تحقيق وتصوير:عادل بشر / لا ميديا -
في الحلقة الأولى من هذا الملف الزراعي، الذي خصصته صحيفة «لا» لكشف التدمير الممنهج للأراضي والمحاصيل الزراعية في اليمن، تناولنا جانباً من الآفات والكوارث التي تسببت بها بذور الخضروات والحبوب المستوردة، على أخصب القيعان والأودية الزراعية، وكيف تحولت مساحات كبيرة منها إلى أراضٍ «صالبة» غير صالحة للزراعة.
ونقلت الصحيفة في الحلقة ذاتها، المنشورة في العدد (1231) بتاريخ الأحد 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، معاناة المُزارعين مع البذور المستوردة، والفيروسات والأمراض العابرة للحدود والقارات، مُشكِّلة خطراً حقيقياً يهدد سلة غذاء اليمنيين وما تبقى من سبل عيشهم، وتضرب التوجه الوطني لتعزيز الأمن الغذائي والقومي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الزراعة، في مقتل.
وفي هذا الصدد تحصلت «لا» على وثائق هامة تكشف جانباً من الاختلال في عمليات استيراد بذور الخضروات والحبوب التي تحمل فيروسات وآفات زراعية وبذور حشائش سريعة التكاثر والانتشار وعصية على الإزالة، تقضي على خصوبة الأرض وتُفني المحصول، وتُعد -وفقاً لخبراء زراعيين- أحد الأسلحة البيولوجية الفتاكة التي تستخدمها دول الاستكبار العالمي بأيادٍ يمنية.
وقبل تناول تلك الوثائق، طرقنا باب وزارة الزراعة والري، حاملين هموم المزارعين في «قاع البون» بمحافظة عمران، و»وادي ذرحان» بمديرية همدان محافظة صنعاء، وآخرين من محافظة ذمار، وتم التواصل مع ضيف الله شملان، وكيل قطاع الخدمات الزراعية بالوزارة، الذي بدوره أحالنا إلى مدير عام وقاية النبات، أحمد الكول.

جلسة تحقيق
لم يكن الحديث مع مدير عام وقاية النبات، أحمد الكول، بحثاً عن تبريرات، وإنما جلسة مكاشفة، لذلك فضّلنا أن ننشرها كما هي (سؤال وجواب).
 هناك شكاوى من مزارعين أن البذور التي تم شراؤها من وكلاء معتمدين لدى الوزارة سببت أضراراً كارثية في التربة وعلى النبات...؟
ما هي البذور؟
 بذور الجزر والبطاطس والطماطم، تسببت بظهور حشائش مضرة بالثمار وبالتربة...!
 بعض الحشائش منتشرة منذ عشرين سنة وأكثر، والعام الماضي 2022 أُثيرت القضية وحصلت مشكلة كبيرة فيما يخص بذور الجزر!
  مع من؟
 حصل خلاف بين مدير عام الرقابة على الجودة السابق وأحد التجار المستوردين للبذور. مثلا يحدث أن تأتي في بعض الأحيان حشائش من تلك المتواجدة في البيئة اليمنية، فقام مدير عام الرقابة على الجودة بإيقاف هذا الإجراء.
  أي إجراء؟
 حق التاجر.
 تقصد إجراء إدخال شحنة البذور المستوردة؟
أوقف الشحنة، قال إنها تحتوي على بذور حشائش غريبة وخطيرة ومدري ايش، وهو كلام  عارٍ عن الصحة. بعد ذلك أوقفنا نحن تاجرين آخرين إلى جانب ذلك التاجر؛ إحدى الشحنات التابعة لهما احتوت على أمراض فطرية والأخرى بذور حشائش.
 يعني ثبت أن الشحنات الثلاث تحتوي على أمراض وحشائش...؟
 هي هذه المشكلة، دعني أقل لك في البداية إنهم يمحورون المشكلة على هذا الموضوع، لكنهم خرجوا منها بخفي حنين.
  من هم؟
 الذين أثاروا هذا الموضوع.
 من هم؟
 الموضوع وما فيه مقاضاة أغراض. هذا الحشائش التي يتحدث عنها المزارعون منتشرة في اليمن منذ عشرين سنة وأكثر، وعملنا تحقيقاً نحن وقناة «المسيرة»، نزلنا إلى همدان وبني مطر، وحققنا مع المزارعين، متى انتشرت البذور الغريبة هذه، قال بعضهم إنهم يعرفونها من حوالى 25 سنة. المهم أن الموضوع استطال والمشكلة كبرت، فشكلنا لجنة من أفضل المختصين.
  متى هذا؟
 في رمضان العام الماضي (2022). اللجنة صنفت البذور، وطلعت بنتيجة أنها بذور متواجدة في البيئة اليمنية ولا يوجد فيها بذور الحشائش «أبو شوكة».
 تقصد أن اللجنة صنفت شحنة البذور محل الخلاف بين مدير الرقابة على الجودة السابق وصاحب الشحنة...؟
 نعم.
  والشحنتان الأخريان...؟
 إحداهما كان فيها فطريات، وقمنا بإعادتها إلى بلد المنشأ، والأخرى تحتوي بذور حشائش. المهم بعد ذلك أخذنا عينات عشوائية من بذور الجزر التي تباع في الأسواق، ووجدنا فيها حشائش ضارة، أكثر من تلك التي وجدناها في الشحنات التي تم إيقافها.
  من أي جاءت هذه البذور؟ وكيف دخلت؟
 دخلت على مدى السنوات الماضية، يعني النظام الذي كان متبعاً في الرقابة على الجودة والوقاية. المهم هذه المشكلة وقفنا عندها بالكامل، قلنا ضروري حلها، وحللناها.
  كيف حللتموها؟
 ظهر الحق من الباطل. الناس الذين زرعوا الباطل قلعوهم، غيروهم من وظائفهم، والمظلومون من التجار أنصفوهم. أصحاب الباطل كانوا يريدون تحميل المجاهدين جميع المشاكل، على أساس أن النظام السابق لم يعمل شيئاً على مدى عقود من الزمن.

