحقيق السلام العادل والمشرف، ونحن في موقف الدفاع عن بلدنا وشعبنا». وحذَّر في الوقت نفسه من «التصعيد بما هو أكبر من المراحل الماضية»، في حال عادت قوى العدوان إلى التصعيد العسكري والاقتصادي.
السلام العادل الذي يؤكده السيد يتضمن بلا شك تسخير النفط وعائداته لمصلحة خدمات كل الموظفين ومرتباتهم وإعادة إعمار ما دمرته الحرب وسحب كل القوات الأجنبية من المحافظات المحتلة، كأرضية أساسية يمكن بعدها الولوج إلى مفاوضات سياسية مع الأطراف المحلية المدعومة من قوى العدوان.
في المقابل تسعى واشنطن إلى إرساء وضع «ستاتيكا»، الذي اشتغلت عليه طوال هدنة الأشهر الستة، وبما يلائم مصالحها ويمدد المحافظة عليها، وبما يُبقي أيضاً خريطة التقسيم التي رسمتها الحرب العدوانية كما هي، وأن يبقى الحصار على حاله، وأن يُحرم الموظفون من مرتباتهم والتحكم في عدد السفن والرحلات التجارية إلى موانئ الحديدة ومطار صنعاء، وتبقى القوات الأجنبية الأمريكية والبريطانية والسعودية والإماراتية في المحافظات المحتلة، وتسرح البارجات والقطع الحربية الأمريكية وتمرح كما يحلو لها في المياه الإقليمية اليمنية.
وعلى خلاف ما يبدو عليه الأمر للوهلة الأولى وكأن كل الأوراق بيد واشنطن، إلا أن المؤكد هو أن الأخيرة ما تزال في المأزق ذاته الذي تعاني منه منذ أشهر، والمتعلق باليمن، والممتد من أوكرانيا إلى تايوان، والمرتد شتاءً و«حنبة» لا تعلم كيفية الفكاك منها.
«فهي ترفض، من جهة، الاستجابة لمطالب حركة «أنصار الله» الناتجة من موازين قوى مائلةٍ إلى صالح الأخيرة ثبّتتها سبع سنوات من الحرب؛ ومن جهة أخرى: لا تبدو راغبةً ولا قادرةً على استئناف العمليات العسكرية من أجل نسف تلك الموازين أو الحدّ من فاعليتها»، كما يشير لقمان عبدالله في «الأخبار».
تُقاس مؤشرات السلام بثلاثة مستويات أساسية: أولها: الأمن والأمان على المستوى المجتمعي، وثانيها: مستوى النزاعات وبؤر التوتّر، وثالثها: درجة العسكرة.
وبين المنازل الثلاث غير المتأتية تأتي منازلة وزير الدفاع اليمني، محمد ناصر العاطفي، الأخيرة قطعاً لكل تنازلٍ ينسف تراكمات النصر وثماره. يؤكد العاطفي، باسم اليمن الحر، أن «مضيق باب المندب وخليج عدن والبحر العربي والامتداد الإقليمي لأرخبيل سقطرى والجزر كافة أرض يمنية، وسيادتنا عليها كاملة»، وأن القوات المسلحة اليمنية «اتخذت كل الإجراءات التي تضمن التعامل بقوة وحزم مع أيّ تطوّر يمثل تهديداً أو مساساً بالسيادة الوطنية أو اقتراباً من السيادة البحرية»، ملوّحاً بـ»خيارات تأديبية سيتم اتخاذها والإعلان عنها في الوقت المناسب؛ لأنّنا قدّمنا كل السبل للوصول إلى نهاية إيجابية؛ لكن العدو يأبى إلّا أن يسير عكس التيار، وقد أُعذر مَن أَنذر».
وتلخيصاً لواقع الفهم اليمني المطرد بتجربة سنوات العدوان ومراوغات أفاعي الجور والجوار، وتمحيصاً لعقول بعض من لا يفهم، أورد هذه الطرفة التي لا تسقط من على صهوة حصان الصمود وإن ركبت على ظهر حمار الهدنة. تقول الطرفة: «يقول أحدهم: صليت الفجر ولقيت مجموعة من الناس يحاولون أن يُركبوا ثورا بالسيارة، ومبهذلهم ما هو راضي يركب! قربت منه ومسحت على رأسه ومشى معي وركّبته في سيارتهم، وقلت في نفسي: الله أكبر، هذي من بركة صلاة الفجر!
المهم لما دخلت البيت لقيت أمي تصيح وتقول: ثورنا انسرق، ثورنا سرقوه! بعدها اصطرعت وما قدرت أمسك نفسي من الضحك. صكتني الوالدة كف وقالت: ليش تضحك؟!
قلت: الثور عرفني وانا ما عرفته!».
أما بالنسبة للموقف السعودي، الذي يكاد «يبتسق» إعلامياً من كثر ترديد مصطلحات تحدي الرياض لواشنطن ومواجهة ابن سلمان لبايدن وحفاوة موائد القعدان لتشي جين بينغ، أهدي هذه الطرفة أيضاً وتقول: خرج أشعب من منزله ورأى رفاقه من «هين'' الموائد قادمين نحوه، فتصنع الشبع وأخذ «ملخاخاً» ووضعه في فمه، فسأله رفاقه: من أين أتيت؟ وماذا أكلت؟ فقال كاذباً: ألم تدروا عن الوليمة في بيت فلان؟! فهزوا رؤوسهم بالنفي، فحثهم على الذهاب، فركضوا مسرعين، ولما رآهم أشعب يركضون تساءل: الظاهر أن الوليمة حق! وشمّر رداءه وركض ولحق بهم!
المصدر «لا» 21 السياسي