«لا» 21 السياسي -
حالة التهويل والارتباك الأمريكيَّة بشأن القصف اليمني المزدوج للكيان الصهيوني عكست مخاوف واشنطن من المشاركة اليمنية بالصواريخ والطيران المُسيّر في المعركة. وقد نضع هذه الحالة أيضاً في إطار مخطّط واشنطن لتعزيز وجودها في مضيق باب المندب وخشيتها من تكرار سيناريو إغلاق المضيق، الذي حدث في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973. فقد قدمت أمريكا خطاباً استعراضياً وزعمت أنها اعترضت ثلاثة صواريخ كانت تستهدف جنوب الكيان، متجاهلة أن منظومات الدفاع الأمريكية فشلت في حماية 
منشآت «أرامكو» من ضربات الصواريخ والطيران المُسيّر اليمني خلال السنوات الماضية، محاولة بذلك تبديد مخاوف الكيان من هجمات يمنية متوقّعة.
غير أن العملية بكل دلالاتها المبهمة إعلامياً والغامضة معلوماتياً جعلت أجراس الإنذار تدق في كل المنطقة، باعتبار أن القدرات اليمنية لا تزعج الكيان الصهيوني فحسب، بل تهدد بتعطيل حركة الملاحة المدنية والعسكرية والتجارية في البحر الأحمر وبحر العرب وإمدادات الطاقة والتبادل التجاري في كل المنطقة.
ومن الواضح أيضاً اهتزاز الرواية الأمريكية - «الإسرائيلية» حول الصواريخ والطائرات التي أطلقت من اليمن نحو الكيان الصهيوني.
في البداية قالوا إنهم أسقطوا عدة صواريخ، وأنه لم يتضح هدف الصواريخ لكن يُعتقد أنها كانت تستهدف المدمرة «يو إس إس كارني». وبعدها قالوا إنهم أسقطوا 3 صواريخ وعدداً من الطائرات المسيرة قدر الكيان الصهيوني أنها تستهدفه. ثم قالوا إنهم أسقطوا 4 صواريخ و15 طائرة اتضح أنها كانت متجهة نحو الكيان الصهيوني. ثم تحدثت «وول ستريت جورنال» بأن مسؤولين أمريكيين قالوا إن أنصار الله أطلقوا 5 صواريخ «كروز» أسقطت السعودية أحدها، ونحو 30 طائرة مسيّرة كانت متجهة نحو الكيان الصهيوني، لتنقل الصحيفة نفسها عن مسؤولين أمريكيين: «إن الولايات المتحدة ترسل أنظمة دفاع جوي إلى دول الخليج».
حسناً، الصواريخ التي زعمت واشنطن أن المدمّرة الأمريكية اعترضت بعضها ليست من طراز «كروز» المجنّحة، كما تحدث البنتاجون، كون الأخيرة ليست صواريخ بحرية، بل «أرض - جو»، وترتفع إلى ما يتجاوز 100 كيلومتر في الغلاف الجوي ولا توجد أيّ أنظمة دفاع جوي في المدمّرات البحرية تستطيع اعتراضها. وتمتلك صنعاء صواريخ «كروز» من طرازات مختلفة، قادرة على المناورة والتخفّي، كصواريخ «قدس 1 و2 و3» المجنّحة، وأخيراً، تم الكشف عن «قدس 4» الذي يبلغ مداه نحو 2000 كيلومتر، وكذلك صاروخ «سجّيل» المجنّح من النوع البحري ذي المديات التي تتجاوز 1700 كيلومتر، في حين أن المسافة من اليمن إلى شواطئ «إيلات» لا تتجاوز 1600 كيلومتر.
والعمق الذي استهدفته الصواريخ البالستية اليمنية بعيدة المدى -كما حدث في استهداف «أرامكو» في رأس تنورة بمنطقة الدمام شرقي السعودية- يبلغ 1580 كيلومترا وأكثر، ما يعني إمكانيّة وصولها إلى عمق الكيان في فلسطين المحتلّة.
وفي تقسيم للأراضي الفلسطينية المحتلّة على طول 400 كم، فإن الصواريخ اليمنية قادرة، حتى الآن، على كشف حوالى 100 كم من مساحة فلسطين. وقد أثبتت الحركة تطوراً نوعياً سريعاً لناحية التصنيع العسكري والصاروخي المحلي، وكان أحدثها الطائرات دون طيّار من نوع «صماد 3» والصواريخ البالستية من نوع «ذو الفقار» ما يكشف كل مناطق الاحتلال لمرمى الطائرات والصواريخ اليمنيّة.
ويزعم المتخصص العسكري فابيان هينز، في مقال نشره موقع المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، أن الجيش اليمني يواصل تحديث وتطوير ترسانته من الصواريخ البالستية وصواريخ «كروز» وذخائر الهجوم المباشر.
ويتحدث هينز عن قدرات يبلغ مداها 2000 كيلومتر تقريباً، ما يعني تهديد قسم كبير من الجغرافيا المحتلة.
