تتعرض اليمن لتضييق الخناق بسبب الحصار المفروض في البحر الأحمر من قبل قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
ماري بورو ولويس امبير| صحيفة “لوموند” الفرنسية
تسببت جميع أطراف الصراع اليمني في إعاقة وصول أي مساعدات إنسانية للبلد، حيث وضح ذلك مجموعة من الخبراء في منظمة الأمم المتحدة من خلال تقرير تم تقديمه في أواخر يناير الماضي في حين تم الإعلان عنه يوم الخميس 23 فبراير الجاري.
وقد حمل الخبراء مسئولية عواقب هذا الحصار على قوات التحالف العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي تشن الحرب على اليمن منذ مارس 2015، إذ يشمل هذا الحصار كافة المناطق التي تخضع لسيطرة جماعة الحوثي والقوى الموالية للرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح.
وأوضح التقرير المقدم من منظمة الأمم المتحدة أن ” ارتفاع تكاليف التأمين بسبب مخاطر الحرب ومشاكل تبادل العملات فضلاً عن تصاعد عمليات إعاقة السفن التجارية أو الاستيلاء عليها، كان عائقاً أمام توزيع المواد الغذائية”، وأضاف التقرير أيضاً أن الحصار تسبب في “منع حركة المرور وتخويف العاملين في المجال الإنساني وفرض شروط تتعلق بأماكن وطرق توزيع المساعدات”.
هذا النزاع الذي سيدخل عامه الثالث في مارس المقبل أودى بحياة 10.000  شخص، وجرح 40 ألف آخرين ناهيك عن ملايين النازحين بحسب منظمة الأمم المتحدة، وباتت المجاعة تهدد  7,3 مليون شخص يمني هم بحاجة طارئة إلى المساعدات الغذائية من ضمنهم 460.000 طفل. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 1,7 مليار دولار (1.6 مليار يورو) هي الأموال اللازمة لتخطي هذه المجاعة ولكن من الجدير بالذكر أن التجاوب الإنساني لن يكون بالقدر الكافي إذ من الضروري الوصول إلى كافة الموانئ بما في ذلك ميناء الحديدة – ميناء رئيسي يخضع لسيطرة الحوثيين- بحرية تامة ودون أي عوائق.
شن الجيش الموالي للرئيس هادي بالتعاون مع قوات التحالف العربي هجوماً على مواقع الحوثيين على طول ساحل البحر الأحمر جنوب غرب البلد حيث يبسط الحوثيين سيطرتهم على جزء كبير منه، تمكنت بعدها القوى الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي من السيطرة على ميناء المخا خلال الأسابيع الأخيرة وذلك بعد تلقيها دعماً جوياً ومساندة جنود سودانيين وقوى إماراتية تم إرسالها عبر قاعدة عصب في اريتريا. ولكن مازال هذا الانتصار ضعيفاً لاسيما بعد قتل نائب رئيس هيئة أركان الجيش اليمني أحمد سيف اليافعي يوم الأربعاء 22 فبراير الجاري في قصف من قبل الحوثيين بالقرب من مدينة المخا.
وقد أكد الرئيس هادي في منتصف شهر فبراير الجاري على ضرورة متابعة هذه العملية للوصول إلى ميناء الحديدة الذي يقع على بعد 170 كم شمالاُ من ميناء المخا، والذي من خلاله يتم نقل حوالي 70% من المواد الغذائية إلى الأراضي التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، ومن هناك إلى العاصمة صنعاء التي تقع على بعد 150 كم شرقاً.
من جانبها أصدرت الرياض تصريحا متناقضا حول هذا الموضوع، بيد أن ولي العهد ونائب وزير الدفاع- أقوى الرجال في النظام السعودي- أبدى مساندته للرئيس هادي وذلك بعد انتقاله لقصر الضيافة لاستقبال هادي في اليوم الذي أعقب هذه التصريحات. ومن المحتمل أن القوى اليمنية تسعى إلى مفترق طرق مع القوى السعودية التي تحاصر حدود مدينة ميدي التي تخضع لسيطرة الحوثيين.
