أصبح الصديقان المقربان سابقاً أكبر اقتصادين عربيين يتنافسان بشكل متزايد على المال والسلطة

سمر سعيد وستيفن كالين
ترجمة خاصة:زينب صلاح الدين / لا ميديا -

حينما استضافت أبوظبي، في كانون الثاني/ يناير الماضي، قمة جمعت قادة الشرق الأوسط في قصر يطل على الساحل، كان واضحاً غياب ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. وقبل شهر من ذلك غاب أكبر قادة الإمارات عن قمة صينية عربية رفيعة المستوى في الرياض.
وبحسب مسؤولين خليجيين فإن الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، كلّاً منهما يتجنب حضور مناسبات الآخر عمداً، حتى مع حضور حكام الأردن ومصر وقطر وغيرهم. وقد كشفت الانتقادات اللاذعة خلافاً متصاعداً بين شريكي أمريكا الأمنيين المتجاورين، اللذين سارا بخطى متقاربة في السياسة الخارجية للشرق الأوسط.
ورغم بقائهما رسمياً حليفتين؛ إلا أن السعودية والإمارات تفرقتا في عدة جبهات، من التنافس على الاستثمار الأجنبي، والتأثير في أسواق النفط العالمية، وإدارة الحرب في اليمن. اندلعت الخلافات خلف الأبواب المغلقة؛ لكنها بدأت تخرج إلى العلن شيئاً فشيئاً، مهددة بإعادة ترتيب التحالفات في الخليج الفارسي الغني بالطاقة، في وقت تحاول فيه إيران بكد الحصول على نفوذ في كل أنحاء المنطقة. وقد أدت حرب روسيا على أوكرانيا إلى رفع أسعار النفط الخام، الأمر الذي صعَّب أكثر صنع القرار في أوبك.
قال أشخاص مطلعون على الرحلات إن مستشار الأمن القومي للإمارات، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، المقرب من الشيخ محمد، قد سافر عدة مرات إلى السعودية للقاء حاكمها الفعلي، البالغ من العمر 37 عاماً؛ لكن ذلك فشل في تخفيف التوترات. وقال بعض الأشخاص إنه في ما لا يقل عن مناسبة واحدة بعد قمة كانون الثاني/ يناير في أبوظبي لم يتمكن الشيخ طحنون من الحصول على لقاء مع ولي العهد السعودي.
وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن الشيخ محمد، رئيس الإمارات، البالغ من العمر 61 عاماً، كان في إحدى المرات مرشداً لولي العهد السعودي، حيث اجتمعا قبل بضع سنوات في رحلة تخييم ليلية في صحراء السعودية الواسعة، برفقة صقور مدربة ومجموعة صغيرة من الخدم. إلا أن الرجلين انفصلا في الآونة الأخيرة، بسبب اختلاف رؤيتهما للقيادة، مع تجنب الشيخ محمد التدقيق الذي يواجهه الأمير محمد.
قالت دينا اسفندياري، كبيرة مستشاري الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية: «حتى سنوات قليلة مضت، كان هذا النوع من الانقسام والسعي الصريح لتحقيق أهداف تتعارض مع ما يسعى إليه الأشقاء أمرا غير مسموع. أما الآن فقد أصبح الأمر عاديا، يوماً بعد يوم».
امتنع المسؤولون الإماراتيون عن التعليق على ذلك، وكذلك السعوديون.
في تغريدة له، في شباط/ فبراير، أعاد أنور قرقاش، مستشار السياسة الخارجية الإماراتي، التأكيد على وحدة الإمارات مع السعودية، وقال إن التقارير عن تحولات في التحالفات الخليجية غير صحيحة وتخلق الانقسامات في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى التعاون والتعاضد.
في الواقع كان الخلاف الأكثر حدة بين الدولتين بسبب اليمن، حيث قاد السعوديون والإماراتيون تحالفاً عسكرياً عربياً تدخَّل هناك في 2015. الحرب الأهلية تركت هذا البلد منقسماً بين المتمردين الحوثيين، المدعومين من إيران، ويسيطرون على الشمال، وبين الحكومة المعترف بها دولياً، التي تسيطر على كثير من مناطق الجنوب.
سحبت الإمارات معظم قواتها على الأرض من اليمن في العام 2019؛ لكنها لا تزال قلقة من أن يتم تهميشها في المناقشات حول مستقبلها، حيث تواصل السعودية محادثات مباشرة مع الحوثيين بشأن إنهاء الحرب كما يقول مسؤولون خليجيون. تريد الإمارات أن تحافظ على موطئ قدم لها في الساحل الجنوبي لليمن، وتوجيه القوة في البحر الأحمر لتأمين الطرق البحرية من موانئها إلى بقية العالم، بحسب المسؤولين.
في كانون الأول/ ديسمبر وقَّعت الإمارات اتفاقية أمنية مع الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، تسمح للقوات الإماراتية بالتدخل في البلد في حال وجود خطر وشيك، وتدريب القوات اليمنية في الإمارات، وتعزيز التعاون الاستخباراتي، وفقاً لمسؤولين غربيين وإماراتيين وسعوديين. كما تسعى الإمارات أيضاً لإنشاء قاعدة عسكرية ومدرج على جزيرة تقع في مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر، وفقاً للمسؤولين.