يقول هينز في مقاله: «في 21 أيلول/ سبتمبر 2023، نظمت حركة الحوثيين (أنصار الله) في اليمن عرضاً عسكرياً في العاصمة اليمنية صنعاء، ومن بين القدرات المعروضة كان هناك العديد من أنواع الصواريخ البالستية وصواريخ كروز ذات الأصل الإيراني التي لم تُعرض من قبل».
ويضيف: «تم عرض مشتق آخر من صاروخ قيام الإيراني الذي يعمل بالوقود السائل ويبلغ مداه 1000 كيلومتر، والذي أطلق عليه اسم «عقيل» لأول مرة في العرض، وهذه هي النسخة الثانية من قيام، ذات التوجيه النهائي الذي أظهره الحوثيون، الأول هو «الفلق»، الذي تم عرضه في عام 2022».
ويفصل هينز بأن «هناك صاروخاً آخر يعمل بالوقود السائل كشف عنه الحوثيون، وهو «طوفان»، الذي يمكن أن يبلغ مداه 1350-1950 كيلومتراً، وصاروخاً آخر يعمل بالوقود الصلب يسمى «تنكيل»، ويبلغ مداه 500 كيلومتر».
ويشير إلى أنه «بالإضافة إلى نسخة الهجوم البري المنتظمة الموجهة بدقة من الصاروخ، شمل العرض الحوثي أيضاً نسخة مضادة للسفن لم تُعرض من قبل. إذا تم تشغيل النسخة المضادة للسفن من «تنكيل» ونسخة «آصف» التي تم الكشف عنها سابقاً، وهي نسخة مضادة للسفن من فتح الإيرانية بمدى مزعوم يبلغ 400 كيلومتر، فسوف تُمكن الحوثيين من استهداف الشحن في البحر الأحمر وكذلك أجزاء من خليج عدن».
ويزيد الكاتب: «كما استخدم الحوثيون الاستعراض لعرض إصدارات أخرى من صاروخ كروز قدس. يعد «قدس 4» أحدث إضافة إلى العائلة، رغم عدم وجود معلومات توضح مدى اختلافه عن الإصدارات السابقة. ومع ذلك، فإن زيادة النطاق هي أحد الخيارات. ويبدو أن التوجيه النهائي قد أضيف إلى نوعين آخرين من صواريخ قدس. تم وصف الصياد على أنه مزود بجهاز رادار للقيام بدور مضاد للسفن، بمدى مزعوم يبلغ 800 كيلومتر. يبدو أن صاروخ (Quds Z-0) يحتوي على باحث كهربائي بصري أو يعمل بالأشعة تحت الحمراء، ويُزعم أنه قادر على الاشتباك مع أهداف برية وبحرية».
ويختم هينز بأن «الحوثيين تمكنوا من بناء مجموعة من الصواريخ الموجهة بدقة، والصواريخ البالستية، وصواريخ كروز للهجوم الأرضي، وقدرات مضادة للسفن في فترة زمنية قصيرة بشكل ملحوظ».
وبالعودة إلى أصداء الهجوم اليمني، تحدّثت وسائل إعلام صهيونية عن صواريخ ذات رؤوس حربية، تزن «ما مجموعه 1.6 طناً»، أطلقتها صنعاء على ما يبدو في اتجاه منطقة الفنادق في «إيلات» المحتلة، إضافة إلى 15 طائرة مسيّرة انتحارية تحمل كل منها رأساً حربياً وزنه نحو 40 كجم، بحسب الإعلام العبري.
ونقل الإعلام العبري تقدير المتحدث باسم البنتاجون أنّ «مدى الصواريخ التي أطلقها الحوثيون كان أكثر من 2000 كم، وعليه فإنّ هذه الصواريخ كان بإمكانها الوصول إلى إسرائيل».
وقال الخبير في الشؤون الاستراتيجية الصهيوني يوني بن مناحيم، إنّ اليمن انضم إلى المعركة ضد كيان الاحتلال، عبر صواريخه الجوالة والمسيرات التي اعترضتها البحرية الأمريكية.
وفي منشور له عبر منصة «إكس»، أضاف بن مناحيم أنّه يجري الحديث عن مرحلة جديدة وخطرة وفتح جبهة جديدة ضد الكيان الصهيوني، في إشارة منه إلى تدخل صنعاء.
وتابع أنّ «إسرائيل تستطيع مواجهتها؛ لكنها ستكون بحاجة لمساعدة الولايات المتحدة أيضاً».
من جهتها، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أمريكيين قولهم إنّ حركة أنصار الله «أطلقت 5 صواريخ كروز قدّمتها إيران»، كما «أطلقت نحو 30 طائرة من دون طيار في اتجاه إسرائيل، في هجوم كان أكبر ممّا وصفه البنتاجون في البداية».
