حاوره:أنور عون / لا ميديا -
ضيفنا اليوم من أسرة رياضية مشبعة بكرة القدم. والده أحمد عبدالرحمن، وعماه حسين وسالم، والأخير كان نجماً استثنائياً كما يروي من عاصروه في الستينيات والسبعينيات.
مِن رحم هذه الأسرة الموهوبة، وفي ظلال هؤلاء الأشقاء الثلاثة، بزغت، في التسعينيات، نجومية ضيفنا الجميل، هاني عبدالرحمن، كآخر لؤلؤة حقيقية في العقد الكروي اليمني.
يعد هاني من اللاعبين القلائل الذين أمتعوا بمهاراتهم. وأذهلوا بإبداعاتهم وانطلاقاتهم في الملعب. يسعى من اعتزاله إلى نقش اسمه في عالم التدريب، فالكثير يراه مشروع مدرب كبير؛ لكن الأعوام تمضي وهو ينتظر على سفوح الأماني والآمال دورات التدريب ليفجّر بها مخزوناً كروياً فنياً كبيراً.
ولقد تشرفت بمعرفته وسعدت مؤخرا بمحاورته. وما بين البداية والنهاية في الملاعب وعشقه التدريبي يبقى من حق الكينج أن يقول ما يريد ويسترجع تاريخاً معمّداً بمحطات الدهشة والمتعة.
يقول الكابتن هاني: "في طفولتي ارتبطت بصديقين، هما أمين ردمان، الحكم المعروف، ونصر القباطي. لعبنا معاً فترة طويلة، بدأت في حارتنا بسعوان، ثم فكرنا -رغم صغر سننا- باللعب في نادٍ، فقادتنا أقدامنا إلى شعب صنعاء. كان ذلك في العام 89 تقريباً. تدربنا معهم فترة، وكم عانيننا من طول المسافة التي نقطعها من الحارة إلى النادي؛ لكن قصتنا مع الشعب نحن الثلاثة انتهت بعد أشهر؛ لأن مدرب الأشبال، وحينها كان جميل السعواني، همشنا في المباريات، لدرجة أنه كان يقول لنا إن المباراة يوم الجمعة، فنحضر وقد لعبها الخميس! المهم طفشنا، فذهبنا إلى نادي الوحدة في التحرير، وكان هناك دوري للأشبال في ملعب الباسكت. طلبنا من الكابتن أحمد زايد، الذي كان حينها يشرف على أشبال الوحدة، الانضمام، فقال لنا: ضيفوا لكم لاعب رابع وشاركوا. ولعبنا في ذلك الدوري، وإن استمرت معاناتنا من المسافة بين الحارة والتحرير؛ لكن بعدها ضمنا الكابتن أحمد زايد إلى فريق أشبال الوحدة، ثم تدربنا مع الكابتن علي باشا. أما البداية الحقيقية فكانت عندما تولى المهمة الكابتن عبدالوهاب الحواني، فقد كون فريقاً رائعاً، وأصبحنا بعدها فريقاً متميزاً، ولعبنا دوري ناشئين".

 متى تم الدفع بك للفريق الأول؟
- لقصة بدأت عندما كنا نلعب دوري ناشئين تحت قيادة الحواني مطلع التسعينيات، وكان لدينا فريق مرعب من النجوم. لعبنا مباراة صعبة أمام أهلي صنعاء، امتلأ خلالها ملعب الظرافي كاملاً، وحضرها المدرب العراقي الكبير عبد كاظم، مدرب الفريق الأول بالنادي، فذُهل من أدائنا، واختار 7 لاعبين للفريق الأول، كنت أحدهم. وفي أول موسم لي مع عبد كاظم لم ألعب سوى دقائق في آخر مباراتين أمام الزهرة وأحرزت هدفين فور نزولي، وأمام شمسان وصنعت هدف التعادل، وحللنا رابعاً في الدوري.

