اليمن بالحبر العبري -
في الماضي غير البعيد، كانت السعودية ستعتز بفرصة توجيه ضربة عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة وبريطانيا لمعاقل الحوثيين. فقد خاضت الرياض حرباً ضد الجماعة لمدة عقد تقريباً.
لكن اليوم، فإن الهجوم الغربي على الجماعة اليمنية هو بالضبط عكس ما تريده الرياض وهي تجري مفاوضات سلام شائكة مع قيادة الحوثيين لتخليص نفسها من اليمن، وتأمل أن تحمي نفسها بشكل دائم من الهجمات عبر الحدود.
وبحسب تقرير لمجلة فورين بوليسي الأمريكية فقد اختارت السعودية البقاء خارج الصراع.
وبدلاً من ذلك، تظل خطوط الاتصال بين المملكة والحوثيين مفتوحة حيث تتجنب الرياض الوقوف علناً إلى جانب واشنطن، خشية أن تصبح هدفاً للهجمات.
في الوقت الحالي، يبدو أن هذه الاستراتيجية ناجحة، لكن السؤال الأكبر يبقى حول ما إذا كان هذا سيضمن حماية السعودية على المدى الطويل.
وكان الهدف من الجولة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في الشرق الأوسط هو الضغط على الجهات الفاعلة الإقليمية لإبقاء الصراع في غزة تحت السيطرة.
ومع ذلك، فإن عواصم الخليج العربي تعرف جيدا أن نفوذها على الحوثيين محدود. وفي محاولة أخرى، حثت الولايات المتحدة السعوديين على أخذ أزمة البحر الأحمر في الاعتبار في محادثات السلام مع الحوثيين وإبطاء مفاوضاتهم.
لكن، بحسب المجلة، اختار كل من الحوثيين والرياض مواصلة مباحثاتهم، مفضلين عدم السماح لأزمة البحر الأحمر بالتدخل في تقدمهم. وفي أعقاب الضربات الأمريكية البريطانية، أعربت وزارة الخارجية السعودية عن «قلقها البالغ» ودعت إلى «ضبط النفس» لتجنب التصعيد.
فالرياض ببساطة ليس لديها الرغبة في توريط نفسها في صراع آخر مستعصٍ مع الحوثيين. لقد تعلمت المملكة من دروس الماضي من خلال التعامل مع الحوثيين عسكرياً، وهي تدرك تماماً أنها تخاطر بالوقوع مباشرة في خط النار.
وكانت هجمات أرامكو عام 2019 التي أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنها -والتي استهدفت منشأتين نفطيتين رئيسيتين وأجبرت المملكة على إيقاف نصف إنتاجها النفطي مؤقتًا- بمثابة نقطة تحول.
ومع شعورها بالخيانة من قبل الأمريكيين، سارعت الرياض إلى إعادة ضبط سياستها الخارجية في السنوات التالية، ساعية إلى حلول دبلوماسية لمشاكلها الإقليمية بدلاً من الاعتماد على واشنطن لإنقاذها.
وفي هذه الأيام، تحافظ الرياض بدلاً من ذلك على الحوار مفتوحاً مع إيران الداعمة للحوثيين.
وقبل يوم واحد من الضربات على اليمن، أجرى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان اتصالاً بنظيره السعودي فيصل بن فرحان.
وآخر ما يحتاجه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، هو التصعيد الذي يعطل السنوات الحاسمة التي تسبق رؤية 2030 التي طال انتظارها، وهي خطة إصلاح واسعة النطاق تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني.
ونتيجة لذلك، اختارت المملكة التزام الصمت وسط أزمة البحر الأحمر، على أمل أن تحميها قنوات اتصالها مع إيران -من خلال اتفاق توسطت فيه الصين وتم الإعلان عنه في ربيع عام 2023- ومع الحوثيين من الاضطرابات الإقليمية وهجمات الحوثيين المستقبلية.
ولا تهدف خطوط الاتصال الجديدة هذه إلى وقف أعمال الحوثيين في البحر الأحمر؛ بل هي جزء عملي من جهد أوسع لعزل المملكة عن أي تصعيد إقليمي، بغض النظر عن الظروف.
وحتى الآن، يبدو أن الاستراتيجية ناجحة، ولم يتم استهداف الرياض. وفي الواقع، فإن جزءًا من قرار المملكة بعدم الانضمام إلى التحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الحوثيين يتأثر بتجربتها في تحمل وطأة المواجهة بين إيران والولايات المتحدة.
ولفتت المجلة إلى أن الأولوية الأولى للمملكة العربية السعودية هي حماية نفسها، فهي تريد خروجاً سريعاً من حرب اليمن، ولن تسمح للخلاف الغربي الأخير مع الحوثيين بإفساد هذا الأمر.
ومنذ عام 2021، تتزايد المفاوضات مع الحوثيين بوساطة عمانية. ووصلت الرياض أخيراً إلى نقطة التواصل الفعال معهم، وهو الأمر الذي استغرق سنوات لتحقيقه.
وترى المملكة أنه ليس من المجدي تعريض هذه العلاقة للخطر -التي يراها السعوديون كافية لحماية أنفسهم من هجمات الحوثيين- لمجرد دعم العمليات الأمريكية في البحر الأحمر.
التصعيد الأخير قدم للمملكة حوافز إضافية لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق في أقرب وقت ممكن.
بشكل عام، لم تعد هناك خيارات مواتية متبقية للسعودية في اليمن. وبينما نجحت استراتيجية تجزئة القضيتين في حماية الرياض حتى الآن، إلا أن ذلك ليس سوى ضمادة مؤقتة في غياب اتفاق سلام رسمي.
ويرتبط مستقبل الصراع في اليمن الآن ارتباطا وثيقا بالاضطرابات في البحر الأحمر، ويجب على عملية السلام في البلاد الآن أن تأخذ هذا الواقع غير المريح في الاعتبار.

مجلة فورين بوليسي الأمريكية