وقال المسؤولون الخليجيون إن المسؤولين السعوديين أيضاً اعترضوا سرّاً على الاتفاق الأمني والخطط الخاصة ببناء القاعدة، ورأوا أن الإماراتيين يعملون ضد الأهداف الرئيسية للرياض، ألا وهي تأمين حدودها التي تبلغ 800 ميل، ووقف هجمات الصواريخ والمسيرات الحوثية.
وردّاً على ذلك، نشر السعوديون القوات السودانية المشاركة في التحالف العسكري العربي في المناطق القريبة من العمليات الإماراتية، الأمر الذي اعتبره مسؤولون إماراتيون تكتيكاً للترهيب.
في كانون الأول/ ديسمبر أيضا، عندما لم يحضر الشيخ محمد القمة الصينية في الرياض، قال المسؤولون السعوديون إنهم فسّروا ذلك بأنه علامة على استياء الإماراتيين من تصعيد المنافسة في اليمن. وبدلاً من الشيخ محمد، حضر حاكم الإمارة الصغيرة الفجيرة القمة التي ضمت الرئيس الصيني شي جين بينغ.
كما دارت جدالات سرية بين أكبر منتجين للنفط في العالم (السعودية والإمارات) أيضاً حول قضايا الطاقة.
في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، التي تقودها السعودية، تقول الإمارات إنها مضطرة لضخ كمية أقل بكثير من قدرتها، الأمر الذي يؤثر في عائداتها النفطية. وقد ظلت لزمن طويل تدفع لضخ المزيد من النفط؛ لكن السعوديون كانوا يرفضون ذلك، بحسب مندوبي المنظمة.
يقول المسؤولون الإماراتيون إن بلادهم تجري نقاشاً داخلياً حول مغادرة «أوبك»، وهو قرار يمكن أن يهز المنظمة ويقوض نفوذها في أسواق النفط العالمية. كان يتم مناقشة مغادرة «أوبك» في القيادة الإماراتية لسنوات، دون تحرك؛ لكن المسؤولين الإماراتيين قالوا إن الخلافات الأخيرة مع السعودية قد أثارت الفكرة مجدداً.
اشتبكت الإمارات مع السعودية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عندما قررت منظمة «أوبك +» (مجموعة من 13 دولة تضم أوبك وعشر دول أخرى بينها روسيا) خفض إنتاج النفط تدريجياً من أجل دعم أسعار النفط الخام.
بشكل عام دعمت الإمارات قطع الإنتاج؛ لكن المسؤولين الأمريكيين قالوا إن الإماراتيين أخبروهم بشكل خاص بأنهم أرادوا ضخ المزيد تماشياً مع رغبات واشنطن؛ لكنهم لاقوا مقاومة من السعودية. ومنذ ذلك الحين ضغطت الإمارات على «أوبك» للسماح لها على وجه الخصوص بإنتاج المزيد، بحسب مسؤولي الطاقة.
قالت السيدة اسفندياري: «الإماراتيون قلقون من عمل السعوديين ضد مصالحهم». وقالت إنه من الناحية الأخرى يخشى السعوديون أيضاً أن تخلق الإمارات خطراً أمام الهيمنة السعودية في الخليج.
لا يعد الخلاف السعودي الإماراتي خطيراً كنزاع قطر مع جيرانها، الذي شهد قطعاً للعلاقات الدبلوماسية والتجارية وحظر السفر من منتصف 2017 حتى بداية 2021؛ فرغم كل ذلك لا يزال السعوديون والإماراتيون ينفذون معاً تدريبات عسكرية مشتركة؛ غير أن أوج تحالفهما قد ولى، بحسب رؤية المحللين.
كما ذكر المسؤولون الإماراتيون أن الانقسام بدأ فعلياً بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، عام 2018، على يد فريق قتل سعودي، الأمر الذي جعل الإماراتيين يعيدون النظر في مدى قربهم من المملكة. في 2019 شعر السعوديون بأنهم يُترَكون وحيدين في اليمن، عندما بدأت أبوظبي سحب قواتها. كما أن وجود اتفاق إماراتي يؤسس لعلاقات مع «إسرائيل» قد ولد خلافات أيضاً.
قال مسؤولون ودبلوماسيون سابقون إن المصالحة السريعة بين الرياض والدوحة، التي ضغطت لإنهاء المقاطعة في بداية العام 2021، قد أزعجت أبوظبي، التي دفعت في بادئ الأمر لعزل قطر وأرادت مواصلة حصارها. اعتمدت السعودية على الشركات الأجنبية لنقل مقراتها الإقليمية إلى المملكة، متحدية بذلك مكانة دبي المدينة الإماراتية التي تعد مركزا للأعمال الدولية في الشرق الأوسط.
من جهة أخرى بدا أن عملية إعادة تنظيم محتملة في الخليج قد تبلورت في تشرين الثاني/ نوفمبر، عندما ظهر ملك البحرين، التي ينظر إليها منذ فترة طويلة على أنها دولة عميلة للسعودية، في سباق الفورمولا 1 في أبوظبي، جنباً إلى جنب مع الشيخ محمد، في الأسبوع نفسه الذي حضر فيه الأمير السعودي مراسم افتتاح كأس العالم في الدوحة مع حاكم قطر.
وفي الشهر الماضي رتبت الإمارات مكالمة هاتفية بين قادة قطر والبحرين، اللتين تربطهما علاقة باردة منذ سنين. ولعبت الإمارات دور القوة الإقليمية الوسيطة، الذي كان في السابق دوراً سعودياً.