 وكيف كان موسمك التالي؟
- هنا كانت الانطلاقة، بعد البداية المتعثرة، أمام الشعلة في عدن. المدرب عبد كاظم دفع بي أساسياً وطلب مني مراقبة صالح الحاج، الذي كان في قمة عطائه وأنا في بداية المشوار. خسرنا 5-2، وتألق يومها صالح الحاج وسجل هدفين، فخرجت بعد المباراة أبكي حزناً، لأني شعرت بأني سبب الخسارة. قررت وأنا راجع إلى صنعاء فوق الباص أن أتوقف عن اللعب نهائياً، فالمرارة بداخلي كانت كبيرة. زملائي الذين كانوا لاعبين كباراً، أمثال فضل المطار وعبدالله وجمال الخوربي... شعروا بي وواسوني ووقفوا بجانبي. وكانت المفاجأة بالنسبة لي حين نزلنا نتعشى في ذمار، فقد جاء إليّ المدرب عبد كاظم رحمه الله وقال لي بلهجته العراقية: "باوع بكرة راحة. الأحد تمرين، أريدك أول من يحضر التمرين. الراجل الذي يقف على رجله مهما حصل، وأنت مشروع لاعب كبير، وهاي أول خسارة، واحنا بطل الدوري في الأخير".
في الأسبوع التالي كانت مباراتنا مع التلال في صنعاء، وأشركني المدرب مهاجماً، وفزنا 2-1، وأحرزت الهدفين. ومن هنا بدأت الحكاية وبدأت الألقاب. بعد المباراة قابلني خالد حداد، رئيس رابطة التلال، وقال: "أنت روماريو اليمن"، فشعرت بإحراج شديد، وأطلق عليَّ الأستاذ مطهر الأشموري لقب "الكينج"، وقال عني الصعفاني "ابن الوز عوام"، وحسين العواضي لقبني بـ"الجوكر"، ثم لقبوني بـ"الفدائي" و"مايسترو الوسط"... وكلها ألقاب أعتز بها، لأنها من أساتذة وعمالقة في الصحافة، وهذه الإطراءات جعلت المدرب القدير عبد كاظم يأخذني في زاوية ويقول لي: "لا تهتم بالصحافة والإشادة المتواصلة، أنت موهبة حقيقية، فقط اهتم بنفسك وتطوير موهبتك بالغذاء والتدريب والنوم وعدم الغرور، وستصل للنجومية المطلقة". وبعد انتهاء ذلك الموسم كنا أبطال الدوري بجدارة، والحمد لله لم أجلس بعدها على مقاعد الاحتياط إلى أن اعتزلت الكرة في 2006، إلا بسبب الإصابات، وكانت نادرة.

 ماذا عن مشاركاتك الخارجية على مستوى النادي والمنتخبات؟
- مشاركات كثيرة، أمام الهلال السعودي، كاظمة الكويتي، الرفاع البحريني، الوحدات الأردني (وقد فزت في هذه المباراة بجائزة "أفضل لاعب")، الشرطة العراقي، حطين السوري، الوكرة القطري، الهلال السوداني، الأهلي السعودي، المريخ السوداني، الاتحاد السعودي... وكلها ما بين تصفيات وبطولات عربية ومباريات ودية، تألقت في بعضها وأحرزت أجمل أهدافي فيها وأصبت خلالها؛ لكنها في المجمل مشاركات ناجحة.
وبالنسبة للمنتخبات شاركت مع الشباب والأولمبي والوطني الأول؛ لكن مشاركتي مع المنتخب الوطني عام 98 هي الأبرز، وأتذكر أن اختياري من قبل المدرب الكبير حازم جسام كان مفاجئاً لي، فلم يكن يخطر ببالي حينها ذلك الاختيار، فقد فاجأني أخي بصحيفة "الرياضة" التي نشرت أسماء لاعبي المنتخب، لم أصدق يومها، إذ كيف لي اللعب بجانب عمالقة كنت أحلم بمصافحتهم: عارف عبد ربه، عبدالله الثريا، عبدالرحمن وسالم سعيد، أحمد البريد، عمر عبدالحفيظ، محمد العزعزي، محمد جماعي، محمد حمادة، حسين جباري، عصام دريبان، جياب باشافعي، جميل مقطري، معاذ عبدالخالق... وكنت أنا ومحمد دماج أصغر اللاعبين. طبعاً تم اختياري مع اللاعب جمال الخوربي وفضل المطار من وحدة صنعاء فقط.

 ولماذا تراها المشاركة الأفضل؟
- من واقع الأسماء والنتائج والمستوى الذي قدمناه في تصفيات 98، وارجعوا إلى النتائج وأدائنا في المباريات في تلك التصفيات، وصدقني لو كانت هناك إمكانيات لوصلنا إلى نهائيات كأس العالم.

 كابتن، خلال مشوارك، هل تحصلت على عروض احترافية؟
- نعم؛ لكني رفضت العروض الخارجية، لارتباطي بعملي وأسرتي، ومحلياً من أهلي صنعاء عندما بلغ خلافي مع إدارة النادي مستوى غير عادي، ولولا الأستاذ علي الأشول رحمه الله والأستاذ علي الصباحي لانتقلت إلى الأهلي؛ ولكن احترامي وحبي وتقديري للأستاذين علي الأشول والصباحي حتّم عليّ البقاء في الوحدة.

 ومن هم اللاعبون الذين تأثرت بهم في بداياتك؟
- عبدالناصر نديم، عزيز عايش، عمر البارك، عبدالله الخوربي، حسين جباري، ميثاق الأصبحي. هؤلاء أبرز لاعبي خط الوسط الذين تأثرت بهم.