وأضاف المسؤولون أنّ «سفينة الصواريخ الموجَّهة (يو إس إس كارني)، والتي كانت تعمل شمالي البحر الأحمر، أسقطت 4 من صواريخ «كروز»، بينما «اعترضت السعودية الصاروخ الخامس».
وقبل أيام، أفاد مسؤول عسكري أمريكي، لشبكة «سي إن إن»، بأنّ السفينة البحرية الأمريكية «يو إس إس كارني»، اعترضت 4 صواريخ «كروز» و15 طائرةً مسيّرةً، قبالة سواحل اليمن، مضيفاً أنّ عملية الاعتراض هذه استغرقت 9 ساعات.
وقال إنّ الصواريخ والطائرات كانت متجهةً نحو أهداف «إسرائيلية»، ليؤكد بذلك ما رجّحه البنتاجون عن أنّ من المحتمل أن تكون «مُوجَّهة نحو أهداف في إسرائيل».
كما نقلت صحيفة (semafor) الأمريكية عمن وصفته بمسؤول كبير في البنتاجون قوله إن «اليمن قدم في عمليته الأخيرة بعض قدراته التي تشكل تهديدا للمنطقة». كما تحدثت الصحيفة بأن الجيش اليمني أو من اعتبرته «جيش الحوثيين يبرز باعتباره تهديداً كبيراً لإسرائيل والولايات المتحدة».
وتابعت الصحيفة أن «الحوثيين ربما يمتلكون الآن الترسانة الأكثر تطوراً من الصواريخ البالستية والطائرات بدون طيار بين أطراف محور المقاومة».
وبرغم كل هذا الارتباك والاهتزاز فقد شددت وسائل الإعلام العبرية على «وجوب التعامل بجديّة مع التهديد اليمني بضرب السفن الإسرائيلية التي تعبر باب المندب في حال بدء العملية البرية في غزة».
وأفاد الإعلام العبري بأنّ هناك تقديرات في كيان الاحتلال بشأن احتمال إطلاق صواريخ من اليمن والعراق، رداً على العدوان الصهيوني على قطاع غزة.
ومما عزز تلك التقديرات أنباء تم تداولها ليلة الخميس - الجمعة عن تعرض قاعدتين عسكريتين تابعتين للكيان الصهيوني في إريتريا لهجوم بالمسيرات انطلق من اليمن وقتل فيه ضابط وجرح آخرون، دون توفر معلومات إضافية عن الأمر حتى لحظة تحرير هذا التقرير. هذا واستهدفت الضربات كلاً من: قاعدة دُهلك البحرية إحدى أكبر القواعد الصهيونية في البحر الأحمر، وقاعدة «امباسوري» المخابراتية المتواجدة على قمة جبل «امباسوري» بارتفاع 3000 آلاف متر والمخصصة لمراقبة باب المندب. وتبعد القاعدتان المستهدفتان 270 كم و300 كم عن ساحل الحديدة.
وسبق لصنعاء أن صنّفت القوات الأجنبية كافة، وخاصة الأمريكية المتواجدة في الأراضي والجزر اليمنية، كقوات معادية، وتوعّدت باستهدافها، مؤكدةً أنها تستطيع ضربها، سواءً في جزيرة ميون المطلّة على مضيق باب المندب، أو في أعالي مرتفعات جزيرة حنيش الكبرى الواقعة في البحر الأحمر، أو في مطارَي الريان والغيضة في محافظتَي حضرموت والمهرة، أو في أرخبيل سقطرى وجزيرة عبد الكوري ومناطق متفرّقة من المحافظات الجنوبية والشرقية، وهو ما تدركه واشنطن جيداً.
لكنّ الهدف العسكري الذي يُراد من ضربه دعم الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يتعرّض للإبادة بمختلف الأسلحة الأمريكية المحرّمة دولياً، محدّد -كما يبدو- بجغرافيا كيان الاحتلال الصهيوني، بدقّة وبشكل معلن.
في السياق تنقل صحيفة «الأخبار» اللبنانية عن أكثر من مصدر مطّلع أن «صنعاء تلقّت، في الأيام الماضية، ثلاث رسائل غربية مفادها تأكيدُ عدم وجود رغبة في توسيع المعركة، وتشديدٌ على ضرورة حصر ما يحدث في قطاع غزة، في محاولة من القوى التي تقف خلف تلك الرسائل إلى منع أيّ مشاركة يمنية متوقّعة في الحرب».
الجدير ذكره أنه وفي الأيام الأولى لـ»طوفان الأقصى» تعهد قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي «بالمشاركة بالقصف الصاروخي والمسيرات والخيارات العسكرية» إذا تدخل الأمريكي بشكل مباشر في العدوان على غزة، متمنياً: «لو أننا بجوار فلسطين ولو تهيأ لنا ذلك لبادر شعبنا بمئات الآلاف من المقاتلين للدفاع عن فلسطين؛ لكن أمامنا المنطقة الجغرافية، ومهما كانت العوائق لن نتردد في فعل كل ما نستطيع».