اليمن بالحبر العبري -
بدأ اعتداء إسرائيل المتواصل على قطاع غزة في دفع منطقة الشرق الأوسط نحو صراع إقليمي أوسع. 
إذ برز الحوثيون في اليمن كطرفٍ قوي غير متوقع خلال الأسابيع الماضية، ونجحوا في تعطيل حركة الشحن العالمية التي تسير نحو إسرائيل بسبب استمرار الحرب في غزة،  ودفعوا الولايات المتحدة إلى شن سلسلةٍ من الضربات الجوية في محاولة ردع أمريكية فاشلة.
 على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، هاجم الحوثيون سفن التجارة المارة عبر البحر الأحمر، في تدخّل عسكري غير متوقع، يستهدف إجبار إسرائيل على إنهاء هجومها المدعوم أمريكياً على غزة، والسماح بدخول المساعدات إلى القطاع المحاصَر.
وبدأ ضغط الحوثيين على ممر التجارة الحيوي في التأثير على الاقتصاد العالمي بالفعل: حيث غيّرت شركات الشحن المذعورة مسار سفنها إلى طرقٍ أكثر تكلفة، مع ارتفاع رسوم التأمين ضد المخاطر وأسعار الشحن العالمية. ومن المحتمل أن تبدأ آثار محاولة سد مضيق باب المندب في الظهور على تكاليف النفط والسلع حول العالم قريباً.
منذ الأسبوع الماضي، شنّت الولايات المتحدة 5 ضربات جوية ضد أهدافٍ حوثية. فضاعف الحوثيون جهودهم، واستهدفوا السفن المارة بأعداد أكبر من الصواريخ والمُسيَّرات. وتضمنّت الأهداف سفناً تجارياً أمريكية وسفينة حربية تابعة للبحرية الأمريكية -في مؤشرٍ على أن الضربة الأمريكية زادت الحركة المسلحة شجاعة، كما يقول تقرير لموقع The Intercept الأمريكي.
وخلال مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض يوم الخميس، 18 يناير/ كانون الثاني، أقرّ الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن الضربات الجوية لم توقف الحوثيين. لكنه أردف أن الولايات المتحدة ستستمر في استهداف الجماعة على أي حال.
بهذا القرار، يبدو أن إدارة بايدن جعلت نفسها عرضةً للحصار الجيوسياسي في وضعية «كش ملك» بواسطة الحوثيين كما يقول موقع إنترسبت الأمريكي، إذ إن تصعيد ضرباتها الجوية ضد الجماعة سيزيد اضطرابات الشحن العالمية وهو الأمر الذي سيسفر عن نتائج عكسية على صعيد تخفيف التداعيات الاقتصادية، كما سيخاطر باندلاع حرب إقليمية شاملة.
أما في حالة التفاوض أو الرضوخ لمطالب الجماعة فسوف يرى الكثيرون في ذلك استسلاماً أمريكياً من شأنه تعزيز شعبية الحوثيين المستحدثة.
يقول الموقع الأمريكي إن الحوثيين لا يبدون على استعداد للتراجع، بل يرحبون بالصراع الأوسع أيضاً، وذلك بعد أن اشتد عودهم نتيجة العدوان عليهم لتسع سنوات.
من جهتها، تقول أيونا كريغ، الصحفية الأمريكية والمتخصصة باليمن: «يريد الحوثيون هذا الصراع بكل تأكيد. إنه جزء من أيديولوجيتهم التي تَشكل عنصرها المناهض للولايات المتحدة أثناء فترة الغزو الأمريكي للعراق. وهم ينظرون إلى أنفسهم اليوم على اعتبارهم المدافعين عن الفلسطينيين وشعب غزة».
وبعد ساعتين من تصنيفهم كجماعةٍ إرهابية بواسطة الولايات المتحدة، استهدف الحوثيون حاملة طائرات أمريكية، لترد الولايات المتحدة بجولةٍ جديدة من الضربات الجوية.
قال دانييل ديبيتريس، زميل مركز أبحاث Defense Priorities للسياسة الخارجية في واشنطن، لموقع The Intercept الأمريكي: «يبدو أن إدارة بايدن تأمل أن يؤدي تراجع قدرات الحوثيين إلى إجبارهم على التوقف، لكن من الواضح أن هذه الخطة غير مجدية. ومن الممكن ردع الجميع، فالحوثيون ليسوا مجانين. لكن مشكلة التعامل مع الأطراف النشطة غير الحكومية تكمن في أنهم يحتاجون إلى قوةٍ أكبر حتى يقتنعوا بتغيير حساباتهم الاستراتيجية». ثم أردف: «ظن السعوديون أيضاً أنه بإمكانهم هزيمة الحوثيين عسكرياً دون الحاجة إلى التطرق لمطالبهم السياسية».
وعادةً ما يقلل الناس من شأن الحوثيين باعتبارهم مجرد وكلاء لإيران وأعضاءٍ في تجمع جماعات يُشار إليه باسم «محور المقاومة» لكن المحللين يقولون إن إيران ربما تزوّد الحوثيين بالمال والسلاح والتدريب العسكري، لكن الحوثيين يتصرفون باستقلال سياسي نسبي، كما يقول موقع إنترسبت.
إذ قال هشام العميسي، المستشار الكبير لشؤون اليمن في معهد European Institute of Peace، للموقع الأمريكي: «إننا نسلب الحوثيين وكالتهم عندما نصفهم بأنهم مجرد أدوات في يد إيران. حيث إنهم يتمتعون بعقليتهم، وأجندتهم، وأيديولوجيتهم الخاصة».
وأوضح العميسي: «لا يقتصر الهدف النهائي للحوثيين على اليمن فحسب، وهذه من النقاط الرئيسية التي تفوت الناس أثناء الحديث عنهم. هذه جماعة توسعية لديها طموحات إقليمية. ويمثل هذا الصراع فرصةً مثاليةً لهم حتى يقولوا إنهم الطليعة الحقيقية للأمة العربية، أما بقية القادة من أصدقاء أمريكا فهُم متواطئون في معاناة الفلسطينيين».

 موقع The Intercept الأمريكي