أما فيما يتعلق بالقوى الإماراتية فإن الدور البارز الذي لعبته في هذه العملية المفاجئة يكمن في بقائها منذ أكثر من عام لتستقر وبشكل أساسي في جنوب البلد من أجل القيام بمكافحة الإرهاب من خلال عمليات تقوم بها ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بالإضافة إلى تفويض القوى المحلية المتحالفة معها بتأمين المناطق الساحلية لخليج عدن.
وتأتي هذه العملية عقب سلسة من الهجمات التي قام بتنفيذها الحوثيين في مضيق باب المندب عند مخرج البحر الأحمر- أحد أهم الممرات الملاحية الرئيسية في العالم، إذ استهدفت هذه الهجمات سفن بحرية تابعة للإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية في أكتوبر الماضي وسفن بحرية تابعة للسعودية في يناير من هذا العام، بالإضافة إلى اعتراض سفينة تجارية إسبانية أواخر أكتوبر من العام المنصرم.
تتعرض مدينة الحديدة لقصف الطيران السعودي حيث أسقطت الطائرات منشورات تطالب بها جماعة الحوثي بإخلاء المدينة، وقد أشار أحد المراقبين العسكريين الأجانب إلى أن “الغرب يرى أن الاستيلاء على هذا الميناء سيكون بمثابة خطأ إستراتيجي وسيتحمل الرئيس هادي مسئولية المجاعة الوشيكة في البلد”. كما أضاف: “سيتوجب عليهم تدمير المدينة بالكامل” إذ أن الصراع على استيلاء ميناء الحديدة قد يستغرق عدة أشهر كما أنه سيكلفهم الكثير.
وفقاً لتقرير منظمة الأمم المتحدة أن هذه العملية العسكرية تقترن بعملية اقتصادية جديدة والتي بدأت في سبتمبر 2016 من خلال نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء التي تخضع لسيطرة الحوثيين إلى عدن حيث تتواجد الحكومة الشرعية لهادي.
تهدف هذه العملية إلى قطع أي موارد أو إمدادات قد تصل إلى الحوثيين الأمر الذي أدى إلى تدني السلع والخدمات الأساسية التي يحتاجها السكان المدنيين للبقاء على قيد الحياة، ويعتقد محققي الأمم المتحدة أن عواقب هذه العملية قد تؤدي إلى تسريع حدوث الكارثة الإنسانية الوشيكة لاسيما في المناطق التي تقع تحت سيطرة جماعة الحوثي.
أعلن الرئيس هادي يوم الخميس أن المملكة العربية السعودية قامت بتخصيص مبلغ 10 مليار دولار (9,5 مليار يورو) “من أجل إعادة أعمار المحافظات التي تم تحريرها، بما في ذلك 2 مليار تم إيداعها في البنك المركزي لدعم الريال اليمني”، ولكن الرياض لم تؤكد هذه التصريحات.
ويشير تقرير الأمم المتحدة إلى أنه وحتى اليوم ” لم يبدي أي من الطرفين أدنى اهتمام من أجل التوصل إلى تسوية سياسية أو محادثات سلام”، إذ يبدو أن حكومة هادي والحوثيين مستفيدين من التفكك الحاصل حالياً في البلد وبالأخص من أجل الحفاظ على مواقعهم، وقد أوضح مصطفى نعمان النائب السابق لوزير الشؤون الخارجية أن “لا أحد بإمكانه الانتصار ولا أحد يريد ذلك”.
من الجدير بالذكر أيضاً أن الرياض رفضت أواخر العام 2016 الجهود المبذولة من أجل خطة السلام التي قدمها وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، حيث أشار أحد الدبلوماسيين في المنطقة أن المملكة السعودية تعتقد أن بإمكانها الحصول على الكثير من الإدارة الأمريكية الجديدة لترمب. فمنذ تولي الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب السلطة الأمريكية، عملت واشنطن- التي تقدم دعمها اللوجيستي والإستخباراتي  لقوات التحالف العربي- على معارضة توسع النفوذ الإيراني في اليمن.
ترجمة: شامية الحيدري