 وما هي أبرز الإشادات التي تحصلت عليها من المدربين وحفزتك كثيراً؟
- كلمات المدرب عبد كاظم، وأيضاً ما قاله عني المدرب الكبير سامي نعاش في إحدى محاضراته وهو يدرب فريق التلال قبل مواجهاتنا أمامه في عدن، فقد كان مركزاً عليّ في المحاضرة بشكل كبير، وقال إنني أملك ثقلاً وقدرات تثير مخاوفه، وهذا ما أخبرني به بعض زملائي اللاعبين في فريق التلال عقب المباراة، وهي شهادة أعتز بها من مدرب قدير.

 هل أنت راضٍ عما قدمته مع النادي والمنتخب؟
- الحمد لله، مع النادي حققت ألقاباً وبطولات ومشاركات ناجحة، ومع المنتخبات كذلك.

 من هم المدربون الذين استفدت منهم؟
- كل مدرب تدربت معه استفدت منه؛ عبدالوهاب الحواني، عادل التام، حازم جسام، وأكيد الرائع عبد كاظم رحمه الله... لكن يظل الكابتن أمين السنيني هو الأب الروحي لي منذ كنت لاعباً إلى أن أصبحت مدرباً، فهو مدرب كفؤ بكل المقاييس.

 في فترة زمنية امتلك الوحدة جيلاً مؤهلاً صنع أمجاد النادي... هل ترى أن الوحدة ظلم ذلك الجيل الذهبي؟
- بلا شك! أنت تقصد تلك الكوكبة: فضل المطار، صلاح العزاني، جمال الخوربي، أحمد عبدالرحيم، أنور السروري، سعيد الخليدي، سعيد علي، داود عبدالله، خالد صالح، عبدالله الخوربي، عادل التام، عبدالصمد عزيز، شهاب وإبراهيم الكهالي، أكرم صبحي، ياسر عبدالله، جمال الشجري، محمد الفقيه، نبيل مفلح، فؤاد عنقاد... للأسف هذا الجيل ظُلم من النادي وإدارات الكرة اليمنية. حققنا ثلاث بطولات ومثلنا المنتخبات ولم يكرم أحد منهم بأقل تكريم حتى!

 وكيف ترى نادي الوحدة تحت قيادة أمين جمعان؟
- المنشآت تتحدث عن نفسها. الأستاذ أمين وضع أشياء وأوجد بنية تحتية يشار إليها بالبنان، ويتوجب علينا شكره على كل ما يبذله ويقدمه من أجل نادينا الحبيب. لكن في الوقت ذاته أتمنى منه أن يعمل على تأهيل الكادر التدريبي، فنحن في أمس الحاجة لدورات تدريبية.

 يبدو أنك تعاني في مجال التدريب؟
- نعم، لدي طموح غير عادي وأملك خبرة وأشعر بأنني قادر على تقديم أشياء لوطني وناديي؛ لكن ينقصني شهادات التأهيل، فليس لديّ سوى دورة (C) التي أخذتها مع كباتن كبار عام 2012، ومن حينها لا جديد سوى التدريب، حيث عملت مع عدة مدربين، آخرها مساعداً للكابتن أمين السنيني بنادي الوحدة. وفي الحقيقة هذا الوضع يقلقني، فأنا أبحث عن دورات تأهيل لأصقل مهاراتي، فلديّ ما أقدمه، وأنا أثق بقدراتي التدريبية. التدريب أصبح علماً ودراسة وتأهيلاً، ولن ترتقي الكرة اليمنية إلا بتأهيل كادر تدريبي موهوب.

 أفضل شخصيات إدارية مرت عليك...؟
- علي الأشول رحمه الله، علي الصباحي، عبدالرحمن محمد علي عثمان رحمه الله، أحمد لقمان، وأحمد الشبيبي.
 شخصيات قريبة إلى قلبك...؟
- جمال الخوربي، زكريا القصوص، علي لطف الثور، يحيى عائض، أحمد الشرفي، أحمد المناري، وعلي النعامي رحمه الله.
 إنجازات تعتز بها...؟
- حصولي على ألقاب خارجية، وأفضل لاعب وسط بالدوري مرات عديدة، واختياري من بين 10 لاعبين عرب في مجلة "الوطن" اللبنانية.
 كلمة أخيرة...؟
- أشكر كل أفراد أسرتي، لأنهم كانوا سنداً لي وعوناً، وأبرزهم عمي سالم وعمي حسين عبدالرحمن، رحمهما الله. أيضا أشكر الأستاذ محمد الناضري، الذي قام بتوظيفي في "اليمنية".
وشكر خاص لصحيفة "لا" والقائمين عليها.