إيقاف الاستيراد
  الحشائش الخبيثة التي وجدناها في قاع البون بمحافظة عمران، قال المزارعون إنها دخلت إلى البلاد في السنوات الأخيرة مع بذور الطماطم ومنها نبتة الهالوك...؟
 الهالوك هذا له فترة طويلة، هو يحتاج مكافحة يدوية مع مبيد أعشاب. وعموماً مكافحة الحشائش والآفات يجب أن يتكاتف فيها جميع الناس.
  كيف؟
 ألا يلقوا اللوم على جهة واحدة. مثلاً أنا تعينت في هذه الإدارة وفيها أخطاء سابقة، فنضطر نحن إلى تحملها.
 ما الإجراءات التي اتخذتموها لتفادي هذه الأشياء؟
 بعد مشكلة شحنات بذور الجزر، قمنا بإيقاف استيراد الجزر.
 أوقفتم استيرادها تماماً؟
 ظللنا فترة، جمعنا أكثر من عشرين شحنة، ما كان يأتي من شحنات كنت أوقفها، وشكلنا لجنة أعدت قائمة بالحشائش الموجودة في الطبيعة اليمنية، وكم النسبة المسموح بها من بذور الحشائش المصاحبة لبذور الجزر والخضروات في الشحنات التي يتم استيرادها من الخارج.
 من أين يتم الاستيراد؟
 من هولندا وأمريكا.
  ألم يُمنع الاستيراد من هولندا؟
 حالياً ممنوع، وهناك فترة سماح ستة شهور للمستوردين الذين دخلوا في إجراءات شراء الشحنات قبل قرار المنع.
 أوقفتم استيراد البذور بشكل كامل لجميع الخضروات أم للجزر فقط؟
 بشكل كامل، وهناك حالياً محاولات لتسجيل بذور بطاطس واستيرادها من هولندا؛ ولكن هذا يعتمد على قطاع تنمية الإنتاج، في حال قرروا الاستيراد، نحن في وقاية النبات لا نستطيع عمل شيء.
  ولكن هناك قرار من وزير الزراعة بإيقاف استيراد بذور البطاطس نتيجة للاكتفاء الذاتي منه عبر الشركة العامة لإنتاج بذور البطاطس...؟
نعم، لدينا صورة منه.
 هل تم العمل به؟
 إلى حد الآن نعم، لم نصدر أي تصريح بالاستيراد؛ لكن المشكلة وما فيها أنها سياسة سوقية وتضارب وضغوطات.
  هل تقصد أن بعض التجار والمستوردين يحاولون الضغط والتأثير على الوزارة للسماح باستمرار استيراد بذور البطاطس؟
 نعم. لكن دعني أوضح لك فيما يتعلق بإصدار تصاريح الاستيراد؛ نحن في قطاع الخدمات الزراعية ممثلاً بالإدارة العامة لوقاية النبات، جانبنا تكميلي، فإذا جاءت لنا موافقة من قطاع الإنتاج النباتي، نحن «نندع» تصريحاً وهم يتحملون المسؤولية.
 والآن شحنات بذور الجزر والطماطم هل ما زالت تأتي بانتظام؟
 ليس لدينا  مشكلة إلا في الجزر، الذين أثاروها وكبروها وحولوها إلى حرب إعلامية، الباري قال: «إن الله لا يصلح عمل المفسدين»، يعني بانوا من هم الذين هم على باطل في هذا الموضوع كامل. أما المزارعون فنحن نزلنا إلى عندهم وتقصينا الحقيقة، وقالوا إن البذور التي يشترونها حالياً لا يزرعونها إلا بعد أن يغربلوها.
  لكن أنا قابلت عدداً من المزارعين وكانوا يشتكون من حشائش جاءت مع بذور الطماطم، وانتشرت في أراضٍ كثيرة...؟
أحياناً المُزارع نفسه ينشر العدوى بيده، كأن يقوم بقلع نبتة الحشائش ويرميها أطراف الحقل، ولا يتخلص منها بطريقة سليمة، فينتشر الضرر أكثر.
  هذا نقص توعية؟
 نعم.
 ما دور وزارة الزراعة في هذا الجانب؟
 وزارة الزراعة لا يخفى عليك الجانب المالي يعيق تحرك الموظفين، والوزارة بشكل عام مرتكزة على هذه الإدارة التي لها مهام عدة وتضم عدة إدارات، مثل الحجر النباتي في المنافذ الجمركية، وهؤلاء وضعهم سيئ جداً، ومهمتهم تتلخص في تفتيش المنتجات الزراعية، ولدينا إدارة المكافحة المتكاملة للآفات، لو اشتغلت لأغنتنا عن المبيدات بشكل عام.
 ما عملها؟
 مكافحة الحشرات بالطفيليات، بحيث يتم تربية حشرة ونشرها لتقضي على الآفات ولا تحتاج إلى مبيدات أو أي عنصر مكافحة. لكن هذه الإدارة مُرقدة ولم نستطع توفير ميزانية لها، نفقات تشغيلية فقط. هناك أيضاً مختبرات فحص الأثر المتبقي للمبيدات، ومختبر الصحة النباتية، وإدارة الحملات الوطنية... ولكن كل ذلك ننفذه بجهود ذاتية. لدينا أيضاً إدارة الإرشاد الزراعية تابعة للإدارة العامة لوقاية النبات وفي الوقت نفسه لها علاقة بإدارة الإعلام، يعني جهود محدودة.

تعارض في المهام
  جانب التوعية مغيب تماماً...؟
 يا أخي أقول لك لو الواحد يشتي يتحرك لا يجد ما يتحرك به، يعني تدي له خمسة آلاف، عشرة آلاف، وتشتي منه...
 يعني الكادر والمعدات موجودة ولا ينقصكم سوى النفقة التشغيلية...؟
 لا. الكادر أكثره كبار في السن. نقول لهم دخلوا كوادر جديدة شابة، يقول لك احنا موقفين، توجيهات من الرئاسة بعدم التعاقد، فاضطررنا إلى الاستعانة بكوادر شابة من خريجي الجامعة كمتطوعين مقابل 25 ألف ريال في الشهر. والمشكلة أننا رفعنا بكل ذلك لقيادة الوزارة ولم نجد أي تجاوب.
  اللجنة الزراعية ما دورها في هذا الجانب؟
 ليس لنا أي علاقة بها، اللجنة الزراعية هي مشرف على القطاع الزراعي وسياسات اكتفاء ذاتي.
  وعملكم هو ضمن سياسة الاكتفاء الذاتي، لماذا لا يتم الرفع لها بدعمكم من الموازنات الضخمة التي لديها؟
 يسْلمونا وبس!
 تقصد أن عادهم يأخذوا منكم...؟
 يعني الآن الموضوع وما فيه وزارة الزراعة ليس فيها كلمة واحدة، مثلا لو يخلونا في قطاع الخدمات الزراعية نشتغل سنشتغل على ما في رؤوسنا، سنتمكن من إصلاح الوضع، لكن تحاول تشتغل وما تدري إلا وقد دخلوك في أشياء ثانية.
  أشياء غير اختصاصكم...؟
 مثلاً تقول له أشتي أحسن وضع كذا، يقول لك: أنا معي حاجة أكبر، معي موضوع أهم، معي كذا...
 تقصد أن الإدارة شبه مقيدة في أعمالها...؟
 شبه مقيدة، ويسحبون منها الصلاحيات تدريجياً.
 لصالح من؟
 إدارات أخرى، مثلاً المفتشين في المنافذ الجمركية، قام الوزير والنائب عملوا مفتش للرقابة على الجودة، وما يحق لهم ذلك في القانون. في القانون الجهة المختصة هي الإدارة العامة لوقاية النبات. ونتيجة لذلك تتعارض المهام بالعمل في المنافذ، اثنين مندوبين زراعيين، واثنين ختومات، و... إلخ.
 وهذا أكيد يؤثر في المدخلات...؟
 يؤثر في المدخلات، وفي الوقت نفسه تضارب في العمل وعرقلة لمصالح الناس.


في الحلقة القادمة:
مكاشفة مع مدير عام إدارة الوقاية سابقاً واستعراض وثائق هامة تكشف الكثير من أغوار الحرب البيولوجية على اليمن.


رابط الحلقة الاولى من التحقيق
👇🏻👇🏻👇🏻